مناقب آل ابی طالب المجلد 2

اشارة

عنوان و نام پديدآور:مناقب آل ابی طالب/ تالیف رشید الدین ابی عبد الله محمد بن علی بن شهر آشوب. تحقیق علی السید جمال اشرف الحسینی.

مشخصات نشر:قم: المکتبه الحیدریه، 1432ق = 1390.

مشخصات ظاهری:12ج

وضعیت فهرست نویسی:در انتظار فهرستنویسی (اطلاعات ثبت)

يادداشت:ج.9. (چاپ اول)

شماره کتابشناسی ملی:2481606

ص: 1

اشارة

مناقب آل أبي طالب

المؤلف: رشيد الدين أبي عبد اللَّه محمد بن علي بن شهرآشوب

المحقّق: السيّد علي السيّد جمال أشرف الحسيني

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحيم

ص: 3

ص: 4

فصل 18 : في إعجازه صلى الله عليه وآله

اشاره

ص: 5

ص: 6

معاجز في الغار

علي بن إبراهيم بن هاشم : ما زال أبو كرز الخزاعي يقفو أثر النبي صلى الله عليه وآله ، فوقف على باب الحجر - يعني الغار - فقال : هذه قدم محمد صلى الله عليه وآله ، واللَّه أخت القدم التي في المقام ، وقال : هذه قدم أبي قحافة أو ابنه ، وقال : ما جازوا هذا المكان ، إمّا أن يكونوا صعدوا في السماء ، أو دخلوا في الأرض .

* * *

وجاء فارس من الملائكة في صورة الإنس ، فوقف على باب الغار وهو يقول لهم : اطلبوه في هذه الشعاب ، فليس ها هنا(1) .

* * *

وتبعه القوم ، فعمّى [ اللَّه ] أثره ، وهو نصب أعينهم ، وصدّهم عنه ، وهم دهاة العرب(2) .

* * *

وكان الغار ضيّق الرأس ، فلمّا وصل إليه النبي صلى الله عليه وآله اتسع بابه ، فدخل بالناقة ، فعاد الباب وضاق كما كان في الأول .

* * *

ص: 7


1- 1. مجمع البيان : 5/57 ، قصص الرواندي : 334 ، تفسير القمي : 1/276 .
2- 2. مجمع البيان : 1/79 .

الواقدي : لمّا خرج النبي صلى الله عليه وآله إلى الغار ، فبلغ الجبل وجده مصمتاً(1) ، فانفرج حتى دخل رسول اللَّه صلى الله عليه وآله الغار .

* * *

زيد بن أرقم ، وأنس ، والمغيرة : أمر اللَّه شجرة [ صغيرة ] ، فنبتت في وجه الغار ، وأمر العنكبوت فنسجت في وجهه ، وأمر حمامتين وحشيتين فوقفتا بفم الغار(2) .

* * *

وروي أنّه أنبت اللَّه - تعالى - على باب الغار ثمامة ، وهي شجرة صغيرة(3) .

* * *

الزهري : ولمّا قربوا من الغار بقدر أربعين ذراعاً تعجّل بعضهم لينظر من فيه ، فرجع إلى أصحابه ، فقالوا له : ما لك لا تنظر في الغار ؟ قال : رأيت حمامتين بفم الغار ، فعلمت أن ليس فيه أحد ، وسمع النبي صلى الله عليه وآله ما قال ، فدعا لهن ، وفرض جزاهن ، فاتخذن في الحرم(4) .

* * *

ص: 8


1- 3. المصمت : المغلق المبهم الذي لا فرجة فيه .
2- 4. تفسير السمرقندي : 2/59 ، الطبقات الكبرى : 1/229 .
3- 5. التبيان للطوسي : 5/221 .
4- 6. المعجم الكبير : 20/443 ، الدلائل للاصبهاني : 2/660 ، إعلام الورى : 1/79 .

ورأى أبو بكر واحداً يبول قبلهم ، فقال : قد أبصرونا ! فقال النبي صلى الله عليه وآله : لو أبصرونا لمّا استقبلونا بعوراتهم(1) .

* * *

[ قال ] الحميري :

حتى إذا قصدوا لباب مغارة

ألفوا عليه نسج غزل العنكب

صنع الإله "له" فقال فريقهم

ما في المغار لطالب من مطلب

ميلوا فصدّهم المليك ومن يرد

عنه الدفاع مليكه لم يعطب(2)

* * *

وله [ أيضاً ] :

فصدّهم عن غاره عنكب له

على بابه سدّى ووشى فجودا

فقال زعيم القوم ما فيه مطلب

ولم يظفر الرحمن منهم به يدا

* * *

[ وقال ] القيرواني :

حمت لديك حمام الوحش جاثمة

كيداً بكلّ غويّ القلب مختبل

والعنكبوت أجادت حوك حلّتها

فما تخاف خلال النسج من خلل

قالوا وجاءت إليه سرحة سترت

وجه النبي بأغصان لها هدل(3)

* * *

ص: 9


1- 7. مجمع البيان : 5/57 .
2- 8. إعلام الورى : 1/79 وفيه : « لا يعطب » .
3- 9. السرح : الشجر العظام وكلّ شجر طال . والهدل : ما ارسل الى الأسفل وأرخي .

إقبال الشجرة بأمره وإلقاؤها بأغصانها عليه وعلى علي

وفى خطبة القاصعة عن أمير المؤمنين عليه السلام : إنّ النبي صلى الله عليه وآله قال : أيّتها الشجرة ، إن كنت تؤمنين باللَّه واليوم الآخر ، وتعلمين أنّي رسول اللَّه ، فانقلعي بعروقك حتى تقفي بين يدي بإذن اللَّه .

فواللَّه الذي بعثه بالحقّ ، لانقلعت بعروقها ، وجاءت ولها دويّ شديد ، وقصف كقصف أجنحة الطير ، حتى وقفت بين يدي رسول اللَّه صلى الله عليه وآله مرفرفة ، وألقت بغصنها الأعلى على رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، وببعض أغصانها على منكبي ، وكنت عن يمينه .

فلمّا نظر القوم إلى ذلك ، قالوا علوّاً واستكباراً : فمرها فليأتك نصفها ، "ويبقى نصفها" .

فأمرها بذلك ، فأقبل إليه نصفها كأعجب(1) إقبال ، وأشدّه دويّاً ، فكانت تلتف برسول اللَّه صلى الله عليه وآله .

فقالوا كفراً وعتوّاً : فمر هذا النصف فليرجع إلى نصفه .

فأمره صلى الله عليه وآله ، فرجع ، فقال القوم : ساحر كذّاب ، عجيب "السحر" ، خفيف فيه(2) .

سجود الشجرة بين يديه

ابن عباس عن أبيه : قال أبو طالب عليه السلام للنبي صلى الله عليه وآله : يا بن أخ ، أللَّه

ص: 10


1- 10. في نسخة « النجف » : « بأعجب » .
2- 11. نهج البلاغة : 159 خ 192 ، إعلام الورى : 1/75 .

أرسلك(1) ؟ قال : نعم ، قال : فأرني آية ، ادع لي تلك الشجرة ، فدعاها حتى سجدت بين يديه ، ثم انصرفت .

فقال أبو طالب عليه السلام : أشهد أنّك صادق رسول ، يا علي صل جناح ابن عمّك(2) .

إقبال العذق وسجوده له

ابن عباس : جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وآله وسأله آية ، فدعا النبي صلى الله عليه وآله العذق ، فجاء العذق ينزل من النخلة حتى سقط في الأرض ، فجعل ينقز(3) حتى أتى النبي صلى الله عليه وآله ، فقال له : عد إلى مكانك ، فعاد إلى مكانه ، فأسلم الأعرابي(4) .

وفى رواية : فدعا العذق ، فلم يزل يأتي ويسجد حتى انتهى إلى النبي صلى الله عليه وآله يتكلّم .

* * *

ص: 11


1- 12. يبدو أنّ سؤال أبي طالب عليه السلام يهدف الى إقامة الحجّة على نبوة النبي صلى الله عليه وآله أمام الناس .
2- 13. الأمالي للصدوق : 712 مج 76 ح 11 ، روضة الواعظين : 139 .
3- 14. في بعض المصادر : « يقفز » ، وفي بعضها : « ينقز » ، وفي بعضها : «ينقر » ، والنقز : الوثب صعداً . .
4- 15. المستدرك للحاكم : 2/620 ، دلائل النبوة للبيهقي : 6/15 ، المعجم الكبير : 12/86 ، سنن الترمذي : 5/254 باب 28 رقم 33707 ، الخرائج : 1/44 ح 54 ، التاريخ الكبير للبخاري : 3/3 ح 6 .

وفي دعائك للأشجار حين أتت

تمشي بأمرك في أغصانها الدلل

وقلت عودي فعادت في منابتها

تلك العروق بإذن اللَّه لم تمل(1)

خوف أبي جهل من النبي لما شاهده

وكان أبو جهل يقول : ليت لمحمد صلى الله عليه وآله إليّ حاجة ، فأسخر منه وأردّه ، إذ اشترى أبو جهل من رجل طارى ء(2) بمكة إبلاً ، فلواه حقّه(3) ، فأتى نادي قريش مستجيراً بهم، فأحالوه إلى النبي صلى الله عليه وآله استهزاءاً به، لقلّة منعته عندهم.

فأتى الرجل مستجيراً به ، فمضى صلى الله عليه وآله معه ، وقال : قم يا أبا جهل وأدّ إلى الرجل حقّه، وإنّما كنّاه(4) أبا جهل ذلك اليوم، وكان اسمه «عمرو بن هشام».

فقام مسرعاً وأدّى حقّه ، فقال بعض أصحابه : فعل ذلك فرقاً من محمد صلى الله عليه وآله ، قال : ويحكم اعذروني ، إنّه لمّا أقبل رأيت عن يمينه رجالاً بأيديهم حراب تتلألأ ، وعن يساره ثعبانان تصطك(5) أسنانهما ، وتلمع النيران من أبصارهما ، فلو امتنعت لم آمن أن يبعجوا بالحراب بطني ، ويقضمني الثعبانان(6) .

ص: 12


1- 16. الدر النظيم : 135 .
2- 17. في نسخة « النجف » : « طائي » .
3- 18. في نسخة « النجف » : « بحقّه » .
4- 19. في نسخة « النجف » : « كنى » .
5- 20. في « المخطوطة » : « تصك » . والمعنى واحد .
6- 21. الإحتجاج : 1/323 ، الثاقب في المناقب : 110 ح 103 .

خرّ سرير عتبة وشيبة

ابن مسعود : لمّا دخل النبي صلى الله عليه وآله الطائف رأى عتبة وشيبة جالسين على سرير ، فقالا : هو يقوم قبلنا .

فلمّا قرب النبي صلى الله عليه وآله منهما خرّ السرير ، ووقعا على الأرض ، فقالا : عجز سحرك عن أهل مكة فأتيت الطائف !

* * *

والسرح بالشام لمّا جئتها سجدت

شمّ الذوائب من أفنانها الخضل

إخباره بالسرائر

وكان النبي صلى الله عليه وآله يخبر بالسرائر ، وكان المنافقون لا يخوضون في شي ء من أمره إلّا أطلعه اللَّه عليه ، حتى كان بعضهم يقول لصاحبه : اسكت وكفّ ، فواللَّه لو لم يكن عنده إلّا الحجارة ، لأخبرته حجارة البطحاء(1) .

إخباره بما قال أبو سفيان لهند في الفراش

وقال أبو سفيان في فراشه مع هند : العجب ! يرسل يتيم أبي طالب "ولا" أرسل ! فقصّ عليه النبي صلى الله عليه وآله من غده .

فهمّ أبو سفيان بعقوبة هند لإفشاء سرّه ، فأخبره النبي صلى الله عليه وآله بعزمه في عقوبتها ، فتحيّر أبو سفيان .

ص: 13


1- 22. الخرائج : 1/31 ح 27 ، الشفاء للقاضي عياض : 1/345 .

إخباره بما بيّت له صفوان بن أمية

قتادة : قال أبيّ بن خلف الجمحي - وفي رواية غيره : صفوان بن أمية المخزومي - لعمير بن وهب الجمحي : عليّ نفقاتك ونفقات عيالك ما دمت حيّاً إن سرت إلى المدينة وقتلت محمداً في نومه ، فنزل جبرئيل عليه السلام بقوله « سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ » الآية .

فلمّا رآه رسول اللَّه صلى الله عليه وآله قال : لم جئت ؟ فقال : لفداء أسرى عندكم ، قال : وما بال السيف ؟ قال : قبحها اللَّه ، وهل أغنت من شي ء ؟ قال : فماذا شرطت لصفوان بن أمية في الحجر ؟ قال : وماذا شرطت ؟ قال : تحمّلت له بقتلي على أن يقضي دينك ، ويعول عيالك ، واللَّه حائل بيني وبينك .

فأسلم الرجل ، ثم لحق بمكة ، وأسلم معه بشر ، وحلف صفوان لا يكلّمه أبداً(1) .

إخباره بمكان ناقته

وضلّت ناقته "في توجه"(2) تبوك ، فتفرّق الناس في طلبها ، فقال زيد بن اللصيب(3) : إنّه ينبئنا بخبر السماء ، وهو لا يدري أين ناقته !

ص: 14


1- 23. المعجم الكبير : 17/58 ، الدلائل للاصبهاني : 4/1266 ، دلائل النبوة للبيهقي : 3/147 ، السيرة لابن هشام : 1/140 ، الخرائج : 1/120 .
2- 24. في قصص الأنبياء للراوندي : 307 وغيره عن الصادق عليه السلام : « في غزوة تبوك » .
3- 25. في قصص الراوندي عن الصادق عليه السلام : « فقال المنافقون » .

فقال صلى الله عليه وآله : واللَّه ، إنّي لا أعلم إلّا ما علّمني ربّي ، وقد أخبرني أنّها في وادي كذا متعلّق زمامها بشجرة ، فكان كما قال(1) .

* * *

وأخبر الناس عمّا في ضمائرهم

مفصّل بجواب غير محتمل

إحياؤه جدي الفقير

الصادق عليه السلام في خبر : إنّه ذكر قوة اللحم عند رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، فقال : ما ذقته منذ كذا ، فتقرّب إليه فقير بجدي كان له فشواه ، وأنفذه إليه ، فقال النبي صلى الله عليه وآله : كلوه ولا تكسروا عظامه .

فلمّا فرغوا أشار إليه ، وقال : انهض بإذن اللَّه ، فأحياه ، فكان يمرّ عند صاحبه كما يساق(2) .

إحياؤه شاة أبي أيوب

وأتي أبو أيوب بشاة إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله في عرس فاطمة عليها السلام ، فنهاه جبرئيل عليه السلام عن ذبحها ، فشقّ ذلك عليه ، فأمر صلى الله عليه وآله لزيد بن جبير الأنصاري ، فذبحها بعد يومين .

ص: 15


1- 26. دلائل النبوة للبيهقي : 5/232 ، السيرة لابن هشام : 4/166 ، الخرائج : 1/121 ح 197 .
2- 27. بصائر الدرجات : 293 باب 4 ح 5 ، الثاقب في المناقب : 95 باب 1 ح 84 ، الخرائج : 2/584 ح 1 .

فلمّا طبخ أمر ألّا يأكلوا إلّا باسم اللَّه ، وأن لا يكسروا عظامها ، ثم قال : إنّ أبا أيوب رجل فقير ، إلهي أنت خلقتها ، وأنت أفنيتها ، وإنّك قادر على إعادتها ، فأحيها يا حي لا إله إلّا أنت .

فأحياها اللَّه ، وجعل فيها بركة لأبي أيوب ، وشفاء المرضى في لبنها ، فسمّاها أهل المدينة « المبعوثة » .

وفيها قال عبد الرحمن بن عوف أبياتاً منها :

ألم ينظروا شاة ابن زيد وحالها

وفي أمرها للطالبين مزيد

وقد ذبحت ثم استجزاها بها

وفضلها فيما هناك يزيد

وأنضج منها اللحم والعظم والكلى

فهلهله بالنار وهو هريد

فأحيى له ذو العرش واللَّه قادر

فعادت بحال ما يشاء يعود(1)

جدي آخر لأبي أيوب

وفي خبر عن سلمان : أنّه لمّا نزل صلى الله عليه وآله دار أبي أيوب لم يكن له سوى جدي ، وصاع من شعير ، فذبح [ له ] الجدي وشواه ، وطحن الشعير وعجنه وخبزه ، وقدّم بين يدي النبي صلى الله عليه وآله ، فأمر بأن ينادى : ألا من أراد الزاد فليأت دار أبي أيوب .

فجعل أبو أيوب ينادي ، والناس يهرعون كالسيل ، حتى امتلأت الدار ، فأكل الناس بأجمعهم ، والطعام لم يتغيّر ، فقال النبي صلى الله عليه وآله : اجمعوا العظام .

ص: 16


1- 28. الدر النظيم : 135 .

فجمعوها ، فوضعها في إهابها ، ثم قال : قومي بإذن اللَّه تعالى ، فقام الجدي ، فضجّ الناس بالشهادتين(1) .

عبّرهم من ماء قدره أربع عشرة قامة

أمير المؤمنين عليه السلام قال : لمّا غزونا خيبر ، ومعنا من يهود فدك جماعة ، فلمّا أشرفنا على القاع إذا نحن بالوادي والماء يقلع الشجر ، ويدهده الجبال .

قال : فقدّرنا الماء ، فإذا هو أربع عشرة قامة ، فقال بعض الناس : يا رسول اللَّه ، العدو من ورائنا ، والوادي قدّامنا !

فنزل النبي صلى الله عليه وآله ، فسجد ودعا ، ثم قال : سيروا على اسم اللَّه .

قال : فعبرت الخيل والإبل والرجال(2) .

كلامه مع الصبيّة الميتة

عن الحسين : إنّ رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال : يا رسول اللَّه ، إنّي قدمت من سفر لي ، فبينما بنية خماسية تدرج حولي في حليّها ، فأخذت بيدها ، وانطلقت بها إلى وادي فلان ، فطرحتها فيه ، فقال النبي صلى الله عليه وآله : انطلق معي فأرني الوادي .

ص: 17


1- 29. الدر النظيم : 118 .
2- 30. الإحتجاج : 1/324 ، الخرائج : 1/54 ح 84 ، الثاقب في المناقب : 46 ح 11 .

فانطلق معه ، فأراه الوادي ، فقال النبي صلى الله عليه وآله لاُمّها : ما كان اسمها ؟ قالت : فلانة ، فقال صلى الله عليه وآله : يا فلانة ، أجيبيني بإذن اللَّه .

فخرجت الصبية وهي تقول : لبيك - يا رسول اللَّه - وسعديك ، فقال لها : إنّ أبويك قد أساءا ، فإن أحببت أن أردّك عليهما ؟ فقالت : يا رسول اللَّه ، لا حاجة لي فيهما ، وجدت اللَّه خيراً لي منهما(1) .

حبس أبا لهب وامرأته حتى الفجر

وقالت قريش لأبي لهب : إنّ أبا طالب هو الحائل بيننا وبين محمد صلى الله عليه وآله ، ولو قتلته لم ينكر أبو طالب ، وأنت برئ من دمه ، ونحن نؤدّي الديّة ، وتسود قومك ، قال : فإنّي أكفيكموه .

فنزل أبو لهب إليه ، وتسلقت امرأته الحائط حتى وقفت على رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، فصاح به أبو لهب ، فلم يلتفت إليه ، وهما كانا لا ينقلان قدماً ، ولا يقدران على شي ء حتى انفجر الصبح .

وفرغ النبي صلى الله عليه وآله من الصلاة ، فقال أبو لهب : يا محمد ، أطلقنا ، قال : لا أطلق عنكما أو تضمنا لي أنّكما لا تؤذياني ، قالا : قد فعلنا ، فدعا ربّه ، فرجعا .

العجب من تراب الخندق

جابر : خرج النبي صلى الله عليه وآله إلى المسلمين وقال : جدّوا في الحفر ، فجدّوا

ص: 18


1- 31. دلائل النبوة للبيهقي : 6/34 ، الخرائج : 1/37 .

واجتهدوا ، ولم يزالوا يحفرون حتى فرغ الحفر ، والتراب حول الخندق تلّ عال ، فأخبرته بذلك ، فقال : لا تفزع - يا جابر - فسوف ترى عجباً من التراب .

قال : وأقبل الليل ، ووجدت عند التراب جلبة ، وضجّة عظيمة ، وقائل يقول :

انتسفوا التراب والصعيدا

واستودعوه بلداً بعيدا

وعاونوا محمد الرشيدا

قد جعل اللَّه له عميدا

أخاه وابن عمّه الصنديدا

فلمّا أصبحت لم أجد من التراب كفّاً واحداً .

* * *

[ قال ] أمير المؤمنين عليه السلام :

إنّ الذي قد اصطفى محمدا

وأظهر الأمر به وأيّدا

وسرّ من والى واكبا الحسّدا

وأحسن الذخر له ومهّدا

وجاء بالنور المضئ المحمدا

وناصح اللَّه وخاف الموعدا

* * *

ص: 19

ص: 20

فصل 19 : فيما ظهر من الحيوانات والجمادات

اشاره

ص: 21

ص: 22

أول معجزة في المدينة

سلمان قال : لمّا قدم النبي صلى الله عليه وآله إلى المدينة تعلّق الناس بزمام الناقة ، فقال النبي صلى الله عليه وآله : يا قوم، دعوا الناقة، فهي مأمورة ، فعلى باب من بركت فأنا عنده .

فأطلقوا زمامها ، وهي تهف(1) في السير حتى دخلت المدينة ، فبركت على باب أبي أيوب الأنصاري(2) ، ولم يكن في المدينة أفقر منه ، فانقطعت(3) قلوب الناس حسرة على مفارقة النبي صلى الله عليه وآله .

فنادى أبو أيوب : يا أماه ، افتحي الباب ، فقد قدم سيد البشر ، وأكرم ربيعة ومضر ، محمد المصطفى صلى الله عليه وآله والرسول المجتبى .

فخرجت وفتحت الباب ، وكانت عمياء ، فقالت : وا حسرتى ، ليت كان لي عين أبصر بها إلى وجه سيدي رسول اللَّه صلى الله عليه وآله .

فكان أول معجزة النبي صلى الله عليه وآله في المدينة أنّه وضع كفّه على وجه أم [ أبي ] أيوب ، فانفتحت عيناها(4) .

ص: 23


1- 32. تهف : تسرع في السير .
2- 33. إعلام الورى : 1/157 ، الدرر لابن عبد البر : 86 ، الكافي : 8/339 ، المعجم الأوسط : 4/36 .
3- 34. في نسخة « النجف » : « فانطلقت » .
4- 35. الدر النظيم : 118 .

أجابة النوق سبع مرات وشهدت له بالنبوة

محمد بن إسحاق ، في خبر طويل عن كثير بن عامر : إنّه طلع من الأبطح راكب ، ومن ورائه سبع عشرة ناقة محمّلة ثياب ديباج ، على كلّ ناقة عبد أسود يطلب النبي صلى الله عليه وآله الكريم ، ليدفعها إليه بوصية أبيه ، فأومى ابن أبي البختري إلى أبي جهل ، وقال : هذا صاحبك ، فلمّا دنا منه قال : ما أنت بصاحبي .

فما زال يدور حتى رأى النبي صلى الله عليه وآله ، فسعى إليه ، وقبّل يديه ورجليه ، فقال له النبي صلى الله عليه وآله : ألست أنت ملجأ ناجي بن المنذر السكاسكي(1) ؟ قال : بلى يا رسول اللَّه .

قال صلى الله عليه وآله : فأين السبع عشرة ناقة محمّلة ذهباً وفضة ودرّاً وياقوتاً وجواهراً ووشياً وملحماً(2) وغير ذلك ؟ قال : هي ورائي مقبلة .

فقال : هي سبع عشرة ناقة ، على كلّ ناقة عبد أسود ، عليهم أقبية الديباج ، ومناطيق الذهب ، وأسماؤهم : محرز ومنعم وبدر وشهاب ومنهاج وفلان وفلان ؟ قال : بلي يا رسول اللَّه .

قال : سلّم المال ، وأنا محمد بن عبد اللَّه ، فأورد المال بجملته إلى النبي صلى الله عليه وآله .

فقال أبو جهل : يا آل غالب ، إن لم تنصفوني وتنصروني عليه لأضعن سيفي في صدري ، وهذا المال كلّه للكعبة .

ص: 24


1- 36. في نسخة « النجف » : « السكاكي » .
2- 37. الملحم : جنس من الثياب .

وركب فرسه ، وجرّد سيفه ، ونفرت مكّة أقصاها وأدناها ، حتى أجابت أبا جهل سبعون ألف مقاتل .

وركب أبو طالب عليه السلام في بني هاشم وبني عبد المطلب ، وأحاطوا بالنبي صلى الله عليه وآله ، ثم قال أبو طالب عليه السلام : ما الذي تريدون ؟ قال أبو جهل : إنّ ابن أخيك قد جنى علينا جنايات عظيمة ، ويحقّ للعرب أن تغضب ، وتسفك الدماء ، وتسبي النساء ، قال أبو طالب عليه السلام : وما ذاك ؟

فذكر قصّة الغلام ، وأنّ محمداً صلى الله عليه وآله سحره ، وردّه إلى دينه ، وأخذ منه المال ، وهو شي ء مبعوث للكعبة ، فقال : قف ، حتى أمضي إليه ، وأسأله عن ذلك .

فلمّا أتى النبي صلى الله عليه وآله ، وسأله ردّ ذلك ، وقال : لا أعطيه حبّة واحدة ، قال : خذ عشرة واعطه سبعة ، فأبى .

ثم أمر صلى الله عليه وآله أن توقف الهدية بين يديه ، وتناديها سبع مرات ، فإن كلمتها ، فالهديّة هديّتها ، وإن كلمتها أنا وأجابتني ، فالهديّة هديّتي .

فأتى أبو طالب عليه السلام ، وقال : إنّ ابن أخي قد أجابك إلى النصفة ، وذكر مقال النبي صلى الله عليه وآله ، والميعاد غداً عند طلوع الشمس .

فأتى أبو جهل إلى الكعبة ، وسجد لهبل ، ورفع رأسه ، وذكر القصّة ، ثم قال : أسألك أن تجعل النوق تخاطبني ، ولا يشمت بي محمد ، وأنا أعبدك من أربعين سنة ، وما سألتك حاجة ، فإن أجبتني هذه لأضعن لك قبّة من لؤلؤ أبيض ، وسوارين من الذهب ، وخلخالين من الفضّة ،

ص: 25

وتاجاً مكلّلاً بالجوهر ، وقلادة من العقيان(1) .

ثم إنّ النبي صلى الله عليه وآله حضر ، وكان منه المعجزات أن أجابته(2) كلّ ناقة سبع مرات ، وشهدت بنبوته بعد عجز أبي جهل ، فأخذ المال(3) .

أمر نخلتين فانضمّتا فقضى حاجته

يعلى بن سبابة قال : كنت مع النبي صلى الله عليه وآله في مسيرة ، فأراد أن يقضي حاجته ، فأمر نخلتين أن تنضمّ إحداهما إلى الأخرى ، ثم أمرهما بعد انقضاء حاجته أن يرجعا إلى منبتهما ، فرجعتا(4) .

سدرة النبي التي انفرجت له نصفين

ومرّ صلى الله عليه وآله في غزوة الطائف في كثير من طلح وسدر ، فمشى وهو وسن من النوم ، فاعترضته سدرة ، فانفرجت له بنصفين ، فمرّ بين نصفيها ، وبقيت منفرجة على ساقين إلى زماننا هذا يتبرك بها كلّ مارّ ، ويسمونها « سدرة النبي صلى الله عليه وآله »(5) .

ص: 26


1- 38. في كتاب العين : العقيان ذهب ينبت نباتاً ، وليس ممّا يذاب من الحجارة . وفي غيره : العقيان : الذهب الخالص .
2- 39. في « المخطوطة » : « المعجزات إجابة » .
3- 40. الدر النظيم : 137 .
4- 41. دلائل النبوة للبيهقي : 6/21 بعدّة طرق ، الخرائج : 1/45 ، سنن ابن ماجة : 1/122 .
5- 42. الثاقب في المناقب : 92 ح 79 ، الخرائج : 1/26 ح 6 ، الشفاء للقاضي عياض : 1/302 ، إعلام الورى : 1/88 .

سمكة مكتوب عليها الشهادتين

وصيد سمكة ، فوجد على إحدى اُذنيها : لا إله إلّا اللَّه ، وعلى الأخرى : محمد رسول اللَّه صلى الله عليه وآله .

الشهادتان على شحمة أُذن سخلة

كتاب شرف المصطفى : إنّه أتي بسخلة منقشة ، فنظرت إلى بياض شحمة أذنيها ، فإذا في إحداهما : لا إله إلّا اللَّه ، محمد رسول اللَّه صلى الله عليه وآله .

خدش أبي فقتله

وطعن صلى الله عليه وآله أبيّاً في جربان الدرع(1) بعنزة في يوم أحد ، فاعتنق فرسه ، فانتهى إلى عسكره ، وهو يخور خوار الثور ، فقال أبو سفيان : ويلك ، ما أجزعك ؟! إنّما هو خدش ليس بشي ء ! فقال : طعنني ابن أبي كبشة ، وكان يقول أقتلك .

فكان يخور الملعون حتى صار إلى النار(2) .

إحتراق المنافق بالسراج

وكان بلال إذا قال : أشهد أنّ محمداً رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، كان منافق يقول كلّ مرّة : حرق الكاذب - يعني النبي صلى الله عليه وآله - .

ص: 27


1- 43. جِرِبَّانُ الدِّرْعِ والقميصِ : جَيْبُه ؛ وقد يقال بالضمّ ، وهو بالفارسية گَرِيبان .
2- 44. اعلام الورى للطبرسي : 1/178 .

فقام المنافق ليلة ليصلح السراج ، فوقعت النار في سبابته ، فلم يقدر على إطفائها حتى أخذت كفّه ، ثم مرفقه ، ثم عضده حتى احترق كلّه(1) .

أدّى دين المديون والتمر كما هو

البخاري : إنّ النبي صلى الله عليه وآله قال لمديون مرّ عليه ، والدائنون يطلبونه بالديون : صنف تمرك كلّ شي ء على حدته ، ثم جاء فقعد عليه ، وكال لكلّ رجل حتى استوفى ، وبقي التمر كما هو كأن لم يمس(2) .

استند على شجرة يابسة فأثمرت

واستند النبي صلى الله عليه وآله على شجرة يابسة ، فأورقت وأثمرت(3) .

شجرة الجحفة

ونزل النبي صلى الله عليه وآله بالجحفة تحت شجرة قليلة الظلّ ، ونزل أصحابه حوله ، فتداخله شي ء من ذلك ، فأذن اللَّه - تعالى - لتلك الشجرة الصغيرة حتى ارتفعت ، وظلّلت الجميع .

ص: 28


1- 45. التبيان للطوسي : 3/570 ، الكشاف للزمخشري : 1/624 ، مجمع البيان : 3/367، جامع البيان للطبري : 6/393 ، أسباب النزول للواحدي : 134 .
2- 46. البخاري : 3/87 .
3- 47. فتوح الشام للواقدي : 2/34 .

فأنزل اللَّه - تعالى ذكره - « أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً »(1) .

نزول الخيل من السماء لنصرة النبي

وقال أعرابي للنبي صلى الله عليه وآله : يا محمد ، إنّني كنت وأخ لي خلف هذا الجبل نحتطب حطباً ، فرأينا الجموع قد زحف بعضها إلى بعض .

فقلت لأخي : اقعد حتى ننظر لمن تكون الغلبة ؟ وعلى من تدور الدائرة ؟

فإذا قد كشف اللَّه عن أبصارنا ، فرأينا خيولاً قد نزلت من السماء إلى الأرض ، أرجلها في الأرض ، وأعناقها في السماء ، وعليها قوم جبارين ، ومعهم ألوية(2) ، قد سدّت ما بين الخافقين ، فأمّا أخي فإنّه انشقت مرارته ، فمات من وقته وساعته ، وأمّا أنا فقد جئتك .

ثم أسلم .

ومثل الملائكة الذين ظهروا على الخيل البلق بالثياب البيض يوم بدر يقدمهم جبرئيل عليه السلام على فرس يقال له « حيزوم »(3) .

ص: 29


1- 48. الدر النظيم : 137 .
2- 49. في نسخة « النجف » : « الراية » .
3- 50. مجمع البيان : 4/442 ، جامع البيان : 4/102 ، تفسير الثعلبي : 4/334 ، تاريخ الطبري : 2/153 ، الهواتف : 20 .

مبارك اليمامة

معرض بن عبد اللَّه عن أبيه عن جدّه يتقدمهم معي(1) : أتي بصبي في خرقة إلى النبي صلى الله عليه وآله في حجّة الوداع ، فوضعه في كفّه ، ثم قال له : من أنا يا صبي ؟

فقال : أنت محمد رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، فقال : صدقت يا مبارك .

فكنّا نسميه « مبارك اليمامة »(2) .

إخباره عامر بن كريز أنّ ابنه مستق

وأتى عامر بن كريز يوم الفتح رسول اللَّه صلى الله عليه وآله بابنه عبد اللَّه بن عامر ، وهو ابن خمس أو ستّ ، فقال : حنّكه يا رسول اللَّه ، فقال : إنّ مثله لا يحنّك ، وأخذه وتفل في فيه ، فجعل يتسوّغ ريق رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، ويتلمّظه ، فقال صلى الله عليه وآله : إنّه لمستقى .

فكان لا يعالج أرضاً إلّا ظهر له الماء ، وله سقايات معروفة ، وله : « النباح » ، و« الجحفة » ، و« بستان ابن عامر »(3) .

ص: 30


1- 51. في بحار الأنوار : 17/391 باب 5 عن المناقب : معرض بن عبد اللَّه عن أبيه عن جدّه قال : أتي بصبي في خرقة . وليس فيه ولا في المصادر : « يتقدمهم معي » الموجودة في نسخ المناقب المتوفّرة لدينا .
2- 52. الثاقب في المناقب : 75 ح 57 ، تاريخ بغداد : 4/213 ، الشفاء للقاضي عياض : 1/320 . .
3- 53. المستدرك للحاكم : 3/639 ، الإستيعاب : 3/931 .

عادت تفلة عقبة عليه فأحرقته

ابن عباس والضحاك في قوله « وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ » نزلت في عقبة بن أبي معيط وأبي بن خلف ، وكانا توأمين(1) في الخلّة .

فقدم عقبة من سفره ، وأولم لجماعة الأشراف ، وفيهم رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، فقال النبي صلى الله عليه وآله : لا آكل طعامك حتى تقول : لا إله إلّا اللَّه ، وأنّي رسول اللَّه ، فشهد الشهادتين ، فأكل طعامه .

فلمّا قدم أبي بن خلف عذله ، وقال : صبأت ؟ فحكى قصّته ، فقال : إنّي لا أرضى عنك أو تكذبه !

فجاء إلى النبي صلى الله عليه وآله ، وتفل في وجهه(2) ، فانشقت التفلة شقّتين ، وعادتا إلى وجهه ، فأحرقتا وجهه ، وأثرتا ، ووعده النبي صلى الله عليه وآله حياته ما دام في مكة ، فإذا خرج قتل بسيفه .

فقتل عقبة يوم بدر ، وقتل النبي صلى الله عليه وآله بيده أبيّاً(3) .

عقاب يدفع الحيّة عن النبي

ابن عباس : إنّ النبي صلى الله عليه وآله خلع خفّيه وقت المسح ، فلمّا أراد أن يلبسهما تصوب عقاب من الهواء وسلبه ، وحلّق في الهواء ، ثم أرسله ، فوقعت من بينه حيّة .

ص: 31


1- 54. في بعض النسخ : « أتوآن » .
2- 55. السيرة لابن هشام : 1/242 ، تفسير ابن حاتم : 8/3685 ، تفسير العز : 423 .
3- 56. تفسير الثعلبي : 7/130 ، أسباب النزول للواحدي : 226 .

فقال النبي صلى الله عليه وآله : أعوذ باللَّه من شرّ ما يمشي على بطنه ، ومن شرّ من يمشي على رجلين ، ثم نهى أن يلبس إلّا أن يستبرأ .

إلياس يدعو أن يكون من الأمّة المرحومة

أنس : إنّ النبي صلى الله عليه وآله سمع صوتاً من قلّة جبل : اللّهم اجعلني من الأمّة المرحومة المغفورة .

فأتى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، فإذا بشيخ أشيب(1) قامته ثلاثمائة ذراع ، فلمّا رأى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله عانقه ، ثم قال : إنّني آكل في كلّ سنة مرّة واحدة ، وهذا أوانه ، فإذا هو بمائدة أنزلت من السماء فأكلا ، وكان إلياس عليه السلام(2) .

استسقاؤه لأهل المدينة ومكة

وكان أهل المدينة في جدب ، فلمّا أتى النبي صلى الله عليه وآله استسقوه فرفع يديه واستسقى ، فما ردّ يده إلى نحره حتى أتى المطر .

وكان يمطر أسبوعاً ، فضجروا وقالوا له في كثرته .

فقال صلى الله عليه وآله : حوالينا ولا علينا ، فانجاب السحاب عن السماء ، وظهرت الشمس في المدينة ، وكان يمطر في حواليها ، فظهرت البركات من قدومه .

ص: 32


1- 57. الأشيب : المبيض الرأس .
2- 58. المستدرك للحاكم : 2/617 ، دلائل النبوة للبيهقي : 5/421 .

فقال صلى الله عليه وآله : للَّه درّ أبي طالب ، لو كان حيّاً لقرّت به عيناه ، من ينشدنا قوله ؟ فقال عمر : لعلّك أردت :

وما حملت من ناقة فوق رحلها

أبرّ وأوفى ذمّة من محمد

فقال : هذا من قول حسان .

فقال أمير المؤمنين عليه السلام : لعلك أردت يا رسول اللَّه صلى الله عليه وآله :

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه

ربيع اليتامى عصمة للأرامل (59)

.. الأبيات ، فقال : أجل .

والسبب في ذلك أنّه كان قحط في زمن أبي طالب عليه السلام ، فقالت قريش : اعتمدوا اللّات والعزى ، وقال آخرون : اعتمدوا مناة الثالثة الأخرى ، فقال ورقة بن نوفل: أنّى تؤفكون ؟ وفيكم بقية إبراهيم، وسلالة إسماعيل ، أبو طالب ، فاستسقوه .

فخرج أبو طالب عليه السلام وحوله أغيلمة من بني عبد المطلب ، وسطهم غلام كأنّه شمس دجنة(1) تجلّت عنها غمامة ، فأسند ظهره إلى الكعبة ولاذ بإصبعه ، وبصبصت الأغيلمة حوله ، فأقبل السحاب في الحال ، فأنشأ أبو طالب عليه السلام اللامية(2) .

ص: 33


1- 60. في لسان العرب : الدُّجُنَّة من الغيم : المُطَبّقُ تطبيقاً ، الرَّيان المُظْلم الذي ليس فيه مطر ، والدُّجْنة : الظُّلمة . وفي بعض النسخ : « وجنته » ، وفي تاريخ الإسلام للذهبي : « دجن » .
2- 61. تاريخ الإسلام للذهبي : 1/53 ، سبل الهدى والرشاد : 2/137 .

أتيناك وما لنا بعير يئط

ومنه حديث أنس : إنّ أعرابياً أتى النبي صلى الله عليه وآله ، فقال : لقد أتيناك ، وما لنا بعير يئط(1) ، ولا صغير يغط . . الخبر بطوله(2) .

ص: 34


1- 62. أطيط الإبل : أنينها من ثقل الحمل ، أو صوت هزه عليها ، وأَطَّت الإِبلُ تَئِطُّ أَطِيطاً : أَنَّتْ تَعَباً أَو حَنيناً أَو رَزَمةً ، وأَطيط البَطْن : صوت يسمع عند الجوع .
2- 63. أمالي المفيد : 302 ، الأمالي للطوسي : 74 ، الأحاديث الطوال للطبراني : 72 ، الاستذكار : 2/432 .

فصل 20 : في المفردات من المعجزات

اشاره

ص: 35

ص: 36

مدّة ملك النبي بحساب الجمل

قدم حي بن أخطب المدينة ، وكان ملك خيبر ، وحضر عند النبي صلى الله عليه وآله وقال : عجبت لمن يدخل في دينك ، فإنّ مدّة ملكك أحد وسبعون سنة .

فسئل عن ذلك ، فقال : ( ألم ) بحساب الجمل : الألف واحد ، واللام ثلاثون ، والميم أربعون ، فذلك أحد وسبعون سنة ، فقال : يا محمد ، هل غيرها ؟

قال : ( المص ) ، فقال : هذا أثقل ، فالألف واحد ، واللام ثلاثون ، والميم أربعون، والصاد تسعون، فذلك مائة وأحد وستون سنة ، فقال : هل غيرها؟

قال : ( الر ) ، فقال : هذا أطول ، فهل غيرها ؟

قال : ( المر ) ، فقال : هل غيرها ؟

قال : نعم ( كهيعص ) و( حمعسق ) (طسم) ، فقال حي : قد التبس علينا أمرك(1) .

الاستدلال بالنجوم على نبوته

وقال المأمون للحكيم « إيزدخواه ما شاء اللَّه » لمّا صحّح عنده أحكاماً :

ص: 37


1- 64. معاني الأخبار للصدوق : 24 ح 3 ، تفسير القمي : 1/223 ، تفسير العز : 94 .

لم لا تؤمن بنبينا ، وأنت بهذا المحل من العلم والكياسة ؟ فقال : كيف أومن وأصدق كاذباً ، وأنا أعلم كذبه ، والنبي لا يكذب ، فقال المأمون : كيف ؟

قال : قوله أنا آخر نبي ، وخاتم الأنبياء ، ولا يكون بعدي نبي أبداً ، وهذا الذي قال في علمي كذب لا محالة ، لأنّه ولد بالطالع الذي لو ولد فيه مولود لابد أن يكون نبياً ، فظهر لي "بهذا" كذبه ، إذ قال : لا نبي بعدي ، فكيف أومن به وأصدقه ؟

فخجل المأمون من ذلك ، وتحيّر الفقهاء ، فقال متكلّم : من هاهنا قلنا أنّه صادق ، وأنّه خاتم الأنبياء ، لأنّ الحكماء كلّهم اجتمعوا على أن نجمه عليه السلام كان المشتري وعطارد والزهرة والمريخ ، ولا يولد بها ولد إلّا ويموت من ساعته ، وإن عاش فيموت لا محالة ، ولا يجاوز اليوم السابع ، وهو قد عاش وبقى ثلاثاً وستين سنة ، فصحّ أنّه آية ، وقد أتى من المعجزات الباهرة بما لم يأت بمثله أحد قبله ولا بعده ، فأقرّ ايزدخواه وأسلم ، فسمّي « ما شاء اللَّه » الحكيم .

فمن نظر المشتري له : العلم ، والحكمة ، والفطنة ، والسياسة ، والرياسة .

ومن نظر عطارد : اللطافة ، والظرافة، والملاحة، والفصاحة، والحلاوة .

ومن نظر الزهرة : الصباحة ، والهشاشة ، والبشاشة ، والحسن ، والطيب ، والجمال ، والبهاء ، والغنج ، والدلال .

ومن نظر المريخ : السيف ، والجلادة ، والقتال ، والقهر ، والغلبة ، والمحاربة ، فجمع اللَّه فيه جميع المدائح .

ص: 38

وقال بعض المنجمين : مواليد الأنبياء السنبلة والميزان ، وكان طالع النبي صلى الله عليه وآله الميزان .

وقال صلى الله عليه وآله : ولدت بالسماك .

وفي حساب المنجمين أنّه السماك الرامح(1) .

إحياؤه بلالاً بعد أن قتل

وروي : أنّه أخذ بلال جمانة ابنة الزحاف الأشجعي ، فلمّا كان في وادي النعام هجمت عليه ، وضربته ضربة بعد ضربة ، ثم جمعت ما كان يعزّ عليها من ذهب وفضة في سفرة ، وركبت حجرة(2) من خيل أبيها ، وخرجت من العسكر تسير على وجهها إلى شهاب بن مازن الملقب ب« الكوكب الدري » ، وكان قد خطبها من أبيها .

ثم إنّه أنفذ النبي صلى الله عليه وآله سلمان وصهيباً إليه لإبطائه ، فرأوه ملقى على وجه الأرض ميتاً ، والدم يجري من تحته .

فأتيا النبي صلى الله عليه وآله وأخبراه بذلك ، فقال النبي صلى الله عليه وآله : كفّوا عن البكاء ، ثم صلّى ركعتين ، ودعا بدعوات ، ثم أخذ كفّاً من الماء فرشّه على بلال ، فوثب قائماً ، وجعل يقبّل قدم النبي صلى الله عليه وآله .

فقال له النبي صلى الله عليه وآله : من هذا الذي فعل بك هذه الفعال يا بلال ؟ فقال : جمانة بنت الزحاف ، وإنّي لها عاشق ! فقال : أبشر - يا بلال -

ص: 39


1- 65. ربيع الأبرار : 1/84 باب 2 رقم 6 .
2- 66. الحجر : أنثى الخيل ، وفي نسخة « النجف » : « حجزة » .

فسوف أنفذ إليها ، وآتي بها .

فقال النبي صلى الله عليه وآله : يا أبا الحسن ، هذا أخي جبرئيل عليه السلام يخبرني عن ربّ العالمين : أنّ جمانة لمّا قتلت بلالاً مضت إلى رجل يقال له « شهاب بن مازن » ، وكان قد خطبها من أبيها ولم ينعم له بزواجها ، وقد شكت حالها إليه ، وقد سار بجموعه يروم حربنا ، فقم واقصده بالمسلمين ، فاللَّه - تعالى - ينصرك عليه ، وها أنا راجع إلى المدينة .

قال : فعند ذلك سار الإمام بالمسلمين ، وجعل يجدّ في السير ، حتى وصل إلى شهاب وجاهده ، ونصر المسلمون ، فأسلم شهاب ، وأسلمت جمانة ، والعسكر، وأتى بهم الإمام إلى المدينة، وجدّدوا الإسلام على يدي النبي صلى الله عليه وآله.

فقال النبي صلى الله عليه وآله : يا بلال ، ما تقول ؟ : فقال : يا رسول اللَّه ، قد كنت محبّاً لها ، فالآن شهاب أحقّ بها منّي .

فعند ذلك وهب شهاب لبلال جاريتين وفرسين وناقتين .

عكّة أم مالك

وفي مسلم عن جابر : إنّ أم مالك كانت تهدي إلى النبي صلى الله عليه وآله في عكّة لها سمناً ، فيأتيها بنوها ، فيسألون الأدم ، وليس عندهم شي ء ، فتعمد إلى الذي كانت تهدي فيها للنبي صلى الله عليه وآله ، فتجد فيها سمناً .

فما زال تقيم لها أدم بيتها حتى عصرتها ، فأتت النبي صلى الله عليه وآله ، فقال : عصرتها ؟ قالت : نعم ، قال : لو تركتها ما زالت مقيمة(1) .

ص: 40


1- 67. مسلم : 7/60 ، مسند أحمد : 3/347 .

فصل 21 : فيما ظهر من معجزاته بعد وفاته صلى الله عليه وآله

اشاره

ص: 41

ص: 42

الحيرة البيضاء قد رفعت لي

في حديث خزيمة بن أوس سمعت النبي صلى الله عليه وآله يقول : هذه الحيرة البيضاء قد رفعت لي ، وهذه الشيماء بنت نفيلة الأزدية على بغلة شهباء ، معتجرة بخمار أسود .

فقلت : يا رسول اللَّه ، إن نحن دخلنا الحيرة ، فوجدناها كما تصف ، فهي لي ؟ قال : نعم هي لك .

قال : فلمّا فتحوا الحيرة تعلّق بها ، وشهد له محمد بن مسيلمة ومحمد بن بشير الأنصاريان بقول النبي صلى الله عليه وآله ، فسلّمها إليه خالد ، فباعها من أخيها بألف دينار(1) .

لتنفقن كنوز كسرى وقيصر في سبيل اللَّه

أبو هريرة قال : إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده ، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده ، والذي نفسي بيده لينفقن كنوزهما في سبيل اللَّه(2) .

ص: 43


1- 68. المعجم الكبير : 4/214 ، الدلائل للاصبهاني : 4/1319 ، دلائل النبوة للبيهقي : 5/268 .
2- 69. الاُم للشافعي : 4/180، مسند أحمد : 2/233، البخاري : 4/50 ، مسلم : 8/186، سنن الترمذي : 3/337 باب 35 رقم 2313 .

تبنى مدينة تجبى اليها خزائن الأرض

جبير بن عبد اللَّه قال النبي صلى الله عليه وآله : تبنى مدينة بين دجلة(1) ودجيل(2) والصراة(3) وقطربل(4) تجبى إليها خزائن الأرض(5) .

وفى رواية : تسكنها جبابرة الأرض(6) . . الخبر .

ناس من أمّتي ينزلون البصرة

أبو بكرة(7) قال النبي صلى الله عليه وآله : إنّ أناساً من أمّتي ينزلون بغائط(8) يسمّونه

ص: 44


1- 70. دِجْلة اسمٌ معرفة لنهر العراق ، وفي الصحاح : دِجْلة نهر بغداد .
2- 71. في لسان العرب : دُجَيل : نهر صغير متشعب من دِجْلة ، وفي كتاب العين : دجيل : نهر صغير يأخذ من دجلة نهر العراق .
3- 72. الصراة : قال في معجم البلدان 3/399 : وهما نهران ، ولا أعرف أنا إلّا واحدة ، وهو نهر يأخذ من نهر عيسى من عند بلدة يقال لها : « المحول » ، بينها وبين بغداد فرسخ ، ويسقي ضياع بادوريا - محلّة في بغداد - ، ويتفرّع منه أنهار الى أن يصل الى بغداد ، فيمرّ بعدّة قناطر ، ثم يصبّ في دجلة .
4- 73. قال في معجم البلدان للحموي : 4/371 : قرطبل : وهي كلمة أعجمية : اسم قرية بين بغداد وعكبرا ، ينسب إليها الخمر ، وما زالت متنزها للبطالين ، وحانة للخمارين ، وقد أكثر الشعراء من ذكرها ، وقيل : هو اسم لطسوج من طساسيج بغداد ، أي كورة ، فما كان من شرقي الصراة فهو بادوريا ، وما كان من غربيها فهو قطربل ، وذكرها الببغاء في شعره بحيث تكون قطربل شمالي بغداد ، وكلواذي جنوبيها .
5- 74. الخرائج : 1/69 ح 128 ، تاريخ بغداد : 1/54 ، الشفاء للقاضي عياض : 1/344 .
6- 75. تفسير الثعلبي : 8/302 ، أمالي المحاملي : 350 .
7- 76. في نسخة « النجف » : « بكر » .
8- 77. الغائط : المنخفض الواسع من الأرض .

« البصرة » ، وعنده نهر يقال له : « دجلة » يكون لهم عليها جسر ، ويكثر أهلها ، ويكون من أمصار المهاجرين(1) . . الخبر .

أشقى الآخرين يضربك يا علي

فضالة بن أبي فضالة الأنصاري ، وعثمان بن صهيب أنّه قال لعلي عليه السلام في خبر : أشقى الآخرين الذي يضربك على هذه ، وأشار إلى يافوخه(2) .

إخباره عن عدّة حوادث مهمّة

أنس بن الحارث قال : سمعت النبي صلى الله عليه وآله يقول : إنّ ابني هذا - يعني الحسين عليه السلام - يقتل بأرض من العراق ، فمن أدركه منكم فلينصره .

قال : فقتل أنس مع الحسين عليه السلام(3) .

وفيه حديث القارورة التي أعطى أم سلمة(4) .

وحديث الحسن بن علي عليهما السلام إنّه سيصلح اللَّه به فئتين(5) .

ص: 45


1- 78. سنن أبي داود : 2/315 رقم 4306 ، ابن حبان : 15/148 .
2- 79. مسند أبي يعلى : 1/377 رقم 485 ، المعجم الكبير : 8/38 ، مجمع البيان : 10/371 .
3- 80. تاريخ دمشق : 14/223 ، الإصابة : 1/271 ، إمتاع الأسماع : 12/240 ، الإكمال للخطيب التبريزي : 45 ، ذخائر العقبى للمحب الطبري : 146 .
4- 81. روضة الواعظين : 193 ، شرح الأخبار للقاضي النعمان : 3/140 ، الإرشاد للمفيد : 2/130 ، ابن حبان : 15/142 ، مسند أبي يعلى : 6/130 رقم 3402 .
5- 82. دلائل النبوة للطبري : 165 .

وحديث فاطمة الزهراء عليها السلام وبكائها وضحكها عند وفاة النبي صلى الله عليه وآله(1) .

وحديث كلاب الحوأب(2) .

وحديث عمار تقتلك الفئة الباغية(3) .

إخباره بقتال عائشة

حذيفة قال : لو أحدثكم بما سمعت من رسول اللَّه صلى الله عليه وآله لرجمتموني ، قالوا : سبحان اللَّه ، نحن نفعل ؟!

قال : لو أحدّثكم : إنّ بعض أمّهاتكم تأتيكم في كتيبة كثير عددها شديد بأسها تقاتلكم صدّقتم ؟ قالوا : سبحان اللَّه ، ومن يصدّق بهذا ؟

ص: 46


1- 83. الأمالي للطوسي : 400 ح 892 ، مسند أحمد : 6/240 ، سنن الترمذي : 5/362 ، رقم 3964 ، المصنف لابن أبي شيبة : 7/527 رقم 2 ، الآحاد والمثاني : 5/357 ، ابن حبان : 15/402 ، المعجم الكبير : 22/418 .
2- 84. رسائل المرتضى : 4/64 ، المستدرك للحاكم : 3/120 ، مسند أحمد : 6/97 ، المصنف لابن أبي شيبة : 8/708 رقم 15 ، مسند ابن راهويه : 2/32 ، مسند أبي يعلى : 8/282 ، ابن حبان : 15/126 ، المعجم الأوسط : 6/234 .
3- 85. دعائم الإسلام للقاضي النعمان : 1/392 ، مسند أحمد : 2/161 ، مسلم : 8/186 ، سنن الترمذي : 5/333 ، المستدرك للحاكم : 2/148 ، مسند ابن الجعد : 182 ، مسند ابن راهويه : 4/146 ، الآحاد والمثاني للضحاك : 5/172 ، مسند أبي يعلى : 3/209 ، المعجم الأوسط : 7/291 ، المعجم الكبير : 1/320 ، ومصادر الحديث من الكثرة بحيث يصعب إدراجها جميعاً .

قال : تأتيكم أمّكم الحميراء(1) في كتيبة يسوق بها أعلاجها(2) من حيث تسوء وجوهكم(3) .

ص: 47


1- 86. في الخصائص الفاطمية للشيخ محمد باقر الكجوري ترجمة وتحقيق سيد علي جمال أشرف : 1/508 : الحميراء : قال في ربيع الأبرار : 4/280 : شرّ النساء الحميراء المحياض والسوداء الممراض . وقال الزمخشري : الحميراء ضدّ البتول لأنّها لم تر دماً . وفي مجمع البحرين مادة « حمر » : وفي حديث الحسن للحسين عليهما السلام : واعلم أنّه سيصيبني من الحميراء ما يعلم الناس من صنيعها وعداوتها للَّه ولرسوله ، أراد بالحميراء عائشة بنت أبي بكر زوجة رسول اللَّه صلى الله عليه وآله سمّيت بذلك لبياضها ، وصنيعها ركوبها على بغلة ونهيهم عن دفن الحسن عليه السلام كما صنعت في يوم الجمل . وقد نبّه على ذلك قول من قال: تجملت تبغلت ولو شئت تفيلت لك التسع من الثمن وبالكل تحيزت وفي حديث يعقوب السراج قال : دخلت على أبي عبد اللَّه عليه السلام وهو واقف على رأس أبي الحسن موسى عليه السلام ، وهو في المهد ، فجعل يساره - يعني يناجيه ، يقال : ساره في أذنه وتساروا تناجوا - . فجلست حتى فرغ ، فقمت إليه ، فقال لي : ادن من مولا" فسلّم عليه ، فردّ عليّ السلام بلسان فصيح . ثم قال لي : اذهب فغير اسم ابنتك التي سمّيتها أمس ، فإنّه اسم يبغضه اللَّه ، وكان ولد لي ابنة سمّيتها بالحميراء . فقال لي أبو عبد اللَّه عليه السلام : انته إلى أمره ترشد ، فغيرت اسمها .
2- 87. أعلاج : جمع علج ، وهو الرجل الشديد الغليظ ، وهو الرجل من كفار العجم .
3- 88. شرح الأخبار للقاضي النعمان : 1/489 ، المستدرك للحاكم : 4/471 ، المعجم الأوسط : 2/35 .

ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وآله : أيّتكنّ صاحبة الجمل الأدبب(1) يقتل حولها قتلى كثيرة [ ثم تنجو ] بعد أن كادت(2) .

إخباره عن أوّل زوجاته لحوقاً به

وقال : أطولكن يداً أسرعكن لحوقاً بي ، فكانت سودة أطولهن يداً بالمعروف(3) .

يكون في ثقيف كذّاب ومبير

ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله : يكون في ثقيف كذاب ومبير(4) .

فكان الكذّاب المختار(5) ، والمبير الحجاج(6) .

ص: 48


1- 89. الجمل الأدبب : أي الجمل الأدب ، وهو الكثير الوبر ، وقيل : جمل أدب كثير الدبب ، والدبب الزغب على الوجه .
2- 90. معاني الأخبار : 305 ، شرح الأخبار : 1/338 ، المصنف لابن أبي شيبة : 8/711 ، مسند ابن راهويه : 2/32 ، الإستيعاب : 4/1885 .
3- 91. البخاري : 2/115، مسند أحمد : 6/121، سنن النسائي : 5/67، ابن حبان : 4/557.
4- 92. المبير : المهلك الذي يسرف في إهلاك الناس .
5- 93. الخبر عامي ، ولم يرد في طرقنا ، والمفسّر له الذي حدّد المصداق هي أسماء بنت أبي بكر ، فلا يعتمد عليه بعد ما ورد من روايات عن طريق أهل البيت عليهم السلام تمدح المختار وتترحّم عليه ، سيما إذا لاحظنا ما فعله المختار ببني أمية وأعداء أهل البيت عليهم السلام ، فمن الطبيعي جدّاً أن يخدشة هؤلاء الأجلاف ويشوهوا سمعته ، ويعملوا على إسقاطه ، وإظهاره بمظهر الخارجي والكافر والكذّاب .
6- 94. سنن الترمذي : 3/338 .

أويس القرني

ومنه إخباره صلى الله عليه وآله بأويس القرني(1)(2) .

ص: 49


1- 95. روضة الواعظين : 289 ، المستدرك للحاكم : 3/404 .
2- 96. أويس القرني بن عامر بن جزء بن مالك إلى أن ينتهي نسبه إلى مذحج المرادي ، ذكره ابن سعد في الطبقات ، وجعله من الطبقة الأولى من تابعي أهل الكوفة ، أخبر به النبي صلى الله عليه وآله قبل وجوده ، وشهد مع علي عليه السلام صفين سنة سبع وثلاثين من الهجرة ، واستشهد فيها ، وكان من خيار المسلمين التابعين الثقاة . روى ضمرة بن أصبغ بن زيد قال : أسلم أويس على عهد النبي صلى الله عليه وآله وهو باليمن ، ولم يرده ، منعه من القدوم برّه بأمه . وروى مسلم : عن أسير بن جابر عن عمر بن الخطاب قال : سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يقول : إنّ خير التابعين رجل يقال له « أويس بن عامر » فمن لقيه منكم ، فمروه فليستغفر لكم . ومن طريق قتادة عن زرارة عن أسير بن جابر قول عمر : سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يقول : يأتي عليك أويس بن عامر مع إمداد أهل اليمن ثم من مراد ثم من قرن ، كان به برص فبرأ منه إلّا موضع درهم ، له والدة هو بها برّ ، لو أقسم على اللَّه لأبرّه ، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل . وعن طريق أصبغ بن نباتة قال : شهدت علياً عليه السلام يوم صفين يقول : من يبايعني على الموت ؟ فبايعه تسعة وتسعون رجلاً ، فقال : أين التمام ؟ فجاءه رجل عليه أطمار صوف ، محلوق الرأس ، فبايعه على القتل ، فقيل : هذا أويس القرني ، فما زال يحارب مع الرجالة بين يدي الإمام عليه السلام حتى قتل ، فوجدوا فيه نيفاً وأربعين جراحة من طعن ورمي وضرب . ومن صفاته كما في أعيان الشيعة : 3/513 عن حلية الأولياء برواية أبي هريرة قال : في حديث يصف فيه الأصفياء الأخفياء الأبرار : قالوا : يا رسول اللَّه كيف لنا برجل منهم ؟ قال صلى الله عليه وآله : ذاك أويس القرني ، قالوا : وما أويس القرني ؟ قال : أشهل ر؛ ذو صهوبة بعيد ما بين المنكبين ، معتدل القامة ، آدم شديد الأدمة ، ضارب بذقنه إلى صدره ، واضع يمينه على شماله يتلو القرآن ، يبكي على نفسه ، ذو طمرين ، لا يؤبه به ، له مئزر بإزار صوف ، ورداء صوف ، مجهول في أهل الأرض ، معروف في السماء ، لو أقسم على اللَّه لأبرّ بقسمه ، ألا وإنّ تحت منكبه الأيسر لمعة بيضاء ، ألا وإنّه إذا كان يوم القيامة قيل للعباد : ادخلوا الجنة ، ويقال لأويس : قف فاشفع ، فيشفعه اللَّه - عزّ وجلّ - في مثل عدد ربيعة ومضر .

يدفن على سور القسطنطنية رجل صالح من أصحابي

حكى القعبي : إنّ أبا أيوب الأنصاري رأى عند خليج قسطنطينة ، فسئل عن حاجته ، قال : أمّا دنياكم فلا حاجة لي فيها ، ولكن إن متّ ، فقدّموني ما استطعتم في بلاد العدو ، فإنّي سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يقول : يدفن عند سور القسطنطينة رجل صالح من أصحابي ، وقد رجوت أن أكونه ، ثم مات .

فكانوا يجاهدون والسرير يحمل ويقدّم ، فأرسل قيصر في ذلك ، فقالوا : صاحب نبينا ، وقد سألنا أن ندفنه في بلادك ، ونحن منفذون وصيته .

قال : فإذا وليتم أخرجناه إلى الكلاب ، فقالوا : لو نبش من قبره ما ترك بأرض العرب نصراني إلّا قتل ، وكنيسة [ إلّا ] هدمت .

فبنى على قبره قبّة يسرج فيها إلى اليوم ، وقبره إلى الآن يزار في جنب

ص: 50

القسطنطينة(1) .

المدد في معركة بدر

ابن عباس في قوله « كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ » إنّ الصحابة فزعوا لمّا فات عير أبي سفيان ، وأدركهم القتال ، فباتوا ليلتهم .

فحلموا ولم يكن لهم ماء ، فوقعت الوسوسة في نفوسهم لذلك ، فأنزل اللَّه المطر ، قوله : « إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ » ، فرأى النبي صلى الله عليه وآله في منامه قلّة قريش ، قوله : « إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلاً » .

فلمّا التقى الجمعان استحقر كلّ جيش صاحبه ، قوله « إِذِ الْتَقَيْتُمْ » ، وكان المسلمون يخافون ، فنزل : « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً » ، وقوله « فَلا تُوَلُّوهُمُ الأَْدْبارَ » .

فزعم أبو جهل أنّهم جزر سيوفهم .

وكان النبي صلى الله عليه وآله يحزن وعلي عليه السلام يقول : لا يخلف اللَّه الميعاد ، فنزل « يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ » ، وقوله « إِذْ يُوحِي رَبُّكَ » ، فساعدهم إبليس على صورة سراقة .

فلمّا أدرك جبرئيل وميكائيل وإسرافيل مع الملائكة «نَكَصَ » إبليس « عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ إِنِّي بَرِي ءٌ مِنْكُمْ » ، فكانت الملائكة يضربون فوق الأعناق وفوق البنان بعمدهم .

ص: 51


1- 97. الإستيعاب : 2/425 ، الطبقات الكبرى : 3/485 ، تاريخ دمشق : 9/418 .

ورمى النبي صلى الله عليه وآله بقبضة من الحصى في وجوههم ، وقال : شاهت الوجوه ، فأصاب عين كلّ واحد منهم ، فانهزموا ، فنزل « وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ » .

ووجد ابن مسعود أبا جهل مصروعاً من ضربة معاذ بن عمرو بن عفرا ، فكان يجزّ رأسه ، وهو يقول : يا رويعي الغنم لقد ارتكبت(1) مرتقى صعباً(2) .

فتح فدك وهبتها لفاطمة عليها السلام

نزل النبي صلى الله عليه وآله على فدك يحاربهم ، ثم قال لهم : وما يأمنكم أن تكونوا آمنين في هذا الحصن ، وأمضي إلى حصونكم فأفتحها ، فقالوا : إنّها مقفلة ، وعليها ما يمنع عنها ، ومفاتيحها عندنا ، فقال صلى الله عليه وآله : إنّ مفاتيحها دفعت إليّ ، ثم أخرجها وأراها القوم .

فاتّهموا ديانهم أنّه صبا إلى دين محمد صلى الله عليه وآله ، ودفع المفاتيح إليه ، فحلف أنّ المفاتيح عنده ، وأنّها في سفط في صندوق في بيت مقفل عليه .

فلمّا فتّش عنها ففقدت ، فقال الديان : لقد أحرزتها ، وقرأت عليها من التوراة ، وخشيت من سحره ، وأعلم الآن أنّه ليس بساحر ، وأنّ أمره لعظيم .

فرجعوا إلى النبي صلى الله عليه وآله وقالوا : من أعطاكها ؟ قال : أعطاني - الذي

ص: 52


1- 98. في نسخة « النجف » : « ارتقيت » .
2- 99. تفسير القمي : 1/267 ، إعلام الورى : 1/171 .

أعطى موسى عليه السلام الألواح - جبرئيل ، فتشهّد الديان .

ثم فتحوا الباب ، وخرجوا إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، وأسلم من أسلم منهم ، فأقرّهم في بيوتهم ، وأخذ منهم أخماسهم .

فنزل : « وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ » قال : وما هو ؟ قال : اعط فاطمة عليها السلام فدكاً ، وهي من ميراثها من أمّها خديجة عليها السلام ، ومن أختها هند بنت أبي هالة(1) .

فحمل إليها النبي صلى الله عليه وآله ما أخذ منه ، وأخبرها بالآية ، فقالت : لست أحدث فيها حدثاً وأنت حيّ ، أنت أولى بي من نفسي ، ومالي لك ، فقال : أكره أن يجعلوها عليك سبة ، فيمنعوك إيّاها من بعدي ، فقالت : أنفذ فيها أمرك .

فجمع الناس إلى منزلها ، وأخبرهم أنّ هذا المال لفاطمة عليها السلام ، ففرّقه فيهم ، وكان كلّ سنة كذلك ، وتأخذ منه قوتها ، فلمّا دنت وفاته صلى الله عليه وآله دفعه إليها عليها السلام(2) .

ص: 53


1- 100. لا يوجد في الخرائج : « ومن أختها هند بنت أبي هالة » .
2- 101. انظر الخرائج : 1/113 .

ص: 54

فصل 22 : فيما خصّه اللَّه تعالى به صلى الله عليه وآله

اشاره

ص: 55

ص: 56

فارق صلى الله عليه وآله جماعة النبيين بمائة وخمسين خصلة

فارق صلى الله عليه وآله جماعة النبيين بمائة وخمسين خصلة ، منها :

في النبوة

في باب النبوة : قوله « وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ » .

وقوله : أعطيت جوامع الكلم(1) .

وقوله : أرسلت إلى الخلق كافة(2) .

وبقاء دولته « لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ » .

والعجز عن الإتيان بمثل كتابه « قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِْنْسُ وَالْجِنُّ » .

وكان ممنوعاً من الشعر وروايته « وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ » .

وتسهيل شريعته « وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ » .

واضعاف ثواب الطاعة « مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها » .

ورفع العذاب « وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ » .

وفرض محبّة أهل بيته « قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً » .

ص: 57


1- 102. مسند أحمد : 2/412 ، مسلم : 2/564 ، سنن الترمذي : 3/56 ، مسند أبي يعلى : 11/377 ، ابن حبان : 6/87 ، تفسير القمي : 2/350 .
2- 103. الأحكام لابن حزم : 5/738 ، التبيان للطوسي : 1/418 .

في أمّته

وفي باب أمّته : « كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ » ، « هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ » ، « إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ » ، « الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا » ، « هُوَ اجْتَباكُمْ » ، « اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا » ، « هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ » ، « وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا » يعني الملائكة .

وإفشاء السلام «وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ».

في الطهارة

وفي باب الطهارة : كمال الوضوء ، والتيمم ، والاستنجاء بالحجارة ، وأنّ الماء مزيل للنجاسات ، وأن لا يؤثر النجاسة في الماء الكثير .

وقوله : جعلت لي الأرض مسجداً ، وترابها طهوراً(1) .

وكان ينام ، ثم يصلّي ويقول : تنام عيني ولا ينام قلبي(2) .

ويقال : فرض عليه السواك ، وهو قد سنّه لنا .

في الصلاة

وفي باب الصلاة : الأذان ، والإقامة ، والجمعة ، والجماعة ، والركوع ، والسجدتين ، والتشهد ، والسلام ، وصلاة الليل ، والوتر ، وصلاة الكسوفين ، والاستسقاء ، وصلاة العشاء الآخرة .

ص: 58


1- 104. تفسير الثعلبي : 3/320 ، الناصريات للمرتضى : 153 ، المبسوط للطوسي : 1/4 .
2- 105. مسند أحمد : 2/251 ، البخاري : 4/168 ، ابن حبان : 14/298 .

في الزكاة

وفي باب الزكاة : حرّم عليه الزكاة ، والصدقة ، وهدية الكافر ، وأحلّ له الخمس ، والأنفال ، والغنيمة ، وجعل زكاة المال ربع الخمس لا ربع المال .

في الصيام

وفي باب الصيام : « شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ » ، وليلة القدر ، والعيدين ، وتحليل الطعام والشراب واللمس ليالي الصيام إلى وقت الصبح ، وحرّم صوم الوصال ، وقالوا : أبيح له الوصال في الصوم .

وكتب له الأضحية ، وسنّها لنا ، وكذلك الفطرة على وجه .

في الحجّ

وفي باب الحج : يقال : أحلّ له دخول مكة بغير إحرام ، وعقد النكاح وهو محرم .

في الجهاد

وفى باب الجهاد : « يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ » .

وقوله : نصرت بالرعب ، وأحلّت لي الغنائم(1) ، وكان إذا لبس لامته

ص: 59


1- 106. دعائم الإسلام للقاضي النعمان المغربي : 1/120 ، مسند أحمد : 1/98 ، البخاري : 1/113 .

لم ينزعها حتى يقاتل(1) ، ولا يرجع إذا خرج ، ولا ينهزم إذا لقى العدو ، وإن كثروا عليه(2) ، وإنّه أفرس العالمين(3) ، وخصّ بالحمى(4) .

في النكاح

وفي باب النكاح : حرم عليه نكاح الإماء والذمّيات ، والإمساك بمن كرهت نكاحه ، وحرّم أزواجه على الخلق ، وخصّ باسقاط المهر ، والعقد بلفظ الهبة ، والعدد ما شاء بعد التخيير ، والعزل عمّن أراد ، وكان طلاقه زائداً على طلاق أمّته ، والواحدة من نسائه إذا أتت بفاحشة ضعّف لها العذاب .

أبو عبد اللَّه عليه السلام في قوله « لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ » يعني قوله « حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ »(5) الآية .

في الأحكام

وفي باب الأحكام : تخفيف الأمر على أمّته(6) ، والقربان بغير

ص: 60


1- 107. السنن الكبرى للبيهقي : 7/40 ، الدرر لابن عبد البر : 146 ، تاريخ الطبري : 2/190 ، تاريخ اليعقوبي : 2/47 .
2- 108. مواهب الجليل للحطاب الرعيني : 5/12 .
3- 109. سبل الهدى والرشاد للصالحي الشامي : 10/323 ، نظم درر السمطين : 42 .
4- 110. نظم درر السمطين : 42 . 5. الكافي : 5/388 ح 1 .
5- 111.
6- 112. قال تعالى : « يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَ لا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ » ، انظر الكشاف : 3/24 ، جامع البيان : 2/209 ، تفسير الواحدي : 1/151 .

الفضيحة(1) ، وتيسير التوبة بغير القتل(2) ، وستر المعصية على المذنب ، ورفع الخطأ والنسيان وما استكره عليه(3) ، والتخيير بين القصاص والدية والعفو(4) ، والفرق بين الخطأ والعمد(5) ، والتوبة من الذنب دون إبانة العضو(6) ، وتحليل مجالسة الحائض ، والإنتفاع بما نالته(7) ، وتحليل تزويج نساء أهل الكتاب لاُمّته(8) .

في الآداب

وفي باب الآداب : لم يكن له خائنة الأعين(9) .

يعني الغمز بالعين ، والرمز باليد(10) ، وحرّم عليه أكل الثوم على وجه .

ص: 61


1- 113. انظر الكافي : 4/335 ح 6 .
2- 114. جوامع الجامع : 2/573 .
3- 115. الكافي : 2/462 باب ما رفع عن الاُمة ، الاستذكار : 4/379 .
4- 116. قال تعالى : « كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى . .» ، البخاري : 5/154 ، سنن النسائي : 8/7 .3
5- 117. قال تعالى : « وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَأً . .» .
6- 118. انظر تفسير التبيان : 3/246 ، جامع البيان : 5/221 في تفسير قوله تعالى : « وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ . .» .
7- 119. مسلم : 1/168 .
8- 120. المعجم الكبير : 12/83 ، جامع البيان : 2/511 .
9- 121. السنن الكبرى للبيهقي : 8/205 ، الإستيعاب : 3/918 .
10- 122. مجمع البيان : 8/433 ، لسان العرب : 13/145 .

في الآخرة

وفي باب الآخرة : وذلك أنّه أول من تنشق عنه الأرض ، وأول من يدخل الجنة(1) ، وأنّه يشهد لجميع الأنبياء بالأداء(2) ، وله الشفاعة ، ولواء الحمد ، والحوض والكوثر ، ويسأل في غيره يوم القيامة وكلّ الناس يسألون في أنفسهم ، وأنّه أرفع النبيين درجة ، وأكثرهم أمّة(3) .

ص: 62


1- 123. المناقب لمحمد بن سليمان الكوفي : 238 ح 152 ، الأمالي للطوسي : 351 ح 726 .
2- 124. التبيان : 3/202 ، تفسير العياشي : 1/242 .
3- 125. الكافي : 8/139 ، الأمالي للصدوق : 613 .

معجزاته التي لم تكن لغيره

وكان له "من" المعجزات "ما" لم يكن لغيره ، وذكر أنّ له أربعة آلاف وأربعمائة وأربعين معجزة ، ذكرت منها ثلاثة آلاف تتنوّع أربعة أنواع ، ما كان قبله وبعد ميلاده وبعد بعثته وبعد وفاته .

معجزة القرآن أقوى من سائر معاجز الأنبياء

وأقواها وأبقاها القرآن ، لوجوه :

أحدها :

إنّ معجز كلّ رسول موافق للأغلب من أحوال عصره ، كما بعث اللَّه موسى عليه السلام في عصر السحرة بالعصى ، « فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ » ، وفلق البحر يبساً ، وقلب العصى حيّة ، فأبهر كلّ ساحر ، وأذل كلّ كافر .

وقوم عيسى عليه السلام أطباء ، فبعثه اللَّه بإبراء الزمنى ، وإحياء الموتى ، بما دهش كلّ طبيب ، وأذهل كلّ لبيب .

وقوم محمد صلى الله عليه وآله بلغاء فصحاء ، فبعثه اللَّه بالقرآن في إيجازه وإعجازه بما عجز عنه الفصحاء ، وأذعن له البلغاء ، وتبلّد فيه الشعراء ، ليكون العجز عنه أقهر ، والتقصير فيه أظهر .

والثاني :

إنّ المعجز في كلّ قوم بحسب أفهامهم ، وعلى قدر عقولهم وأذهانهم ،

ص: 63

وكان في بني إسرائيل من قوم موسى وعيسى عليهما السلام بلادة وغباوة ، لأنّه لم ينقل عنهم من كلام جزل ، أو معنى بكر ، وقالوا لنبيهم حين مرّوا على قوم يعكفون على أصنام لهم : اجعل لنا إلهاً .

والعرب أصحّ الناس أفهاماً ، وأحدّهم أذهاناً ، فخصّوا بالقرآن بما يدركونه بالفطنة دون البديهة ، لتخصّ كلّ أمّة بما يشاكل طبعها .

والثالث :

إنّ معجز القرآن أبقى على الأعصار ، وأنشر في الأقطار ، وما دام إعجازه ، فهو أحجّ ، وبالاختصاص أحقّ ، فانتشر ذلك بعده في أقطار العالم شرقاً وغرباً ، قرنا بعد قرن ، عصراً بعد عصر ، وقد انقرض القوم وهذه سنة سبعين وخمسمائة من مبعثه ، فلم يقدر أحد على معارضته .

* * *

قال الصاحب :

قالت فمن صاحب الدين الحنيف أجب

فقلت أحمد خير السادة الرسل

قالت فهل معجز وافى الرسول به

قلت القران وقد أعيى به(1) الأول(2)

* * *

ص: 64


1- 126. في « المخطوطة » : « عن » ، وفي الديوان : « على » .
2- 127. ديوان الصاحب : 42 .

[ وقال ] القيرواني :

أعجزت بالوحي أرباب البلاغة في

عصر البيان فضلّت أوجه الحيل

سألتهم سورة من مثل محكمه

فثلهم(1) عنه حين العجز حين تلي

* * *

[ وقال ] ابن حماد :

فمن آياته القرآن يهدى كلّ من فكّر

ولو لم يك من آياته إلّا الفتى حيدر

ص: 65


1- 128. ثلهم ثلاًّ : أهلكهم .

ص: 66

فصل 23 : في آدابه ومزاحه صلى الله عليه وآله

اشاره

ص: 67

آدابه

أمّا آدابه ، فقد جمعها بعض العلماء والتقطها من الأخبار :

كان النبي صلى الله عليه وآله أحكم الناس ، وأحلمهم ، وأشجعهم ، وأعدلهم ، وأعطفهم .

لم تمسّ يده يد إمرأة لا تحلّ .

وأسخى الناس ، لا يثبت عنده دينار ولا درهم ، فإن فضل ولم يجد من يعطيه ، ويجنّه الليل لم يأو إلى منزله حتى يتبرأ منه إلى من يحتاج إليه .

لا يأخذ ممّا أتاه اللَّه إلّا قوت عامه فقط ، من يسير ما يجد من التمر والشعير ، ويضع سائر ذلك في سبيل اللَّه ، ولا يُسأل شيئاً إلّا أعطاه ، ثم يعود إلى قوت عامه ، فيؤثر منه حتى ربما احتاج قبل انقضاء العام ، إن لم يأته شي ء .

وكان يجلس على الأرض ، وينام عليها ، ويأكل عليها .

وكان يخصف النعل ، ويرقع الثوب ، وبفتح الباب ، ويحلب الشاة ، ويعقل البعير ويحلّه(1) ، ويطحن مع الخادم إذا أعيى ، ويضع طهوره

ص: 68


1- 129. في بعض النسخ : « فيحلبها » .

بالليل بيده ، ولا يتقدّمه مطرق(1) ، ولا يجلس متكئاً ، ويخدم في مهنة أهله ، ويقطع اللحم .

وإذا جلس على الطعام جلس محقّراً .

وكان يلطع أصابعه ، ولم يتجشأ قطّ .

ويجيب دعوة الحر والعبد ولو على ذراع أو كراع ، ويقبل الهدية ، ولو أنّها جرعة لبن ، ويأكلها ولا يأكل الصدقة .

ولا يثبت بصره في وجه أحد .

يغضب لربّه ولا يغضب لنفسه .

وكان يعصب الحجر على بطنه من الجوع ، يأكل ما حضر ، ولا يردّ ما وجد .

لا يلبس ثوبين ، يلبس برداً حبرة يمنية ، وشملة جبّة صوف ، والغليظ من القطن والكتان ، وأكثر ثيابه البياض .

ويلبس العمامة تحت العمامة ، يلبس القميص من قبل ميامنه .

وكان له ثوب للجمعة خاصة .

وكان إذا لبس جديداً أعطى خلق ثيابه مسكيناً .

وكان له عباء يفرش له حيث ما ينقل ، تثنى ثنيتين .

يلبس خاتم فضّة في خنصره الأيمن .

يحبّ البطيخ ، ويكره الريح الرديّة ، ويستاك عند الوضوء .

ص: 69


1- 130. أطرق الرجل : أي مشى راجلاً .

ويردف خلفه عبده أو غيره ، [ و ]يركب ما أمكنه من فرس أو بغلة أو حمار ، ويركب الحمار بلا سرج ، وعليه العذار ، ويمشي راجلاً وحافياً بلا رداء ، ولا عمامة ، ولا قلنسوة .

ويشيع الجنائز ، ويعود المرضى في أقصى المدينة .

يجالس الفقراء ويواكل المساكين ، ويناولهم بيده ، ويكرم أهل الفضل في أخلاقهم ، ويتألّف أهل الشرف بالبرّ لهم .

يصل ذوي رحمه من غير أن يؤثرهم على غيرهم إلّا بما أمر اللَّه .

ولا يجفو على أحد ، يقبل معذرة المعتذر إليه .

وكان أكثر الناس تبسّماً ما لم ينزل عليه قرآن ، ولم تجر عظة ، وربما ضحك من غير قهقهة .

لا يرتفع على عبيده وإمائه في مأكل ، ولا في ملبس .

ما شتم أحداً بشتمة ، ولا لعن إمرأة ولا خادماً بلعنة ، ولا لاموا أحداً إلّا قال دعوه .

ولا يأتيه أحد حرّاً وعبداً وأمة إلّا قام معه في حاجته .

لا فظّ ، ولا غليظ ، ولا صخاب في الأسواق ، ولا يجزي بالسيئة السيئة ، ولكن يغفر ويصفح .

ويبدأ من لقيه بالسلام ، ومن رامه بحاجة صابره حتى يكون هو المنصرف ، وما أخذ أحد يده فيرسل يده حتى يرسلها ، وإذا لقى مسلماً بدأه بالمصافحة .

وكان لا يقوم ولا يجلس إلّا على ذكر اللَّه .

ص: 70

وكان لا يجلس إليه أحد ، وهو يصلّي إلّا خفّف صلاته وأقبل عليه ، وقال : ألك حاجة ؟

وكان أكثر جلوسه أن ينصب ساقيه جميعاً .

وكان يجلس حيث ينتهي به المجلس .

وكان أكثر ما يجلس مستقبل القبلة .

وكان يكرم من يدخل عليه حتى ربما بسط ثوبه ، ويؤثر الداخل بالوسادة التي تحته .

وكان في الرضا والغضب لا يقول إلّا حقّاً .

وكان يأكل القثاء بالرطب وبالملح .

وكان أحبّ الفواكه الرطبة إليه البطيخ والعنب ، وأكثر طعامه الماء والتمر .

وكان يتمجّع(1) اللبن بالتمر ، ويسميهما الأطيبين .

وكان أحبّ الطعام إليه اللحم ، ويأكل الثريد باللحم .

وكان يحبّ القرع .

وكان يأكل لحم الصيد ولا يصيده .

وكان يأكل الخبز والسمن .

وكان يحبّ من الشاة الذراع والكتف ، ومن القدر الدبا ، ومن الصباغ الخلّ ، ومن التمر العجوة ، ومن البقول الهندبا والبادروج والبقلة اللينة(2) .

ص: 71


1- 131. يتمجّع : يحسو حسوة من اللبن ، ويلقم عليها تمرة .
2- 132. انظر ما نقله من آدابه في إحياء العلوم للغزالي : 2/389 وما بعدها ، ومكارم الأخلاق : 27 وما بعدها .

مزاحه

وكان يمزح ولا يقول إلّا حقّاً .

يا أبا عمير ما فعل النغير

قال أنس : مات نغير(1) لأبي عمير ، وهو ابن لأم سليم ، فجعل النبي صلى الله عليه وآله يقول : يا أبا عمير ! ما فعل النغير(2) .

إرفق بالقوارير

وكان حادي بعض نسوته خادمه « أنجشة » ، فقال له : يا أنجشة ، ارفق بالقوارير .

وفي رواية : لا تكسر القوارير(3) .

ص: 72


1- 133. النُّغَرُ : أَولاد الحوامل إِذا صَوَّتَتْ ووزَّغَتْ أَي صارت كالوَزَغِ في خلقتها صِغَرٌ ؛ قال الأَزهري : هذا تصحيف ، وإِنما هو النُّعَرُ ، بالعين ، ويقال منه : ما أَجَنَّتِ الناقةُ نُغَراً قط أَي ما حملت ، والنُّعَرَةُ والنُّعَرُ : ما أَجَنَّتْ حُمُرُ الوحش في أَرحامها قبل أَن يتمّ خلقه ، شبّه بالذباب ، وقيل : إِذا استحالت المضغة في الرحم فهي نُعَرَةٌ ، وقيل : النُّعَرُ أَولاد الحوامل إِذا صَوَّتَتْ .
2- 134. سنن أبي داود : 2/470 ، مسند أحمد : 3/115 ، البخاري : 7/102 .
3- 135. السنن الكبرى للنسائي : 6/135 رقم 1062 ، ذكر أخبار اصبهان : 2/48 ، مسند أحمد : 3/117 .

أنت سفينة

وكان له عبد أسود في سفر ، فكان كلّ من أعيى ألقى عليه بعض متاعه ، حتى حمل شيئاً كثيراً ، فمرّ به النبي صلى الله عليه وآله ، فقال : أنت سفينة ، فاعتقه(1) .

إنّا حاملوك على ولد ناقة

وقال رجل : احملني يا رسول اللَّه ، فقال : إنّا حاملوك على ولد ناقة ، فقال : ما أصنع بولد ناقة ؟ قال صلى الله عليه وآله : وهل تلد الإبل إلّا النوق(2) .

من يشتري هذا العبد

واستدبر رجلاً من ورائه ، وأخذ بعضده وقال : من يشتري هذا العبد ، يعني أنّه عبد اللَّه(3) .

يا ذا الاُذنين

وقال صلى الله عليه وآله لأحد : لا تنس ، يا ذا الأذنين(4) .

ص: 73


1- 136. الإستيعاب : 2/685 ، مسند ابن راهويه : 4/163 .
2- 137. مسند أحمد : 3/267 ، سنن أبي داود : 2/477 ، مسند أبي يعلى : 6/412 .
3- 138. تأويل مختلف الحديث : 272 ، الشمائل المحمدية للترمذي : 131 ، ابن حبان : . 13/107
4- 139. الشمائل المحمدية للترمذي : 129 ، الآحاد والمثاني : 4/235 ، المعجم الكبير : 1/240 .

في عين زوجك بياض

زيد بن أسلم : أنّه قال لإمرأة ، وذكرت زوجها : أهذا الذي في عينيه بياض ؟

فقالت : لا ، ما بعينيه بياض .

وحكت لزوجها ، فقال : أما ترين بياض عيني أكثر من سوادها(1) .

تمشي الهريسة

ورأي صلى الله عليه وآله جملاً عليه حنطة ، فقال : تمشي الهريسة .

أم حبين

ورأي صلى الله عليه وآله بلالاً وقد خرجت بطنه ، فقال : أم حبين(2) ، وأم حبين ضرب من العظاية(3) .

ويقال : إنّه الحرباء .

ص: 74


1- 140. تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة : 272 ، الفائق : 1/127 .
2- 141. أم حبين : دويبة على خلقة الحرباء ، عريضة الصدر ، عظيمة البطن ، وقيل : هي أنثى الحرباء .
3- 142. الفائق : 1/51 ، النهاية في غريب الحديث : 1/335 .

ترق عين بقة

وقال صلى الله عليه وآله للحسين :

حبقة(1) حبقه

ترق(2) عين بقه(3)

جرّي ذيلاً كذيل العروس

ابن عباس : أنّه صلى الله عليه وآله كسى بعض نسائه ثوباً واسعاً ، فقال لها : البسيه واحمدي اللَّه ، وجرّي منه ذيلاً كذيل العروس(4) .

الجنة لا يدخلها العجّز

وقالت عجوز من الأنصار للنبي صلى الله عليه وآله : ادع لي بالجنة .

فقال : إنّ الجنة لا يدخلها العجز ، فبكت المرأة ، فضحك النبي صلى الله عليه وآله وقال : أما سمعت قول اللَّه تعالى : « إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً »(5) .

ص: 75


1- 143. الحبقة : واحدة الحبق ، نبات طيب الرائحة ، وبتشديد القاف القصير ، وفي بعض المصادر « حزقة » : وهو القصير الذي يقارب الخطو .
2- 144. ترق : فعل أمر بمعنى اصعد .
3- 145. الإستيعاب : 1/397 ، الفائق : 1/243 .
4- 146. تاريخ دمشق : 4/41 ، كنز العمال : 7/206 .
5- 147. تأويل مختلف الحديث : 272 ، تفسير الثعلبي : 6/312 .

لا يدخل الجنة عجوز ولا أسود ولا شيخ

وقال صلى الله عليه وآله للعجوز الأشجعية : يا أشجعية ، لا تدخل العجوز الجنة ، فرآها بلال باكية ، فوصفها للنبي صلى الله عليه وآله فقال : والأسود كذلك ، فجلسا يبكيان ، فرأهما العباس فذكرهما له ، فقال : والشيخ كذلك .

ثم دعاهم ، وطيّب قلوبهم ، وقال : ينشئهم اللَّه كأحسن ما كانوا ، وذكر أنّهم يدخلون الجنة شباباً منوّرين ، وقال : إنّ أهل الجنة جرد مرد مكحّلون(1) .

نحن حول هذا ندندن

وقال صلى الله عليه وآله لرجل حين قال :

أنت نبي اللَّه حقّاً نعلمه

ودينك الإسلام ديناً نعظمه

نبغي مع الإسلام شيئاً نقضمه

ونحن حول هذا ندندن ، يا علي ، اقض حاجته .

فأشبعه علي عليه السلام ، وأعطاه ناقة وجلّة تمر(2) .

يغنيك اللَّه بما يغني به المؤمنين

وجاء أعرابي فقال : يا رسول اللَّه ، بلغنا أنّ المسيح - يعني الدجال -

ص: 76


1- 148. المبسوط للسرخسي : 30/212 .
2- 149. كفاية الأثر : 174 .

يأتي الناس بالثريد ، وقد هلكوا جميعاً جوعاً ، أفترى - بأبي أنت وأمّي - أن أكفّ من ثريده تعفّفاً وتزهّداً ؟!

فضحك رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، ثم قال : "بل" يغنيك اللَّه بما يغني به المؤمنين .

قبّل إمرأة وطالب بالقصاص

وقبّل جدّ خالد القسري امرأة ، فشكت إلى النبي صلى الله عليه وآله ، فأرسل إليه ، فاعترف وقال : إن شئت أن تقتص فلتقص .

فتبسم رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وأصحابه ، فقال : أو لا تعود ؟ فقال : لا - واللَّه - يا رسول اللَّه ، فتجاوز عنه .

أتأكل التمر وعينك رمدة

ورأي صلى الله عليه وآله صهيباً يأكل تمراً ، فقال : أتأكل التمر وعينك رمدة ؟ فقال : يا رسول اللَّه ، إنّي أمضغه من هذا الجانب ، وتشتكي عيني من هذا الجانب(1) .

أبو هريرة يأكل نعل النبي

ونهى صلى الله عليه وآله أبا هريرة عن مزاح العرب ، فسرق نعل النبي صلى الله عليه وآله ، ورهنه بتمر ، وجلس بحذائه يأكل ، فقال صلى الله عليه وآله : يا أبا هريرة ، ما تأكل ؟ فقال : نعل رسول اللَّه صلى الله عليه وآله .

ص: 77


1- 150. المستدرك للحاكم : 3/399 ، المعجم الكبير : 8/35 .

أخبار نعيمان

وقال سويبط المهاجري لنعيمان البدري : أطعمني ، وكان عليّ الزاد في سفر ، فقال : حتى يجئ الأصحاب .

فمرّوا بقوم ، فقال لهم سويبط : تشترون منّي عبداً لي ؟ قالوا : نعم ، قال : إنّه عبد له كلام ، وهو قائل لكم إنّي حرّ ، فإن سمعتم مقاله تفسدوا عليّ عبدي ، فاشتروه بعشرة قلائص(1) .

ثم جاؤوا ، فوضعوا في عنقه حبلاً ، فقال نعيمان : هذا يستهزئ بكم ، وإنّي حرّ ، فقالوا : قد عرفنا خبرك ، وانطلقوا به حتى أدركهم القوم وخلّصوه .

فضحك النبي صلى الله عليه وآله من ذلك حيناً(2) .

* * *

وكان نعيمان هذا أيضاً مزّاحاً ، فسمع محرمة بن نوفل - وقد كفّ بصره - يقول : ألا رجل يقودني حتى أبول ، فأخذ نعيمان بيده فلمّا بلغ مؤخر المسجد قال : هاهنا فبل ، فبال ، فصيح به ، فقال : من قادني ؟ قيل : نعيمان ، قال : للَّه عليّ أن أضربه بعصاي هذه .

فبلغ نعيمان ، فقال : هل لك في نعيمان ؟ قال : نعم ، قال : قم .

ص: 78


1- 151. القلوص : الفتية من الإبل ، بمنزلة الجارية الفتاة من النساء ، وقيل : هي ابنة مخاض ، وجمعها قلائص .
2- 152. سنن ابن ماجة : 2/1226 .

فقام معه ، فأتى به عثمان ، وهو يصلّي ، فقال : دونك الرجل ، فجمع يديه بالعصا ، ثم ضربه ، فقال الناس : أمير المؤمنين ! فقال : من قادني ؟ قالوا : نعيمان ، قال : لا أعود إلى نعيمان أبداً(1) .

* * *

ورأى نعيمان مع أعرابي عكّة عسل ، فاشتراها منه ، وجاء بها إلى بيت عائشة في يومها ، وقال : خذوها ، فتوهّم !! النبي صلى الله عليه وآله أنّه أهداها له .

ومرّ نعيمان والأعرابي على الباب ، فلمّا طال قعوده قال : يا هؤلاء ، ردّوها عليّ إن لم تحضروا قيمتها .

فعلم !! رسول اللَّه صلى الله عليه وآله القصّة ، فوزن له الثمن ، فقال لنعيمان : ما حملك على ما فعلت ؟ فقال : رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يحبّ العسل ، ورأيت الأعرابي معه العكّة .

فضحك النبي صلى الله عليه وآله ، ولم يظهر له نكراً(2) .

ص: 79


1- 153. المعارف لابن قتيبة : 329 .
2- 154. الإستيعاب : 4/1529 .

فصل 24 : في أسمائه وألقابه صلى الله عليه وآله

اشاره

ص: 80

ص: 81

أسماؤه

أسماؤه في القرآن

سمّاه في القرآن بأربعمائة اسم :

العالم « وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ » .

الحاكم « فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ » .

الخاتم « وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ » .

العابد « وَاعْبُدْ رَبَّكَ » .

الساجد « وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ » .

الشاهد « إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً » .

المجاهد « يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ » .

الطاهر «طه ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ » .

الشاكر «شاكِراً لأَِنْعُمِهِ اجْتَباهُ » .

الصابر «وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ » .

الذاكر «وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ » .

القاضي « إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ » .

ص: 82

الراضي «لَعَلَّكَ تَرْضى » .

الداعي «وَداعِياً إِلَى اللَّهِ » .

الهادي « إِنَّكَ لَتَهْدِي » .

القاري « اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ » .

التالي « يَتْلُوا عَلَيْهِمْ » .

الناهي « وَما نَهاكُمْ عَنْهُ » .

الآمر « وَأْمُرْ أَهْلَكَ » .

الصادع «فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ » .

الصادق « ص وَالْقُرْآنِ » .

القانت « أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ » .

الحافظ « يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ » .

الغالب « وَإِنَّ جُنْدَنا » .

العائل « وَوَجَدَكَ عائِلاً » .

الضال : أي يهدي به الضال « وَوَجَدَكَ ضَالاًّ » .

الكريم « إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ » .

الرحيم « رَؤُفٌ رَحِيمٌ » .

العظيم « وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ » .

اليتيم « أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً » .

المستقيم « فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ » .

ص: 83

المعصوم « وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ » .

البشير « إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً » .

النذير « وَنَذِيراً » .

العزيز « لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ » .

الشهيد « وَجِئْنا بِكَ شَهِيداً » .

الحريص « حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ » .

القريب « ق وَالْقُرْآنِ » .

الحبيب والمحبّ والمحبوب في سبع مواضع«حم » .

النبي « يا أَيُّهَا النَّبِيُّ » .

القوي « ذِي قُوَّةٍ » .

الوحي «وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ » .

الأمّي « النَّبِيَّ الأُْمِّيَّ » .

الأمين «مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ » .

المكين «عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ » .

المبين «وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ » .

المذكّر « فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ » .

المبشّر « وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي » .

المنذر « إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ » .

المستغفر « وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ » .

ص: 84

المسبّح « فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ » .

المصلّي « فَصَلِّ لِرَبِّكَ » .

المصدّق « مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ » .

المبلّغ « يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ » .

المحدّث « وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ » .

المؤمن « آمَنَ الرَّسُولُ » .

المتوكّل « وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ » .

المزمّل « يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ » .

المدثّر « يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ » .

المتهجّد « وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ » .

المنادي « سَمِعْنا مُنادِياً » .

المهتدي « وَهَداهُ إِلى صِراطٍ » .

الحقّ « قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ » .

الصدق « وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ » .

الذكر « قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً »(1) .

البرهان « قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ » .

الفضل « قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ » .

المرسل « إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ » .

ص: 85


1- 155. في نسخة « النجف » و« المخطوطة » : « إنا أرسلنا إليكم ذكرا » .

المبعوث « هُوَ الَّذِي بَعَثَ » .

المختار «وَرَبُّكَ يَخْلُقُ » .

المعفو « عَفَا اللَّهُ عَنْكَ » .

المغفور « لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ » .

المكفي « إِنَّا كَفَيْناكَ » .

المرفوع والرفيع « وَرَفَعْنا لَكَ » .

المؤيّد « هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ » .

المنصور « وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ » .

المطاع «مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ » .

الحسنى « وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى » .

الهدى « وَما مَنَعَ النَّاسَ » .

الرسول « يا أَيُّهَا الرَّسُولُ » .

الرؤوف « بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ » .

النعمة « يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ » .

الرحمة « وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ رَحْمَةً » .

النور « قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ » .

الفجر « وَالْفَجْرِ وَلَيالٍ » .

المصباح « الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ » .

السراج « وَسِراجاً مُنِيراً » .

ص: 86

الضحى « وَالضُّحى وَاللَّيْلِ » .

النجم «وَالنَّجْمِ إِذا هَوى » .

الشمس « ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ » .

البدر « طه » .

الظل « أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ » .

البشر « بَشَرٌ مِثْلُكُمْ » .

الناس « أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ » .

الإنسان «خَلَقَ الإِْنْسانَ » .

الرجل « عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ » .

الصاحب « ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ » .

العبد « أَسْرى بِعَبْدِهِ » .

المجتبى « وَلكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي » .

المقتدى « فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ » .

المرتضى « إِلاَّ مَنِ ارْتَضى » .

المصطفى « اللَّهُ يَصْطَفِي » .

أحمد « يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ » .

محمد « مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ » .

« كهيعص » « يس » « طه » « حمعسق » كلّ حرف يدلّ على اسم له مثل : الكافي ، والهادي ، والعارف ، والسخي ، والطاهر ، وغير ذلك .

ص: 87

أسماؤه في الأخبار

وأسماؤه في الأخبار :

العاقب ، وهو الذي يعقب الأنبياء .

الماحي ، الذي يمحى به الكفر ، ويقال : تمحى به سيئات من اتبعه ، ويقال : الذي لا يكون بعده أحد .

الحاشر ، الذي يحشر الناس على قدميه .

والمقفى ، الذي قفى النبيين جماعة .

الموقف ، يوقف الناس بين يدي اللَّه .

القثم ، وهو الكامل الجامع .

ومنه :

الناشر ، والناصح ، والوفي ، والمطاع ، والنجي ، والمأمون ، والحنيف ، والحبيب ، والطيب ، والسيد ، والمقترب ، والدافع ، والشافع ، والمشفع ، والحامد ، والمحمود ، والموجه ، والمتوكّل ، والغيث(1) .

أسماؤه في الكتب السماوية والصحف

وفي التوراة : ميذميذاي غفور رحيم .

وقيل : ميد ميداي محمد .

ص: 88


1- 156. انظر الخصال : 425 ، مسند أحمد : 4/80 ، سنن الدارمي : 2/318 ، ابن حبان : 14/219 .

وقيل : مود مود .

وفي حكاية : إنّ اسمه فيها مرقوفا : أي المحمود .

وفي الزبور : قليطا مثل أبي القاسم ، فقالوا : بلقيطا ، وقالوا : فاروق ، وقالوا : محياثا .

وفي الإنجيل : طاب طاب : "أي" أحمد ، ويقال : يعني : طيب طيب .

وفي كتاب شعيا : نور الأمم ، ركن المتواضعين ، رسول التوبة ، رسول البلاء .

وفي الصحف : بلقيطا .

وفي صحف شيث : طاليثا .

وفي صحف إدريس : بهيائيل .

وفي صحف إبراهيم : مود مود .

أسماؤه في السماء

وفي السماء الدنيا : المجتبي .

وفي الثانية : المرتضى .

وفي الثالثة : المزكّى .

وفي الرابعة : المصطفى .

وفي الخامسة : المنتجب .

وفي السادسة : المطهر والمجتبى .

وفي السابعة : المقرب والحبيب .

ص: 89

أسماؤه عند أهل السماء وباقي الكائنات

ويسميه المقرّبون : عبد الواحد .

والسفرة : الأول .

والبررة : الآخر .

والكروبيون : الصادق .

والروحانيون : الطاهر .

والأولياء : القاسم .

والرضوان : الأكبر .

والجنّة : عبد الملك .

والحور : عبد العطاء .

وأهل الجنّة : عبد الديان .

ومالك : عبد المختار .

وأهل الجحيم : عبد النجاة .

والزبانية : عبد الرحيم .

والجحيم : عبد المنان .

وعلى ساق العرش : رسول اللَّه .

وعلى الكرسي : نبي اللَّه .

وعلى طوبى : صفيّ اللَّه .

وعلى لواء الحمد : صفوة اللَّه .

وعلى باب الجنّة : خيرة اللَّه .

ص: 90

وعلى القمر : قمر الأقمار .

وعلى الشمس : نور الأنوار .

والشياطين : عبد الهيبة .

والجنّ : عبد الحميد .

والموقف : الداعي .

والميزان : الصاحب .

والحساب : الداعي .

والمقام : المحمود الخطيب .

والكوثر : الساقي .

والعرش : المفضّل .

والكرسي : عبد الكريم !!

والقلم : عبد الحقّ .

وجبرئيل : عبد الجبار .

وميكائيل : عبد الوهاب .

وإسرافيل : عبد الفتّاح .

وعزرائيل : عبد التواب .

والسحاب : عبد السلام .

والريح : عبد الأعلى .

والبرق : عبد المنعم .

والرعد : عبد الوكيل .

ص: 91

والأحجار : عبد الجليل .

والتراب : عبد العزيز .

والطيور : عبد القادر .

والسبع : عبد العطاء .

والجبل : عبد الرفيع .

والبحر : عبد المؤمن .

والحيتان : عبد المهيمن .

وأهل الروم : الحليم .

وأهل مصر : المختار .

وأهل مكة : الأمين .

وأهل المدينة : الميمون .

والزنج : مهمت(1) .

والترك : صانجي .

والعرب : الأمّي .

والعجم : أحمد(2) .

ص: 92


1- 157. في نسخة « النجف » : « والريح : المهمت » .
2- 158. المصباح للكفعمي : 732 .

ألقابه صلى الله عليه وآله

حبيب اللَّه ، صفي اللَّه ، نعمة اللَّه ، عبد اللَّه ، خيرة اللَّه ، خلق اللَّه .

سيد المرسلين ، إمام المتّقين ، خاتم النبيين ، رسول الحمادين ، رحمة العالمين ، قائد الغرّ المحجلين .

خير البريّة ، نبي الرحمة .

صاحب الملحمة ، محلّل الطيبات ، محرّم الخبائث ، مفتاح الجنّة .

دعوة إبراهيم عليه السلام ، بشرى عيسى عليه السلام ، خليفة اللَّه في الأرض .

زين القيامة ونورها وتاجها ، صاحب اللواء يوم القيامة .

واضع الإصر والاغلال .

أفصح العرب .

سيد ولد آدم، ابن العواتك، ابن الفواطم، ابن الذبيحين، ابن بطحا ومكة .

العبد المؤيد ، والرسول المسدّد ، والنبي المهذّب ، والصفي المقرّب ، والحبيب المنتجب ، والأمين المنتخب .

صاحب الحوض والكوثر ، والتاج والمغفر ، والخطبة والمنبر ، والركن والمشعر ، والوجه الأنور ، والخدّ الأقمر ، والجبين الأزهر ، والدين الأظهر ، والحسب الأطهر ، والنسب الأشهر ، محمد خير البشر صلى الله عليه وآله .

المختار للرسالة ، الموضّح للدلالة ، المصطفى للوحي والنبوة ، المرتضى للعلم والفتوة ، والمعجزات والأدلة .

ص: 93

نور في الحرمين ، شمس بين القمرين ، شفيع من في الدارين .

نوره أشهر ، وقلبه أطهر ، وشرائعه أظهر ، وبرهانه أزهر ، وبيانه أبهر ، وأمّته أكثر .

صاحب الفضل والعطاء ، والجود والسخاء ، والتذكرة(1) والبكاء ، والخشوع والدعاء ، والإنابة والصفاء ، والخوف والرجاء ، والنور والضياء ، والحوض واللواء ، والقضيب والرداء ، والناقة العضباء ، والبغلة الشهباء .

قائد الخلق يوم الجزاء ، سراج الأصفياء ، تاج الأولياء ، إمام الأتقياء ، خاتم الأنبياء .

صاحب المنشور والكتاب ، والفرقان والخطاب ، والحقّ والصواب ، والدعوة والجواب ، وقائد الخلق يوم الحساب .

صاحب القضيب العجيب ، والفناء الرحيب ، والرأي المصيب ، المشفق على البعيد والقريب ، محمد الحبيب صلى الله عليه وآله .

صاحب القبلة اليمانية ، والملّة الحنيفية ، والشريعة المرضيّة ، والأمّة المهديّة ، والعترة الحسنية والحسينية .

صاحب الدين والإسلام ، والبيت الحرام ، والركن والمقام ، والصلاة والصيام ، والشريعة والأحكام ، والحلّ والحرام .

صاحب الحجّة والبرهان ، والحكمة والفرقان ، والحقّ والبيان ، والفضل والإحسان ، والكرم والامتنان ، والمحبّة والعرفان .

ص: 94


1- 159. في نسخة « النجف » : « التذكر » .

صاحب الخلق الجلي ، والنور المضي ، والكتاب البهي ، والدين الرضي ، الرسول النبي الأمّي .

صاحب الخلق العظيم ، والدين القويم ، والصراط المستقيم ، والذكر الحكيم ، والركن والحطيم .

صاحب الدين والطاعة ، والفصاحة والبراعة ، والكرّ والشجاعة ، والتوكّل والقناعة ، والحوض والشفاعة .

صاحب الدين الظاهر ، والحقّ الزاهر ، والزمان الباهر ، واللسان الذاكر ، والبدن الصابر ، والقلب الشاكر ، والأصل الطاهر ، والآباء الأخاير ، والأمّهات الطواهر .

صاحب الضياء والنور ، والبركة والحبور ، واليمن والسرور ، واللّسان الذكور ، والبدن الصبور ، والقلب الشكور ، والبيت المعمور .

ص: 95

كناه وصفاته ونسبه

كناه صلى الله عليه وآله

أبو القاسم ، وأبو الطاهر ، وأبو الطيب ، وأبو المساكين ، وأبو الدرّتين ، وأبو الريحانتين ، وأبو السبطين .

وفي التوراة : أبو الأرامل .

وكنّاه جبرئيل عليه السلام : بأبي إبراهيم لمّا ولد إبراهيم .

وإنّما يكنى بأبي القاسم بأوّل ولد يقال له « القاسم » .

ويقال : لأنّه يقسم الجنّة يوم القيامة .

صفاته

راكب الجمل ، آكل الذراع ، قابل الهدية ، محرّم الميتة ، حامل الهراوة ، خاتم النبوة .

نسبه

العربي ، التهامي ، الأبطحي ، اليثربي ، المكّي ، المدني ، القرشي ، الهاشمي ، المطّلبي .

فهو من جهة الأب هاشمي ، ومن جهة الاُم زهري ، ومن الرضاع سعدي ، ومن الميلاد مكّي ، ومن الإنشاء مدني .

ص: 96

ص: 97

فصل 25 : في نسبه وحليته صلى الله عليه وآله

اشاره

ص: 98

ص: 99

أبوه

محمد بن عبد اللَّه بن عبد المطلب ، سمّي بذلك لأنّ مطلباً(1) دخل مكة ، وهو رديفه ، وعبد المطلب اسمه شيبة الحمد [ لبياض كان في شعره بعد ما تولد ] .

ابن هاشم ، سمّي بذلك ، لأنّه هشم الثريد للناس في أيام الغلاء ، وهو عمرو بن عبد مناف سمّي بذلك ، لأنّه علا وأناف ، واسمه المغيرة بن قصي ، واسمه زيد ، قصى عن دار قومه ، لأنّه حمل من مكة في صغره إلى بلاد ازدشوءة ، فسمّي قصياً ، ويلقب بالمجمع لأنّه جمع قبائل قريش بعد ما كانوا في الجبال والشعاب ، وقسم بينهم المنازل بالبطحاء .

ابن كلاب بن مرّة بن كعب بن لوي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر ، وهو قريش ، وسمّي النضر ، لأنّ اللَّه - تعالى - اختاره ، والنضر النضرة .

ابن خزيمة ، وإنّما سمّي بذلك ، لأنّه خزم نور آبائه .

ابن مدركة ، لأنّهم أدركوا الشرف في أيامه وقتل لادراكه صيداً لأبيه ، وسمّي أخوه طابخة ، لطبخه لأبيه .

ص: 100


1- 160. في « المخطوطة » : « هاشماً » .

ابن إلياس النبي ، وسمّي بذلك لأنّه جاء على إياس وانقطاع .

ابن مضر ، وسمّي بذلك لأخذه بالقلوب ، ولم يكن يره أحد إلّا أحبّه .

ابن نزار ، واسمه عمرو ، وسمّي بذلك لأنّ معداً نظر إلى نور النبي صلى الله عليه وآله في وجهه ، فقرّب له قرباناً عظيماً ، وقال [ له ] : لقد استقللت هذا القربان ، وإنّه لقليل نزر ، ويقال : إنّه اسم أعجمي ، وكان رجلاً هزيلاً ، فدخل على يستانيف ، فقال : هذا نزار .

ابن معد ، وسمّي بذلك ، لأنّه كان صاحب حروب وغارات على اليهود ، وكان منصوراً .

ابن عدنان ، لأنّ أعين الحيّ كلّها كانت تنظر إليه .

وروي عنه صلى الله عليه وآله : إذا بلغ نسبي إلى عدنان فامسكوا .

وعنه صلى الله عليه وآله : كذب النسابون .

قال اللَّه تعالى « وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً »(1) .

قال القاضي عبد الجبار بن أحمد : المراد بذلك : إنّ اتصال الأنساب غير معلوم ، فلا يخلو إمّا أن يكون كاذباً ، أو في حكم الكاذب .

وقد روي أنّه انتسب إلى إبراهيم(2) .

أم سلمة : سمعت النبي صلى الله عليه وآله يقول : معد بن عدنان بن أدد ، وسمّي أدد ، لأنّه كان ماد الصوت كثير العزّ ، ابن زيد بن ثرا بن أعراق الثرى .

ص: 101


1- 161. المعارف لابن قتيبة : 70 ، الإستيعاب : 1/27 ، الطبقات الكبرى : 1/56 ، الدر النظيم : 47 .
2- 162. الطبقات الكبرى : 1/56 .

قالت أم سلمة : زيد هميسع ، وثرا نبيت ، واعراق الثرى إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام .

قالت : ثم قرأ صلى الله عليه وآله « وَعاداً وَثَمُودَ وَأَصْحابَ الرَّسِّ »(1) الآية .

واعتمد النسابة وأصحاب التواريخ : إنّ عدنان هو أد بن أدد بن اليسع بن الهميسع بن سلامان بن نبت بن حمل بن قيدار بن إسماعيل(2) .

وقال ابن بابويه : عدنان بن أد بن أدد بن زيد بن يقدد بن يقدم بن الهميسع بن نبت بن قيدار(3) بن إسماعيل(4) .

وقال ابن عباس : عدنان بن أد بن أدد بن اليسع بن الهميسع .

ويقال : ابن يامين بن يشخب بن منحر بن صابوغ بن الهميسع بن نبت بن قيدار بن إسماعيل بن إبراهيم بن تارخ بن ناحور بن شروغ بن ارغو وهو هود .

ويقال : رقالغ بن عابر ، وهو هود بن ارفخشد بن متوشلخ بن سام بن نوح بن لمك بن أخنوخ .

ويقال : أخنوخ هو إدريس بن مهلائيل .

وقيل : مهائيل بن زياد ، ويقال : مارد .

ص: 102


1- 163. المستدرك للحاكم : 2/403 ، الانباه على قبائل الرواة : 17 .
2- 164. العلل لأحمد بن حنبل : 1/45 ، تاريخ الطبري : 2/30 .
3- 165. في بعض النسخ : « قيذار » .
4- 166. إعلام الورى : 1/44 .

ويقال : اياد بن قينان بن انوش .

ويقال : قينان بن أدد بن انوش بن شيث ، وهو هبة اللَّه بن آدم(1) .

أمّه

أمّه : آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرّة(2) إلى آخر النسب .

عدد الآباء بينه وبين آدم

ويقال : إنّه ينسب إلى آدم بتسعة وأربعين أباً .

ص: 103


1- 167. إعلام الورى : 1/44 ، الدر النظيم : 47 .
2- 168. إعلام الورى : 1/44 .

صفة النبي صلى الله عليه وآله

الترمذي في الشمائل ، والطبري في التاريخ ، والزمخشري في الفائق ، والفتال في الروضة ، رووا صفة النبي صلى الله عليه وآله بروايات كثيرة ، منها :

عن أمير المؤمنين عليه السلام وابن عباس ، وأبي هريرة ، وجابر بن سمرة ، وهند بن أبي هالة :

إنّه كان صلى الله عليه وآله فخماً مفخماً في العيون(1) ، معظماً ، وفى القلوب مكرماً ، يتلألأ وجهه تلألؤ القمر(2) ليلة البدر ، أزهر منوّر اللون(3) ، مشرباً بحمرة ، لم تزريه مقلة ، ولم تعبه ثجلة(4) .

أغرّ ، أبلج(5) ، أحور ، أدعج ، أكحل ، أزج(6) ، عظيم الهامة ، رشيق القامة مقصداً ، واسع الجبين ، أقنى العرنين(7) ، أشكل العينين ، مقرون

ص: 104


1- 169. في معاني الأخبار للصدوق : 84 : معناه : كان عظيماً معظماً في الصدور والعيون ، ولم يكن خلقته في جسمه الضخامة وكثرة اللحم .
2- 170. معناه ينير ويشرق كإشراق القمر .
3- 171. أزهر اللون : معناه نيّر اللون .
4- 172. الثجل : عِظم البطن وسعته .
5- 173. معناه أنّ الحاجبين إذا كان بينهما انكشاف وابيضاض يقال لهما : البلج والبلجة ، ويقال: «حاجبه أبلج»، إذا كان كذلك، وإذا اتصل الشعر في وسط الجاجب، فهو القرن.
6- 174. أزج الحواجب : معناه طويل امتداد الحاجبين بوفور الشعر فيهما .
7- 175. القنا : أن يكون في عظم الأنف إحديداب في وسطه ، والعرنين : الأنف .

الحاجبين ، سهل الخدين صلتهما(1) ، طويل الزندين(2) ، شبح الذراعين(3) ، عظيم مشاشة المنكبين ، طويل ما بين المنكبين ، شثن الكفين(4) ، ضخم القدمين ، عاري الثديين ، خمصان الأخمصين(5) ، مخطوط المتينين(6) . أهدب الأشفار(7) ، كثّ اللحية(8) ، ذا فروة ، وافر السبلة(9) ، أخضر(10) الشمط(11) ،

ص: 105


1- 176. قال الطريحي في مجمع البحرين : في صفته صلى الله عليه وآله : أصلت الجبين أي واسعه ، وقيل : الأصلت : الأملس ، وقيل : البارز .
2- 177. في كلّ ذراع زندان ، وهما جانبا عظم الذراع ، فرأس الزند الذي يلي الإبهام يقال له : « الكوع » ، ورأس الزند الذي يلي الخنصر يقال له : « الكرسوع » .
3- 178. شبح الذراعين : أي طويلهما ، وقيل : عريضهما .
4- 179. معناه : خشن الكفين ، والعرب تمدح الرجال بخشونة الكفّ والنساء بنعومة الكفّ .
5- 180. معناه : إنّ أخمص رجله شديد الإرتفاع من الأرض ، والأخمص : ما ارتفع عن الأرض من وسط باطن الرجل وأسفلها .
6- 181. قال المجلسي رحمه الله في البحار : 16/183 : لم أجد له معنى ، ولعله تصحيف الليتين من ليت العنق : صفحته ، أو المتنين من متن الظهر .
7- 182. الأهدب : الذي طالت أهداب عينيه وكثرت أشفارها .
8- 183. معناه : أنّ لحيته قصيرة ، كثيرة الشعر فيها .
9- 184. السبلة ، بالتحريك : الشارب .
10- 185. الخُضْرَةُ في أَلوان الناس : السُّمْرَةُ ، والخُضْرَةُ عند العرب : سواد ، والخُضْرَةُ في شِيات الخيل : غُبْرَةٌ تخالط دُهْمَةً . وقيل : الخِضْرُ الغَضُّ والمِضْرُ إِتباع ، والدنيا خَضِرَةٌ مَضِرَة أَي ناعمة غَضةٌ طرية طيبة . والعرب تقول : الأَمْرُ بيننا أَخْضَرُ أَي جديد .
11- 186. الشَّمَطُ في الشعرَ : اختلافُه بلونين من سواد وبياض ، والشمَطُ في الرجل : شيْبُ اللِّحية ، الشَّمِيطُ من النَّبات : ما رأَيتَ بعضَه هائجاً وبعضه أَخْضر .

ضليع الفم(1) ، أشمّ أشنب(2) مفلج الأسنان ، سبط الشعر(3) ، دقيق المسربة(4) .

معتدل الخلق ، مفاض البطن ، عريض الصدر ، كأنّ عنقه جيد دمية(5) في صفاء الفضة ، سائل الأطراف(6) ، منهوش(7) العقب ، قصير الحنك ، دافى الجبهة ، ضرب اللحم بين الرجلين ، كأنّ في خاصرته انفتاق ، فعم(8) الأوصال ، لم يكن بالطويل البائن(9) ، ولا بالقصير الشائن(10) ، ولا بالطويل الممغط(11) ، ولا بالقصير المتردد ، ولا بالجعد القطط(12) ، ولا بالسبط(13) ،

ص: 106


1- 187. معناه : كبير الفم ، ولم تزل العرب تمدح بكبر الفم وتهجو بصغره .
2- 188. الأشنب : من صفة الفم ، قالوا : إنّه الذي لريقه عذوبة وبرد ، وقالوا أيضاً : إنّ الشنب في الفم تحدد ورقة ، وحدّة في أطراف الأسنان ، ولا يكان يكون هذا إلّا مع الحداثة والشباب .
3- 189. إذا كان الشعر منبسطاً لا تكسر فيه قيل : شعر سبط ورسل .
4- 190. المسربة : الشعر المستدق الممتد من اللبة الى السرّة .
5- 191. الجيد : العنق ، والدمية : الصورة .
6- 192. سائل الأطراف : أي تامها غير طويلة ولا قصيرة .
7- 193. في نسخة « النجف » : « منهوس » . في بحار الأنوار : 16/191 باب 8 : منهوش العقب : قليل لحم العقب ، والمنهوس بالسين المهملة : قليل اللحم أيضاً .
8- 194. الفعم : الممتلى ء .
9- 195. الطويل البائن : المفرط طولاً الذي بعد عن حدّ الرجال الطوال .
10- 196. الشين : خلاف الزين .
11- 197. الممغط : المتناهي في الطول .
12- 198. قطط : الشعر شديد الجعودة .
13- 199. السبط : الشعر المسترسل غير الجعد .

ولا بالمطهم(1) ، ولا بالمكلثم(2) ، ولا بالأبيض الأمهق(3) ، ضخم الكراديس(4) ، جليل المشاش(5) ، أنور المتجرد(6) ، لم يكن في بطنه ولا في صدره شعر إلّا موصل ما بين اللبّة إلى السرّة كالخط ، جليل الكتد(7) ، أجرد ذا مسربة .

وكان أكثر شيبه في فودي(8) رأسه ، وكأنّ كفّه كفّ عطار مسّها بطيب ، رحب الراحة(9) ، سبط القصب(10)(11) .

وكان إذا رضى وسرّ فكأن وجهه المرآة ، وكأنّ فيه شي ء من صور .

ص: 107


1- 200. المطهم : السمين الفاحش السمن .
2- 201. المكلثم : المجتمع لحم وجهه بلا جهومة .
3- 202. الأمهق : الأبيض الناصع البياض بغير حمرة .
4- 203. الكراديس : رؤوس العظام .
5- 204. في لسان العرب :المُشاشُ : كلُّ عظم لا مُخّ فيه يُمْكنك تتّبعُه ، والمُشاشُ : رؤوسُ العظامِ مثل الركبتين والمرفقين والمنكبين ، وفي صفة النبي صلى الله عليه وآله : أَنّه كان جليلَ المُشاشِ ، أَي عظيمَ رؤوس العظام ، كالمرفقين والكفين والركبتين ، والمُشاشةُ واحدة المُشاشِ ،هي رؤوس العظام الليّنة التي يمكن مضغُها .
6- 205. معناه : نيّر الجسد الذي تجرّد من الثياب .
7- 206. الكتد : مجتمع الكتفين من الإنسان .
8- 207. فود الرأس : جانباه .
9- 208. معناه : واسع الراحة كبيرها ، والعرب تمدح بكبر اليد وتهجو بصغرها ، وقالوا : رحب الراحة : أي كثير العطاء .
10- 209. في « المخطوطة » : « العصب » .
11- 210. سبط القصب : معناه ممتد القصب ، غير منعقدة ، والقصب : العظام المجوفة التي فيها مخ ، نحو الساقين والذراعين .

يخطو تكفؤاً(1) ، ويمشي الهوينا(2) ، يبدوا القوم إذا سارع إلى خير ، وإذا مشى تقلّع(3) كأنّما ينحدر في صبب(4) .

إذا تبسّم يتبسّم عن مثل المنحدر عن بطون الغمام(5) ، وإذا افتر(6) افتر عن سنا البرق إذا تلألأ .

لطيف الخلق ، عظيم الخلق ، ليّن الجانب ، إذا طلع بوجهه على الناس رأوا جبينه كأنّه ضوء السراج المتوقّد ، كأنّ عرقه في وجهه كاللؤلؤ ، وريح عرقه أطيب من ريح المسك الأذفر ، بين كتفيه خاتم النبوة(7) .

أبو هريرة : كان يقبل جميعاً ، ويدبر جميعاً(8) .

جابر بن سمرة : كانت في ساقيه حموشة(9)(10) .

ص: 108


1- 211. معناه : خطاه كأنّه يتكسر فيها أو يتبختر ، لقلّة الإستعجال معها ، ولا تبختر فيها ولا خيلاء .
2- 212. معناه : السكينة والوقار .
3- 213. تقلّع : أي مشى كأنّه ينحدر ، يقال : رجل قلع : أي الرجل القوي المشي .
4- 214. الصبب : الانحدار ، وما انحدر من الأرض .
5- 215. معناه : يكشف شفتيه عن ثغر أبيض يشبه حبّ الغمام .
6- 216. أي كشف عن أسنانه .
7- 217. الشمائل المحمدية للترمذي : 17 ، تاريخ الطبري : 2/426 ، الفائق : 2/187 و3/251 ، مكارم الأخلاق : 12 ، معاني الأخبار : 81 ، الغارات : 1/162 ، الطبقات الكبرى : 1/418 ، روضة الواعظين : 76 .
8- 218. مسند أحمد : 2/328 ، مسند أبي داود : 305 .
9- 219. المستدرك للحاكم : 2/606 .
10- 220. الحموشة : الدقّة في الساقين .

صفة شعره

أبو جحيفة : كان قد شمط عارضاه(1) ، وعنفقته بيضاء(2) .

أم هاني : رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ذا ضفائر أربع(3) .

والصحيح أنّه كان له ذؤابتان ، ومبدأها من هاشم .

أنس : ما عددت في رأس رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ولحيته إلّا أربع عشرة شعرة بيضاء(4) .

ويقال : سبع عشرة .

ابن عمر : إنّما كان شيبه نحواً من عشرين شعرة بيضاء(5) .

البراء بن عازب : كان يضرب شعره كتفيه(6) .

أنس : له لمّة(7) إلى شحمة اذنيه(8) .

عائشة : كان شعره فوق الوفرة(9) ودون الجمة(10)(11) .

ص: 109


1- 221. مسند أبي يعلى : 2/183 ، المعجم الكبير : 22/127 .
2- 222. مسند أحمد : 4/309 ، تاريخ الطبري : 2/428 .
3- 223. الشمائل المحمدية للترمذي : 32 ، تاريخ الطبري : 2/428 .
4- 224. مسند أحمد : 3/165 .
5- 225. مسند أحمد : 2/90 .
6- 226. تاريخ الطبري : 2/428 .
7- 227. اللمة : الشعر المجاور لشحمة الأذن .
8- 228. تاريخ المدينة لابن شبة : 2/615 .
9- 229. الوفرة : الشعر المجتمع على الرأس ، أو ما جاوز شحمة الأذن .
10- 230. مسند أحمد : 6/108 .
11- 231. الجمة : مجتمع شعر الناصية ، وما ترامى من شعر الرأس على المنكبين .

صفته في نهج البلاغة

وفي نهج البلاغة : اختاره من شجرة الأنبياء ، ومشكاة الضياء ، وذوابة العلياء ، وسرّة البطحاء ، ومصابيح الظلمة ، وينابيع الحكمة(1) .

أرسله على حين فتره من الرسل ، وتنازع من الألسن ، فقفي به الرسل ، وختم به الوحي ، فجاهد في اللَّه المدبرين عنه ، والعادلين به(2) .

أرسله بالضياء ، وقدّمه في الاصطفاء ، فرتق به المفاتق ، وساور(3) به المغالب ، وذلّل به الصعوبة ، وسهّل به الحزونة ، حتى سرح الضلالة عن يمين وشمال(4) .

أرسله داعياً إلى الحقّ ، وشاهداً على الخلق ، فبلّغ رسالات ربّه غير وان ولا مقصر ، وجاهد في اللَّه أعداءه غير واهن ولا معذر ، إمام من اتّقى ، وبصر من اهتدى(5) .

صفته في سحر البلاغة

وفي سحر البلاغة : صلّى اللَّه على خير مبعوث ، وأفضل وارث ومورث ، وخير مولود دعا إلى خير معبود ، بشير الرحمة والثواب ،

ص: 110


1- 232. نهج البلاغة : 206 خ 108 .
2- 233. نهج البلاغة : خ 133 .
3- 234. ساور : واثب ، وأخذ برأسه في العراك ونحوه .
4- 235. نهج البلاغة : خ 213 .
5- 236. نهج البلاغة : خ 116 .

ومدبر السطوة والعقاب ، ناسخ كلّ ملّة مشروعة ، وفاسخ كلّ نحلة متبوعة ، جاء بأمّته من الظلمات إلى النور ، وأوفى بهم إلى الظلّ بعد الحرور ، قد افرد بالزعامة وحده ، وختم بأن لا نبي بعده ، أرسله اللَّه قمراً منيراً ، وقدراً مبيراً(1) .

ص: 111


1- 237. زهر الآداب وثمر الألباب للقيرواني ( ت 453 ) : 4/1164 .

فصل 26 : في أقربائه وخدامه صلى الله عليه وآله

اشاره

ص: 112

ص: 113

أعمامه

كان لعبد المطلب عشر بنين : الحارث ، والزبير ، وحجل ، وهو الغيداق ، وضرار ، وهو نوفل ، والمقوم ، وأبو لهب ، وهو عبد العزى ، وعبد اللَّه ، وأبو طالب ، وحمزة ، والعباس ، وهو أصغرهم سنّاً .

وكانوا من أمّهات شتى إلّا عبد اللَّه وأبو طالب ، فإنّهما كانا ابني أم ، وأمّهما فاطمة بنت عمرو بن عايد .

وأعقب منهم البنون أربعة : أبو طالب ، وعباس ، والحارث ، وأبو لهب .

عمّاته

وعماته ستّة : عاتكة ، أميمة ، البيضاء ، وهي أم حكيم ، وصفية ، وهي أم الزبير ، وبرّة ، ويقال : وزيده .

من أسلم من أعمامه وعمّاته

وأسلم من أعمامه : أبو طالب ، وحمزة ، والعباس .

ومن عمّاته : صفية ، وأروى ، وعاتكة .

ص: 114

آخر من مات من أعمامه وعمّاته

وآخر من مات من أعمامه : العباس ، ومن عمّاته : صفية(1) .

جدّاته

وجدّته لأبيه : فاطمة بنت عمرو المخزومي .

وجدّته لاُمّه : برّة بنت عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار .

أخوته من الرضاعة

وإخوته من الرضاعة : عبد اللَّه ، وأنيسة(2) .

خدامه

وخدّامه : أولاد الحارث(3) .

أخوه في الجاهلية

وكان له أخ في الجاهلية اسمه « الخلاص(4) بن علقمة(5) ، وكان النبي صلى الله عليه وآله يقرظه(6) .

ص: 115


1- 238. المعارف لابن قتيبة : 71 ، مجمع البحرين : 3/53 ، إعلام الورى : 1/280 .
2- 239. المعارف لابن قتيبة : 132 ، تاريخ الطبري : 1/572 .
3- 240. البداية والنهاية : 5/353 .
4- 241. في « المخطوطة » : « الخلاس » .
5- 242. الفقيه للصدوق : 4/368 ، مكارم الإخلاق : 442 .
6- 243. يقرظه : يمدحه .

أخوه ووزيره ووصيه وختنه

وأخوه ووزيره ووصيه وختنه علي عليه السلام(1) .

ربيبه

وربيبه هند بن أبي هالة الأسدي من خديجة عليها السلام ، وعمرو بن أبي سلمة وزينب أخته من أم سلمة .

ص: 116


1- 244. ضروري لا يحتاج الى توثيق .

أزواجه

قال الصادق عليه السلام : تزوّج رسول اللَّه صلى الله عليه وآله بخمس عشرة إمرأة ، ودخل بثلاث عشرة منهن ، وقبض عن تسع(1) .

المبسوط : أنّه قال أبو عبيدة : تزوج النبي صلى الله عليه وآله ثماني عشر إمرأة(2) .

وفي اعلام الورى ، ونزهة الأبصار ، وأمالي الحاكم ، وشرف المصطفى : إنّه تزوج بإحدى وعشرين امرأة(3) .

وقال ابن جرير وابن مهدي : واجتمع له إحدى عشرة امرأة في وقت(4) .

ترتيب أزواجه

أزواجه في مكة

خديجة عليها السلام

تزوج بمكّة أولاً خديجة بنت خويلد عليها السلام ، قالوا : وكانت عند عتيق بن عايذ المخزومي ، ثم عند أبي هالة زرارة بن نباش الأسدي(5) .

ص: 117


1- 245. الخصال للصدوق : 419 ح 13 .
2- 246. المبسوط للطوسي : 4/270 .
3- 247. تاريخ اليعقوبي : 2/84 ، إعلام الورى : 143 .
4- 248. تاريخ الطبري : 2/410 .
5- 249. إعلام الورى : 1/274 .

وروى أحمد البلاذري ، وأبو القاسم الكوفي في كتابيهما ، والمرتضى في الشافي ، وأبو جعفر في التلخيص : إنّ النبي صلى الله عليه وآله تزوّج بها وكانت عذراء ، يؤكد ذلك ما ذكر في كتابي الأنوار والبدع : أنّ رقية وزينب كانتا ابنتي هالة أخت خديجة(1) .

ص: 118


1- 250. في كتاب الإستغاثة لأبي القاسم الكوفي ( ت 352 ) : 1/70 : وأنّ خديجة لم تتزوّج بغير رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، وذلك أنّ الإجماع من الخاص والعام من أهل الأنال ( الآثار ) ، ونقلة الأخبار على أنّه لم يبق من أشراف قريش ومن ساداتهم وذوي النجدة منهم إلّا من خطب خديجة ورام تزويجها ، فامتنعت على جميعهم من ذلك ، فلمّا تزوّجها رسول اللَّه صلى الله عليه وآله غضب عليها نساء قريش وهجرنها وقلن لها : خطبك أشراف قريش وأمراؤهم فلم تتزوّجي أحداً منهم ، وتزوّجت محمداً يتيم أبي طالب فقيراً لا مال له ، فكيف يجوز في نظر أهل الفهم أن تكون خديجة يتزوّجها أعرابي من تميم ، وتمتنع من سادات قريش وأشرافها على ما وصفناه ، ألا يعلم ذو التميز والنظر أنّه من أبين المحال وأفظع المقال ، ولمّا وجب هذا عند ذوي التحصيل ثبت أنّ خديجة لم تتزوّج غير رسول اللَّه صلى الله عليه وآله. وقال الإصبهاني في دلائل النبوة ط دار طيبة - الرياض : 1/178 : وكانت خديجة إمرأة باكرة ذات شرف . . . ثم إنّ خديجة عليها السلام كانت وعاءاً للإمامة ، وقد ورد في زيارة الحسين عليه السلام كما في بحار الأنوار : 98/200 باب 18 : أشهد أنّك كنت نوراً في الأصلاب الشامخة ، والأرحام المطهرة ، لم تنجّسك الجاهلية بأنجاسها ، ولم تلبسك مدلهمّات ثيابها . . وكيف تكون الإرحام مطهّرة لم تنجس بأنجاس الجاهلية ، ولم تلبس مدلهمّات ثيابها ، وقد تزوّجت بكافرين مشركين أعرابيين ؟ ! وكيف تتزوّج عليها السلام بغير النبي صلى الله عليه وآله وقد سمعت ورأت إشارات واضحة من الأحبار وما تناقلتها الأخبار من أنّها زوج نبي آخر الزمان ، وخاتم الأنبياء المبعوث الى كافة الأنام ، وهي العاقلة اللبيبة ذات الشرف والحسب والنسب والمال والجاه والمكانة التي كانت تتطاول لها أعناق الرجال من ذوي الشرف والسؤدد . ر؛ روى المجلسي في البحار 16/5 ح 9 عن المناقب والعدد القوية في حديث : أنّ نساء قريش اجتمعن في المسجد في عيد ، فإذا هن بيهودي يقول : ليوشك أن يبعث فيكن نبي ، فأيّكن استطاعت أن تكون له أرضاً يطؤها فلتفعل ، فحصبنه ، وقرّ ذلك القول في قلب خديجة ، وإنّما « حصبنه » لجهلهن ، وقرّ كلامه في قلب خديجة لعلمها أنّها هي المقصودة بالكلام . وروى المجلسي في البحار : 16/20 ح 19 عن أبي الحسن البكري في كتاب الأنوار : مرّ النبي صلى الله عليه وآله يوماً بمنزل خديجة بنت خويلد وهي جالسة في ملأ من نسائها وجواريها وخدمها ، وكان عندها حبر من أحبار اليهود ، فلمّا مرّ النبي صلى الله عليه وآله نظر إليه ذلك الحبر وقال : يا خديجة ، اعلمي أنّه قد مرّ الآن ببابك شاب حدث السن ، فامري من يأتي به ، فأرسلت إليه جارية من جواريها وقالت : يا سيّدي مولاتي تطلبك ، فأقبل ودخل منزل خديجة ، فقالت : أيّها الحبر هذا الذي أشرت إليه ؟ قال : نعم ، هذا محمد بن عبد اللَّه ، قال له الحبر : اكشف لي عن بطنك ، فكشف له ، فلمّا رآه قال : هذا واللَّه خاتم النبوة ، فقالت له خديجة : لو رآك عمّه وأنت تفتشه لحلّت عليك منه نازلة البلاء ، وإنّ أعمامه ليحذرون عليه من أحبار اليهود ، فقال الحبر : ومن يقدر على محمد هذا بسوء ؟ هذا وحقّ الكليم رسول الملك العظيم في آخر الزمان ، فطوبى لمن يكون له بعلاً ، وتكون له زوجة وأهلاً ، فقد حازت شرف الدنيا والآخرة ، فتعجّبت خديجة . وانصرف محمد صلى الله عليه وآله وقد اشتغل قلب خديجة بنت خويلد بحبّه ، وكانت خديجة ملكة عظيمة ، وكان لها من الأموال والمواشي شي ء لا يحصى ، فقالت : أيّها الحبر بم عرفت محمداً أنّه نبي ؟ قال : وجدت صفاته في التوراة ، أنّه المبعوث آخر الزمان ، يموت أبوه وأمّه، ويكفله جدّه وعمّه، وسوف يتزوج بامرأة من قريش سيدة قومها، وأميرة عشيرتها ، وأشار بيده إلى خديجة ، ثم بعد ذلك قال لها : احفظي ما أقول لك يا خديجة ، وأنشأ يقول : يا خديجة لا تنسي الآن قولي وخذي منه غاية المحصول يا خديجة هذا النبي بلا شك هكذا قد قرأت في الإنجيل ر؛ سوف يأتي من الإله بوحي ثم يجبى من الإله بالتنزيل ويزوجه بالفخار ويحظى في الورى شامخاً على كلّ جيل فلمّا سمعت خديجة ما نطق به الحبر تعلّق قلبها بالنبي صلى الله عليه وآله ، وكتمت أمرها ، فلمّا خرج من عندها قال : اجتهدي أن لا يفوتك محمد ، فهو الشرف في الدنيا والآخرة . وغير ذلك ممّا يدلّ على أنّها كانت عارفة به غاية المعرفة ، لأنّها من أقربائه وتعرف أعمامه ، وتعلم بمدى حرصهم على سلامته ، وخوفهم عليه من أحبار اليهود ، « لو رآك عمّه وأنت تفتّشه لحلّت عليك منه نازلة البلاء ، وإنّ أعمامه ليحذرون عليه من أحبار اليهود » ، بل كان اليهود يعرفونه بالصفة ، وكانت من جملة صفاته عندهم أنّه سيكون زوج خديجة ، « قال : وجدت صفاته في التوراة ، أنّه المبعوث آخر الزمان ، يموت أبوه وأمّه ، ويكفله جدّه وعمّه ، وسوف يتزوّج بامرأة من قريش سيدة قومها وأميرة عشيرتها ، وأشار بيده إلى خديجة ، ثم بعد ذلك قال لها : احفظي ما أقول لك يا خديجة . . » . فهل ترى إمرأة عظيمة الشأن ، خطيرة المقام ، مرهفة الحس ، صافية القلب مثل خديجة عليها السلام المعروفة بطهارة الذيل ، ونبل المحتد ، التي عرفت بصديقاتها ومجالسها ، يخفى عليها حديث الناس وحديث الأحبار ، وما تناقلته الآثار والأخبار من كونها زوجة خاتم الرسل وجدّ الذريّة الأئمة الأبرار عليهم السلام ؟ ! ثم بعد كلّ ذلك تتزوّج بمشركين وهي التي كشف اللَّه لها الأستار فرأت الغيب والملائكة الأطهار قبل أن تتزوج بالنبي المختار صلى الله عليه وآله ، كما روى الراوندي في الخرائج : 1/140 ونقله عنه صاحب البحار : 16/4 ح 8 عن جابر في حديث خروج النبي صلى الله عليه وآله مع ميسرة الى التجارة : . .وقال - أي ميسرة - : جاء بحيرا الراهب وخدمنا لما رأى الغمامة على رأسه تسير حيثما سار تظلّه بالنهار ، وربحا في ذلك السفر ربحاً كثيراً ، فلمّا انصرفا قال ميسرة : لو تقدّمت يا محمد إلى مكة ، وبشرت خديجة بما قد ربحنا لكان أنفع لك . ر؛ فتقدّم محمد على راحلته ، فكانت خديجة في ذلك اليوم جالسة على غرفة مع نسوة ، فظهر لها محمد راكباً ، فنظرت خديجة إلى غمامة عالية على رأسه تسير بسيره ، ورأت ملكين عن يمينه وعن شماله في يد كلّ واحد سيف مسلول يجيئان في الهواء معه ، فقالت : إنّ لهذا الراكب لشأناً عظيماً ليته جاء إلى داري ، فإذا هو محمد صلى الله عليه وآله قاصد لدارها ، فنزلت حافية إلى باب الدار ، وكانت إذا أرادت التحول من مكان إلى مكان حولت الجواري السرير الذي كانت عليه . . وروى المجلسي في البحار : 16/5 ح 9 عن المناقب والعدد القوية في حديث : . . قال ميسرة : يا محمد لقد جزنا عقبات بليلة كنّا نجوزها بأيام كثيرة ، وربحنا في هذه السفرة ما لم نربح من أربعين سنة ببركتك ، يا محمد فاستقبل بخديجة وأبشرها بربحنا ، وكانت وقتئذٍ جالسة على منظرة لها ، فرأت راكباً على يمينه ملك مصلت سيفه وفوقه سحابة معلّق عليها قنديل من زبرجدة ، وحوله قبة من ياقوتة حمراء ، فظنت ملكاً يأتي بخطبتها ، وقالت : اللّهم إليّ وإلى داري ، فلمّا أتى كان محمداً ، وبشّرها بالأرباح ، فقالت : وأين ميسرة ؟ قال : يقفو أثري . . وفي هذا الخبر غير ما ذكرنا من شدّة معرفتها ، وعلو مقامها عند اللَّه حتى أنّها كانت ترى الملائكة والعناية السماوية بسيّد الكائنات ، أنّها كانت تترصّد قدوم رجل ملائكي من الغيب ، لخطبتها ، وهي تنتظر ذلك بفارغ الصبر حتى إذا رأت المظلّل بالغمام تلهّفت أن تنجو من الإنتظار الذي يقضّ عليها مضجعها منذ حين ، فتوسّلت الى اللَّه أن يسعدها بالإمل الموعود الذي تنتظره فقالت : « إنّ لهذا الراكب لشأناً عظيماً ليته جاء إلى داري ، وقالت : اللّهم إليّ وإلى داري ، فإذا هو محمد صلى الله عليه وآله قاصد لدارها ، فنزلت حافية إلى باب الدار » . وبعد كلّ هذا وغيره ممّا لا يسع المجال ذكره ، لابد من الإلتفات الى قضية مهمّة ، وهي أنّ الروايات التي تنصّ أو تشير الى أنّ خديجة عليها السلام ، عرفت رجلاً أو رجلين قبل النبي صلى الله عليه وآله تنتهي في الإسناد - جميعاً أو غالباً - الى عائشة وقريبها حسباً ونسباً عروة ، ولا أظنّ أنّ أحداً يشكّك في ما عاناته عائشة من الغيرة والحسد الذي ر؛ صرّحت به دائماً أمام النبي صلى الله عليه وآله ، وأعلنته على رؤوس الأشهاد ، وغيرة النساء كفر ، والحسد يعمي ويصمّ ، والكذب والإفتراء قد يبرد نيران الغيرة ولو الى حين ، فهي تحاول أن توجد لنفسها ما تتفضّل به على خديجة عليها السلام بعد أن شاء اللَّه أن يفضّل خديجة عليها السلام عليها وعلى سائر نساء النبي صلى الله عليه وآله ، فلمّا لم تجد شيئاً يمكن أن تواجه به سيّدتها خديجة عليها السلام بعد أن قال لها النبي صلى الله عليه وآله مراراً : صدّقتني حيث كذّبني الناس ، وآوتني حيث طردني الناس ، وأعطتني حيث منعني الناس ، و . . ، ورزقني اللَّه منها الولد وجعلكن عقيماً ، مه يا حميرا ، فإنّ اللَّه - تبارك وتعالى - بارك في الولود الودود ، وإنّ خديجة - رحمها اللَّه - ولدت منّي طاهراً . . وأنت ممّن أعقم اللَّه رحمه ، فلم تلدي شيئاً ، وما رأته منه أنّه كان يبكي إذا سمع اسم خديجة عليها السلام ، ولم ينقطع من ذكرها حتى ذهب اليها وجمع اللَّه شمله بها في أعلى عليين ، وما كان يفعله مع صدايقها ، فيقوم لهن إذا دخلن عليه ويجلسهن مجلسه ، ويبعث اليهن بالفخذ من الشاة و . . فتشتعل نيران الغيرة ، ولا تدري بما تنتقم من خديجة عليها السلام التي كانت تقول دائماً : ما غرت من امرأة كغيرتي من خديجة ، فهي لا تباريها نسباً ولا حسباً ، ولا جمالاً ولا ولداً ولا مالاً ولا أيّ شي ء آخر ، فاخترعت هذه الفرية على سيّدة النسوان - كما سمّاها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام يوم رثاها عند وفاتها - ، لتكون لها - بزعمها - فضيلة على سائر نساء النبي صلى الله عليه وآله بإعتبارها الوحيدة فيهن ممّن لم تعرف رجلاً قبله صلى الله عليه وآله ! ! أمّا إنتساب زينب ورقية عليهما السلام لمولاتنا الولود الودود خديجة عليها السلام ، فقد روى الصفار بسنده عن الإمام الباقر عليه السلام قال : ولد لرسول اللَّه صلى الله عليه وآله من خديجة : القاسم ، والطاهر ، وأم كلثوم ، ورقية ، وزينب ، وفاطمة . انظر الحديث في قرب الإسناد : 9 ح 29 ، الخصال : 404 ح 115 ، تاريخ الأئمة : 15 ، الهداية الكبرى : 39 . وروى الصدوق في الخصال : 404 ح 116 بإسناده عن أبي عبد اللَّه الصادق عليه السلام قال : دخل رسول اللَّه صلى الله عليه وآله منزله فإذا عائشة مقبلة على فاطمة تصايحها ، وهي تقول : واللَّه يا بنت خديجة ما ترين إلّا أنّ لأمّك علينا فضلاً ، وأيّ فضل كان لها علينا ؟ ر؛ ما هي إلّا كبعضنا ! ! ! فسمع مقالتها فاطمة ، فلمّا رأت فاطمة رسول اللَّه صلى الله عليه وآله بكت ، فقال لها : ما يبكيك يا بنت محمد ؟ قالت : ذكرت أمّي فتنقّصتها فبكيت ، فغضب رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ثم قال : مه يا حميرا ، فإنّ اللَّه - تبارك وتعالى - بارك في الولود الودود ، وإنّ خديجة - رحمها اللَّه - ولدت مني طاهراً ، وهو عبد اللَّه ، وهو المطهر ، وولدت مني القاسم ، وفاطمة ، ورقية ، وأم كلثوم ، وزينب ، وأنت ممّن أعقم اللَّه رحمه ، فلم تلدي شيئاً . وقال الكليني في الكافي 1/439 : ولد له منها - أي خديجة عليها السلام - قبل البعثة : القاسم ، ورقية ، وزينب ، وأم كلثوم ، وولد له بعد المبعث : الطيب والطاهر وفاطمة ، وروي أيضاً : أنّه لم يولد بعد المبعث إلّا فاطمة عليها السلام ، وأنّ الطيب والطاهر ولدا قبل مبعثه . وقال الشيخ الطبرسي في اعلام الورى : 140 : فأوّل ما حملت ولدت عبد اللَّه بن محمد ، وهو الطيب . . الثاني : القاسم ، وقيل : إنّ القاسم أكبر ، وهو بكره ، وبه كان يكنى ، وأربع بنات : زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة . وقال ابن شهرآشوب : أولاده : وله من خديجة : القاسم ، وعبد اللَّه ، وهما الطاهر والطيب ، وأربع بنات : زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة . . وروى المجلسي في البحار : 22/166 عن الكازروني عن ابن عباس وابن سعد في الطبقات : 1/133 ، وابن عساكر في تاريخ دمشق : 3/125 ، وابن سيّد الناس في عيون الأثر : 2/363 عن ابن عباس قال : أوّل من ولد لرسول اللَّه صلى الله عليه وآله بمكة قبل النبوة القاسم ، وبه كان يكنى ، ثم ولد له زينب ، ثم رقية ، ثم فاطمة . . ثم ولد له في الإسلام عبد اللَّه ، فسمّي الطيب والطاهر ، وأمّهم جميعاً خديجة بنت خويلد . . وقال ابن إسحاق في السيرة : 1/202 : ولدت - أي خديجة عليها السلام - لرسول اللَّه ولده : القاسم - وبه كان يكنى - والطاهر ، والطيب ، وزينب ، ورقية ، وأم كلثوم ، وفاطمة عليهم السلام . . وقال ابن هشام : أكبر بنيه القاسم ، ثم الطيب ، ثم الطاهر ، وأكبر بناته رقية ، ثم زينب ، ثم أم كلثوم ، ثم فاطمة عليهم السلام . ر؛ وقال اليعقوبي في تاريخه : 2/20 : ولدت له قبل أن يبعث : القاسم ، ورقية ، وزينب ، وأم كلثوم ، وبعد ما بعث : عبد اللَّه ، وهو الطيب والطاهر - لأنّه ولد في الإسلام - ، وفاطمة عليها السلام . وروى الطبري في تاريخه : 3/161 : عن هشام الكلبي عن أبيه قال : فولدت لرسول اللَّه صلى الله عليه وآله ثمانية : القاسم والطيب ، والطاهر ، وعبد اللَّه ، وزينب ، ورقية ، وأم كلثوم ، وفاطمة عليهم السلام . وقال المسعودي في مروج الذهب : 2/291 : ولد له - من خديجة عليها السلام - : القاسم - وبه كان يكنّى ، وكان أكبر بنيه سناً - ورقية ، وأم كلثوم ، وولد له بعد ما بعث : عبد اللَّه - وهو الطيب والطاهر ، لأنّه ولد في الإسلام - ، وفاطمة عليها السلام . وفي الإستيعاب في ترجمة خديجة عليها السلام : لم يختلفوا في أنّ ولد النبي صلى الله عليه وآله كلّهم من خديجة حاشا إبراهيم ، وقال : اجمعوا على أنّها ولدت له أربع بنات ، كلّهن أدركن الإسلام ، وهاجرت زينب ، وهي أكبرهن ، وفاطمة الزهراء عليها السلام ، وهي أصغرهن تزوجها علي بن أبي طالب عليه السلام ، وانحصرت ذرية الرسول صلى الله عليه وآله في ولدها . . ويغني عن هذه الأقوال كلّها ما رواه الصفار والصدوق - رحمهما اللَّه - عن الباقر والصادق عليهما السلام ، سيما إذا لاحظنا أنّ التعبير فيهما كان بلفظ الولادة « ولد » ، « ولدت » ، فلا يحتمل حمله على إرادة التبنّي وما شاكل ممّا يشمل الربائب أيضاً ، وكذا يتأكّد بشهادة الكليني رحمه الله في الكافي ، حيث قال : « ولد له منها . .» . . ولو لاحظنا الأحاديث الواردة عن أهل البيت عليهم السلام - وهم أعرف بما فيه - نجدها كمّاً هائلاً بين مصرح وبين مشير ومؤكد لذلك ، فلا يلتفت الى قول من ينفي ذلك ، لأنّ غيرة الأئمة من أهل البيت عليهم السلام - وهم غيرة اللَّه - على خالاتهم خير من غيرة غيرهم ، والإمام هو الذي يحدّد لنا الحلال والحرام وما هو جائز وما هو حرام من الأحكام التكليفية والوضعية ، فلا يحقّ لنا أن نحكم تصرفاته - على فرض ثبوتها - فننفيها لأنّها لا توافق الشرع ، فأيّ شرع هذا الذي نريد أن نحكم به فعل المعصوم ؟! . ر؛ ولا فرق عند المعصوم في امتثال الحكم الشرعي ، فلو كان التزويج - على فرض ثبوته - من كافر أو منافق حراماً فهو لا يرتضيه لربيبته كما لا يرتضيه لابنته ، والقول بالتفريق مع عدم ثبوت الخصوصية تشكيك في عدالة سيّد الكائنات وأعدل المخلوقات .. .

ص: 119

ص: 120

ص: 121

ص: 122

ص: 123

ص: 124

سودة

وسودة بنت زمعة بعد موتها بسنة ، وكانت عند سكران بن عمرو من مهاجري الحبشة ، فتنصّر ومات بها .

عائشة

وعائشة بنت أبي بكر ، وهي ابنة سبع ، قبل الهجرة بسنتين ، ويقال : كانت ابنة ست ، ودخل بها بالمدينة في شوال وهي ابنة تسع ، ولم يتزوّج غيرها بكراً(1) ، وتوفي النبي صلى الله عليه وآله ، وهي ابنة ثمانية عشر سنة ، وبقيت إلى امارة معاوية ، وقد قاربت السبعين .

أزواجه في المدينة

أم سلمة

وتزوّج بالمدينة أم سلمة ، واسمها هند بنت أمية المخزومية ، وهي بنت عمّته عاتكة بنت عبد المطلب .

وكانت عند أبي سلمة بن عبد الأسد بعد وقعة بدر من سنة إثنتين من التاريخ .

ص: 125


1- 251. بل تزوج خديجة عليها السلام قبلها ، وكانت عذراء بكراً لم تتزوّج قبله ، ولم تعرف رجلاً غيره ، كما ذكر المؤلف نفسه قبل سطور . .

حفصة

وفي هذه السنة تزوّج بحفصة بنت عمر ، وكانت قبله تحت خنيس بن عبد اللَّه بن حذاقة السهمي ، فبقيت إلى آخر خلافة علي عليه السلام ، وتوفيت بالمدينة .

زينب

وزينب بنت جحش الأسدية ، وهي ابنة عمّتها أميمة(1) بنت عبد المطلب ، وكانت عند زيد بن حارثة وهي أول من ماتت من نسائه بعده في أيام عمر بعد سنتين من التاريخ .

جويرية

وجويرية بنت الحارث بن ضرار المصطلقية .

ويقال : إنّه اشتراها ، فأعتقها وتزوّجها ، وماتت في سنة خمسين ، وكانت عند مالك بن صفوان بن ذي السفرتين .

أم حبيبة

وأم حبيبة بنت أبي سفيان ، واسمها « رملة » ، وكانت عند عبد اللَّه بن جحش في سنة ستّ ، وبقيت إلى إمارة معاوية .

صفية

وصفية بنت حي بن أخطب النضري ، وكانت عند سلام بن مسلم ، ثم عند كنانة بن الربيع ، وكانت أتي بها "في الحال" ، وأسرّ بها في سنة سبع .

ص: 126


1- 252. في النسختين من « المخطوطة » : « أديمة » .

ميمونة

وميمونة بنت الحارث الهلالية خالة ابن عباس ، وكانت عند عمير بن عمرو الثقفي ، ثم عند أبي زيد بن عبد العامري ، خطبها للنبي صلى الله عليه وآله جعفر بن أبي طالب ، وكان تزويجها وزفافها وموتها وقبرها بسرف ، وهو على عشرة أميال من مكة في سنة سبع ، وماتت في سنة ستّ وثلاثين .

وقد دخل بهؤلاء .

نساؤه المطلقات

والمطلقات ، أو من لم يدخل بهن ، أو من خطبها ولم يعقد عليها :

فاطمة

فاطمة بنت شريح ، وقيل : بنت الضحاك ، تزوّجها بعد وفاة ابنته زينب ، وخيّرها حين أنزلت عليه آية التخيير ، فاختارت الدنيا .

ففارقها ، فكانت بعد ذلك تلقط البعر ، وتقول : أنا الشقية ، اخترت الدنيا .

زينب بنت خزيمة

وزينب بنت خزيمة بن الحرث « أم المساكين » من عبد مناف ، وكانت عند عبيدة بن الحرث بن عبد المطلب .

أسماء

وأسماء بنت النعمان بن الأسود الكندي من أهل اليمن .

ص: 127

وأسماء بنت نعمان ، لمّا دخلت عليه قالت : أعوذ باللَّه منك ، فقال : أعذتك إلحقي بأهلك ، وكانت بعض أزواجه علّمتها وقالت : إنّك تحظين عنده .

قتيلة

وقتيلة أخت الأشعث بن قيس الكندي ، ماتت قبل أن يدخل بها .

ويقال : طلّقها ، فتزوّجها عكرمة بن أبي جهل ، وهو الصحيح .

أم شريك

وأم شريك ، واسمها غزية بنت جابر من بني النجار .

سنا

وسنا بنت الصلت من بني سليم .

ويقال : خولة بنت حكيم السلمي ، ماتت قبل أن تدخل عليه .

سراف

وكذلك سراف(1) أخت دحية الكلبي .

من لم يدخل بهن

ولم يدخل :

بعمرة الكلابية .

وأميمة بنت النعمان الجونية .

والعالية بنت ظبيان الكلابية .

ومليكة الليثية .

ص: 128


1- 253. في نسخة « النجف » : « صراف » .

من خطبهن ولم يعقد عليهن

عمرة بنت بريد

وأمّا عمرة(1) بنت بريد رأى بها بياضاً فقال : دلستم علي ، فردّها .

ليلى بنت الحطيم الأنصارية

وليلى بنت الحطيم الأنصارية ، ضربت ظهره وقالت : أقلني ، فأقالها ، فأكلها الذئب .

عمرة

وعمرة من العرطا(2) ، وصفها أبوها حتى قال : إنّها لم تمرض قطّ ، فقال صلى الله عليه وآله : ما لهذه عند اللَّه من خير .

التسع اللاتي قبض عنهن

والتسع اللاتي قبض عنهن :

أم سلمة .

زينب بنت جحش .

ميمونة .

أم حبيبة .

صفية .

ص: 129


1- 254. في نسخة « النجف » : « عميرة » .
2- 255. كذا في « المخطوطة » ونسخة « النجف » .

جويرية .

سودة .

عائشة .

حفصة(1) .

الموهوبة

قال زين العابدين عليه السلام ، والضحاك ، ومقاتل : الموهبة إمرأة من بني أسد ، وفيه ستة أقوال(2) .

نساؤه اللواتي متن قبله

ومات قبل النبي صلى الله عليه وآله : خديجة عليها السلام ، وأمّ هاني ، وزينب بنت خزيمة .

أفضل نسائه

وأفضلهن خديجة عليها السلام ، ثم أمّ سلمة ، ثم ميمونة(3) .

ص: 130


1- 256. انظر أزواجه صلى الله عليه وآله في إعلام الورى : 1/274 وما بعدها ، السيرة لابن إسحاق : 328 ، السيرة لابن هشام : 4/1059 ، المصنف للصنعاني : 7/489 ، المعجم الكبير : 22/445 ، الإستيعاب : 1/45 ، الطبقات الكبرى : 8/220 .
2- 257. مجمع البيان : 8/171 .
3- 258. الخصال : 2/419 .

إماؤه

مبسوط الطوسي : إنّه اتخذ من الإماء ثلاثاً : عجميّتين وعربية ، فأعتق العربية ، واستولد إحدى العجميّتين(1) .

وكان له سريّتان يقسم لهما مع أزواجه : مارية القبطية ، وريحانة بنت زيد القرظية(2) ، أهداهما المقوقس صاحب الإسكندرية .

وكانت لمارية أخت اسمها « سيرين » ، فأعطاها حسان ، فولدت عبد الرحمن .

فتوفت مارية بعد النبي صلى الله عليه وآله بخمس سنين .

ويقال : إنّه أعتق ريحانة ، ثم تزوجها(3) .

تاج التراجم : إنّ النبي صلى الله عليه وآله اختار من سبي بني قريظة جارية اسمها « تكانة بنت عمرو » ، وكانت في ملكه ، فلمّا توفي صلى الله عليه وآله زوّجها العباس(4) .

مهر نسائه

وكان مهر نسائه اثنتا عشر أوقية ونش(5) .

ص: 131


1- 259. المبسوط للطوسي : 4/270 .
2- 260. الخصال : 419 ح 13 .
3- 261. أسد الغابة : 5/485 ، الدر النظيم : 190 .
4- 262. الدر النظيم : 190 .
5- 263. الكافي : 5/376 ح 4 ، إعلام الورى : 139 .

أولاده

ولد من خديجة عليها السلام : القاسم وعبد اللَّه ، وهما : الطاهر والطيب .

وأربع بنات : زينب ، ورقية ، وأم كلثوم ، وهي آمنة ، وفاطمة عليها السلام ، وهي أم أبيها .

إبراهيم

ولم يكن له ولد من غيرها إلّا إبراهيم من مارية ، ولد بعالية في قبيلة مازن في مشربة أم إبراهيم .

ويقال : ولد بالمدينة سنة ثمان من الهجرة ، ومات بها ، وله سنة وعشرة أشهر وثمانية أيام ، وقبره بالبقيع .

وفي الأنوار ، والكشف ، واللمع ، وكتاب البلاذري : إنّ زينب ورقية كانتا ربيبتيه من جحش .

القاسم والطيب

فأمّا القاسم والطيب ، فماتا بمكّة صغيرين ، قال مجاهد : مكث القاسم سبع ليال .

زينب

وأمّا زينب ، فكانت عند أبي العاص القاسم بن الربيع ، فولدت أم كلثوم ، وتزوّج بها علي عليها السلام .

وكان أبو العاص أسر يوم بدر ، فمنّ عليه النبي صلى الله عليه وآله ، وأطلقه من غير فداء ، وأتت زينب الطائف ، ثم أتت النبي صلى الله عليه وآله بالمدينة .

ص: 132

فقدم أبو العاص المدينة فأسلم .

وماتت زينب بالمدينة بعد مضى النبي صلى الله عليه وآله إليها بسبع سنين وشهرين .

رقية

وأمّا رقية ، فتزوجها عتبة ، وأم كلثوم تزوّجها عتيق ، وهما ابنا أبي لهب ، فطلّقاهما ، فتزوج عثمان رقية بالمدينة ، وولدت له عبد اللَّه صبيّاً لم يجاوز ستّ سنين ، وكان ديك نقره على عينه فمات ، وبعدها أم كلثوم .

عقبه صلى الله عليه وآله

ولا عقب للنبي صلى الله عليه وآله إلّا من ولد فاطمة عليها السلام(1) .

رفقاؤه

علي وابناه عليهم السلام ، وحمزة ، وجعفر ، وسلمان ، وأبو ذر ، والمقداد ، وعمار ، وحذيفة ، وابن مسعود ، وبلال ، وأبو بكر(2) ، وعمر(3) .

ص: 133


1- 264. المعارف لابن قتيبة : 141 .
2- 265. الرفقة : الجماعة من الناس ترافقهم في سفرك ، فإذا تفرّقوا زال الاسم عنهم ، والجمع رفاق ، ورَفِيقُك : الذي يُرافِقُك ، وهو الصاحب في السفر خاصّة ، والرّفقة يُسمون رفقة ما داموا منضمين في مجلس واحد ومَسير واحد ، فإِذا تفرَّقوا ذهب عنهم اسم الرّفْقة ، ورَفِيقُك: الذي يُرافِقُك في السفر تَجْمَعُك وإِيّاه رفقة واحدة .
3- 266. مسند أحمد : 1/148 ، الآحاد والمثاني : 1/190 ، كتاب السنة لأبي عاصم : 603 . ولم أقف عليه من طرق الخاصة .

كتّابه

كان علي عليه السلام يكتب أكثر الوحي ، ويكتب أيضاً غير الوحي .

وكان أبيّ بن كعب ، وزيد بن ثابت يكتبان الوحي .

وكان زيد وعبد اللَّه بن الأرقم يكتبان إلى الملوك .

وعلاء بن عقبة وعبد اللَّه بن أرقم يكتبان القبالات .

والزبير بن العوام وجهم بن الصلت يكتبان الصدقات .

وحذيفة يكتب صدقات التمر .

وقد كتب له عثمان ، وخالد وأبان ابنا سعيد بن العاص ، والمغيرة بن شعبة ، والحصين بن نمير ، والعلاء بن الحضرمي ، وشرحبيل بن حسنة الطانحي ، وحنظلة بن ربيع الأسدي(1) ، وعبد اللَّه بن سعد بن أبي سرح ، وهو الخائن في الكتابة ، فلعنه رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وقد ارتد(2) .

دعاؤه على معاوية : لا أشبع اللَّه بطنه

وفي تاريخ البلاذري : إنّه أنفذ النبي صلى الله عليه وآله ابن عباس إلى معاوية ليكتب له ، فقال : إنّه يأكل ، ثم بعث إليه ولم يفرغ من أكله ، فقال النبي صلى الله عليه وآله : لا أشبع اللَّه بطنه(3) .

ص: 134


1- 267. الإستيعاب : 1/68 .
2- 268. معاني الأخبار : 347 .
3- 269. مسلم : 8/28 ، مسند أبي داود : 309 ، الإستيعاب : 13/143 ، تاريخ الطبري : 8/186 .

حاجبه

حاجبه : أنس بن مالك .

مؤذنه

بلال ، وهو أول من أذن له(1) ، وعمرو بن أم مكتوم ، واسم أبيه قيس(2) ، وزياد بن الحارث الصدائي(3) ، وأبو محذورة أوس بن مغير(4) ، كان لا يؤذن إلّا في الفجر ، وعبد اللَّه بن زيد الأنصاري(5) ، وأدركه سعيد(6) القرظي في مسجد قبا(7) .

مناديه

مناديه : أبو طلحة(8) .

ص: 135


1- 270. كتاب الأوائل للطبراني : 116 ، الطبقات الكبرى : 3/243 ، السيرة لابن إسحاق : 279 ، السنن الكبرى للبيهقي : 1/414 .
2- 271. الكافي : 4/98 ، مسند أحمد : 6/433 .
3- 272. سنن أبي داود : 1/126 .
4- 273. مسند أحمد : 3/408 .
5- 274. المصنف لابن أبي شيبة : 1/234 .
6- 275. في المصادر : « سعد » .
7- 276. البداية والنهاية : 7/356 .
8- 277. الإستيعاب : 4/1697 ، مسند أحمد : 3/112 .

من يضرب أعناق الكفار بين يديه

ومن كان يضرب أعناق الكفار بين يديه : علي عليه السلام ، والزبير ، ومحمد ابن مسلمة ، وعاصم بن(1) الأفلح ، والمقداد(2) .

حرّاسه

وحرّاسه(3) : سعد بن معاذ حرسه يوم بدر ، وهو في العريش ، وقد حرسه ذكوان بن عبد اللَّه ، وبأحد محمد بن مسلمة ، وبالخندق الزبير ، وليلة بني نصيفة ، وهو بخيبر سعد بن أبي وقاص ، وأبو أيوب [ الأنصاري ] وبلال بوادي القرى ، وزياد بن أسد ليلة فتح مكة ، وكان [ سعد بن ] عباد يلي حرسه .

فلمّا نزل : « وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ » ترك الحرس(4) .

[ من قدّمهم للصلاة ]

ومن قدّمهم للصلاة : فأمير المؤمنين عليه السلام كان يصلّي بالمدينة أيام تبوك ، وفي غزوة "تبوك" الطائف وفدك .

ص: 136


1- 278. في بعض المصادر : « عاصم أبي الأفلح » .
2- 279. عيون الأثر : 2/403 .
3- 280. سيد حرّاسه ومن فداه بنفسه ليلة المبيت ووقاه بمهجته في بدر وأحد والمواطن كلّها في حلّه وترحاله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهما السلام .
4- 281. عيون الأثر : 2/402 .

وسعد بن عبادة على المدينة في الأبواء وودان ، وسعد بن معاذ في بواط ، وزيد بن حارثة في صفوان وبني المصطلق إلى تمام سبع مرات ، وأبا سلمة المخزومي في ذي العشيرة ، وأبا لبابة في بدر القتال وبني قينقاع والسويق ، وعثمان في بني غطفان وذي امرة وذات الرقاع ، وابن أم مكتوم في قرقرة الكدر وبني سليم وأحد وحمراء الأسد وبني النظير والخندق وبني قريظة وبني لحيان وذي قرد وحجة الوداع والاكيدر ، وسباع بن عرفطة في الحديبية ودومة الجندل ، وأبا ذر في حنين وعمرة القضاء ، وابن رواحة في بدر الموعد ، ومحمد بن مسلمة ثلاث مرات .

وقدّم عبد الرحمن بن عوف ، ومعاذ بن جبل ، وأبا عبيدة ، وعايشة بن محصن ، ومرثد الغنوي(1) .

عماله

ولّى عمرو بن حزم الأنصاري نجران ، وزياد بن أسيد(2) حضرموت ، وخالد بن سعيد بن العاص صنعاء ، وأبا أمية المخزومي كندة والصدق ، وأبا موسى الأشعري زبيد ، وزمعة عدن والساحل ، ومعاذ بن جبل الجبلة والغضا من أعمال اليمن ، وعمرو بن العاص عمان ومعه أبو زيد الأنصاري ، ويزيد بن أبي سفيان على نجران ، وحذيفة دبا .

ص: 137


1- 282. المسترشد للطبري : 128 .
2- 283. في بعض المصادر : « لبيد » .

وبلالاً على صدقات الثمار ، وعباد بن البشير الأنصاري على صدقات بني المصطلق ، والأقرع بن حابس على صدقات بني دارم ، والزبرقان بن بدر على صدقات عوف ، ومالك بن نويرة على صدقات بني يربوع ، وعدي بن حاتم على صدقات طي وأسد ، وعيينة بن حصن على صدقات فزارة ، وأبا عبيدة بن الجراح على صدقات مزينة وهذيل وكنانة(1) .

رسله

بعث حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس ، وشجاع بن وهب الأسدي إلى الحارث بن شمر ، ودحية الكلبي إلى قيصر ، وسليط بن عمرو العامري إلى هوذة بن علي الحنفي ، وعبد اللَّه بن حذاقة السهمي إلى كسرى ، وعمر بن أمية الضمري إلى النجاشي(2) .

المشبهون به

جعفر الطيار ، والحسن بن علي عليهما السلام ، وقثم بن العباس ، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ، وهاشم بن عبد المطلب ، ومسلم بن معتب بن أبي لهب(3)(4) .

ص: 138


1- 284. فتوح البلدان للبلاذري: 1/82، أنساب الأشراف: 2/189، الدرر لابن عبدالبر : 258.
2- 285. الطبقات الكبرى : 1/258 .
3- 286. كتاب المحبر للبغدادي : 47 ، كتاب المنمق : 424 ، تاريخ اليعقوبي : 2/117 .
4- 287. من المشبّهين به علي بن الحسين عليهما السلام الشهيد بكربلاء ، وقد أشبهه خلقاً وخلقاً ر؛ ومنطقاً ، ومسلم بن عقيل عليهما السلام كما ورد في التاريخ الكبير للبخاري عن أبي هريرة ، وغيرهما من أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله . . .

من هاجر معه

من هاجر معه من مكة إلى المدينة : أبو بكر ، وعامر بن فهيرة ، ودليلهم عبد اللَّه بن أريقط الليثي(1) .

وخلف علياً عليه السلام مع الودائع ، فلمّا سلّمها إلى أصحابها لحق به ، فخرج إلى الغار ، ومنها إلى المدينة(2) .

وفي رواية أنّه أدرك النبي صلى الله عليه وآله بقبا(3) .

خدّامه من الأحرار

أنس وهند وأسماء ابنتا خارجة الأسلمية ، وأبو الحمراء ، وأبو الخلف(4) .

عيونه

الخزاعي(5) ، وعبد اللَّه بن حدرد(6) .

ص: 139


1- 288. الطبقات الكبرى : 1/230 ، إعلام الورى : 76 .
2- 289. تاريخ اليعقوبي : 2/39 .
3- 290. الكافي : 8/339 ، إعلام الورى : 153 .
4- 291. الطبقات الكبرى : 1/495 .
5- 292. مسند أحمد : 4/328 ، السنن الكبرى للبيهقي : 9/218 .
6- 293. السيرة النبوية لابن هشام : 4/891 .

من حلق رأسه

الذي حلق رأسه يوم الحديبية خراش بن أمية الخزاعي ، وفي حجّته معمر بن عبد اللَّه بن حارثة بن نضر(1) .

من حجمه

الذي حجمه أبو طيبة(2) ، الذي شرب دم النبي صلى الله عليه وآله ، فخطب في الاشراف .

وأبو هند مولى فروة بن عمرو البياضي الذي قال له النبي صلى الله عليه وآله : إنّما أبو هند رجل منكم ، فأنكحوه وانكحوا إليه(3) .

وأبو موسى الأشعري .

ص: 140


1- 294. الفقيه للصدوق : 2/239 ح 2293 ، التهذيب للطوسي : 5/458 .
2- 295. الخلاف للطوسي : 6/88 ، الموطأ لمالك : 2/974 ، مسند أحمد : 3/100 .
3- 296. الإستيعاب : 4/1772 رقم 3209 .

شعراؤه

كعب بن مالك

كعب بن مالك(1) ، قوله :

وإنّي وإن عنّفتموني لقائل

فدا لرسول اللَّه نفسي وماليا(2)

أطعناه لم نعدله فينا بغيره

شهاباً لنا في ظلمة الليل هاديا(3)

* * *

وله :

وفينا رسول اللَّه نتّبع أمره

إذا قال فينا القول لا يتطلّع

تدلّى على الروح من عند ربّه

ينزل من جوّ السماء ويرفع(4)

عبد اللَّه بن رواحة

وقال عبد اللَّه بن رواحة :

وكذاك قد ساد النبي محمد

كلّ الأنام وكان آخر مرسل(5)

ص: 141


1- 297. هو كعب بن مالك بن عمرو بن القين ، البدري الأنصاري السلمي ، الخزرجي ، صحابي من أكبار الشعراء ، من أهل المدينة ، اشتهر في الجاهلية ، مات سنة 50 ه .
2- 298. في نسخة « النجف » : « تاليا » .
3- 299. السيرة النبوية لابن هشام : 3/697 .
4- 300. السيرة لابن هشام : 3/644 .
5- 301. يتيمة الدهر للثعالبي : 1/26 .

حسان بن ثابت

وقال حسان بن ثابت :

ألم تر أنّ اللَّه أرسل عبده

ببرهانه واللَّه أعلى وأمجد

وشقّ له من اسمه ليجلّه

وذو العرش محمود وهذا محمد

نبي أتانا بعد بأس وفترة

من الرسل والأوثان في الأرض تعبد

تعاليت ربّ العرش من فاحش

فإياك نستهدي وإياك نعبد(1)

* * *

وأمره النبي صلى الله عليه وآله إن يجيب أبا سفيان ، فقال :

ألا أبلغ أبا سفيان عنّي

مغلغلة وقد برح الخفاء

بأنّ سيوفنا تركتك عبداً

وعبد الدار سادتها الإماء

أتهجوه ولست له بندّ

فشرّكما لخيركما الفداء

هجوت محمداً برّاً حنيفاً

أمين اللَّه شيمته الوفاء

أمن يهجو رسول اللَّه منكم

ويمدحه وينصره سواء

فإنّ أبي ووالدتي وعرضي

لعرض محمد منكم وقاء(2)

ص: 142


1- 302. مجمع البيان : 2/403 ، تفسير الثعلبي : 3/177 .
2- 303. السيرة لابن هشام : 4/878 .

النابغة الجعدي

وقال النابغة الجعدي(1) :

أتيت رسول اللَّه إذ جاء بالهدى

ويتلو كتاباً كالمجرّة نيّرا

بلغنا السما في مجدنا وسنائنا

وإنّا لنرجو فوق ذلك مظهرا

فقال النبي صلى الله عليه وآله : إلى أين ؟ قال : الجنّة ، فقال صلى الله عليه وآله : أجل(2) .

ص: 143


1- 304. في الكنى والألقاب للشيخ عباس القمي : 3/227 : النابغة الجعدي بفتح الجيم وسكون العين ، قيس بن كعب بن عبد اللَّه بن عامر بن ربيعة بن جعدة بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصمة ، يكنى أبا ليلى ، كان من المعمرين . في البحار عن هشام الكلبي أنّه عاش مائة وثمانين سنة ، وقيل : إنّه عاش مائتي سنة ، وأدرك الإسلام . وروي أنّ النابغة الجعدي أنشد رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : بلغنا السماء عزة وتكرما وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا فقال : إلى أين يا أبا ليلى ؟ قال : إلى الجنة يا رسول اللَّه ، قال : أحسنت لا يفضض اللَّه فاك ، قال الراوي : فرأيته شيخاً له مائة وثلاثون سنة ، وأسنانه مثل ورق الأقحوان نقاء وبياضاً ، قد هدم جسمه الآفات . روى العلامة المجلسي في البحار مجالس المفيد عن أبي عبيدة قال : كان النابغة الجعدي ممّن يتأله في الجاهلية ، وأنكر الخمر والسكر ، وهجر الأوثان والأزلام ، وكان يذكر دين إبراهيم عليه السلام والحنيفية ، ويصوم ويستغفر ، ويتوقى أشياء لغوا فيها ، ووفد على رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، وكان النابغة علوي الرأي ، خرج بعد رسول اللَّه صلى الله عليه وآله مع أمير المؤمنين عليه السلام إلى صفين . . الخ .
2- 305. الإستيعاب : 4/1516 رقم 2648 .

كعب بن زهير

وقال كعب بن زهير(1) :

إنّ الرسول لنور(2) يستضاء به

مهند من سيوف اللَّه مسلول

في عصبة(3) من قريش قال قائلهم

ببطن مكة لمّا أسلموا زولوا

شمّ العرانين أبطال لبوسهم

من نسج داود في الهيجا سرابيل

مهلاً هداك الذي أعطاك نافلة

القرآن فيه مواعيظ(4) وتفصيل

لا تأخذني بأقوال الوشاة ولم

أذنب ولو كثرت فيّ الأقاويل

نبّئت أنّ رسول اللَّه أوعدني

والعفو عند رسول اللَّه مأمول(5)

قيس بن صرمة

وقال قيس(6) بن صرمة من بني النجار(7) :

ص: 144


1- 306. هو كعب بن زهير بن أبي سلمى المازني ، أبو المضرب ، شاعر ، من أهل نجد ، كان ممّن اشتهر في الجاهلية ، ولمّا ظهر الإسلام هجا النبي صلى الله عليه وآله ، وأقام يشبب بنساء المسلمين ، فهدر النبي صلى الله عليه وآله دمه ، فجاءه كعب مستأمناً ، وقد أسلم ، وأنشده لاميته المشهورة ، فعفا عنه النبي صلى الله عليه وآله ، وخلع عليه بردته ، توفي سنة 26 ه .
2- 307. في نسخة « النجف » : « لسيف » .
3- 308. في بعض النسخ : « فتية » .
4- 309. في نسخة « النجف » : « مواعيد » .
5- 310. المعجم الكبير : 19/178 ، السنن الكبرى للبيهقي : 10/244 .
6- 311. في بعض المصادر : « أبو قيس » .
7- 312. في الإصابة : 3/344 : قيل فيه : صرمة بن قيس ، وصرمة بن مالك ، وصرمة ر؛بن أنس ، وقيل فيه : قيس بن صرمة ، وأبو قيس بن صرمة ، وأبو قيس بن عمرو ، فيمكن أن يقال : إن كان اسمه صرمة بن قيس ، فمن قال فيه : قيس بن صرمة قلبه ، وإنّما اسمه صرمة ، وكنيته أبو قيس ، أو العكس ، وأمّا أبوه فاسمه قيس ، أو صرمه على ما تقرر من القلب ، وكنيته أبو أنس ، ومن قال فيه : أنس حذف أداة الكنية ، ومن قال فيه : بن مالك نسبه إلى جدّ له . . وفي الأعلام للزركلي : 3/203 : صرمة بن قيس بن مالك النجاري الأوسي ، أبو قيس ، شاعر جاهلي ، عمّر طويلاً ، وترهب ، وفارق الأوثان في الجاهلية ، وكان معظماً في قومه ، أدرك الإسلام في شيخوخته ، وأسلم عام الهجرة .

ثوى في قريش بضع عشرة حجّة

يذكّر من يلقى صديقاً مواتيا(1)

ويعرض في أهل المواسم نفسه

فلم ير من يؤوي ولم ير داعيا

فلمّا أتاها أظهر اللَّه دينه

فأصبح مسروراً بطيبة راضيا

والقى صديقاً واطمأنت به النوى

وكان له عوناً من اللَّه باديا

يقصّ لنا ما قال نوح لقومه

وما قال موسى إذ أجاب المناديا(2)

لبيد

ولم يقل لبيد بعد إسلامه إلّا كلمة :

زال(3) الشباب ولم أحفل به بالا

وأقبل الشيب بالإسلام إقبالا

الحمد للَّه إذ لم يأتني أجلي

حتى لبست من الإسلام سربالا(4)

ص: 145


1- 313. في نسخة « النجف » : « مواليا » .
2- 314. المعارف لابن قتيبة : 61 ، الإستيعاب : 1/32 .
3- 315. في بعض المصادر : « بان » .
4- 316. الإستيعاب : 3/1305 رقم 1267 .

ابن الزبعرى

[ وقال ] ابن الزبعرى(1) :

يا رسول المليك إنّ لساني

راتق ما فتقت إذ أنا بور

إذ أجاري الشيطان في سنن

الغيّ ومن مال ميله مثبور

شهد اللحم والعظام بربّي

ثم قلبي الشهيد أنت النذير(2)

يعتذر من الهجاء ، فأمر له النبي صلى الله عليه وآله بحلّة .

* * *

وله :

ولقد شهدت بأنّ دينك صادق

حقّاً وإنّك في العباد جسيم

واللَّه يشهد أنّ أحمد مصطفى

مستقبل في الصالحين كريم(3)

ص: 146


1- 317. في الكنى والألقاب : 1/293 : ابن الزبعرى بكسر الزاي وفتح الموحدة وسكون العين ، اسمه عبد اللَّه ، وهو أحد شعراء قريش ، كان يهجو المسلمين ، ويحرض عليهم كفار قريش في شعره ، وهو الذي يقول في غزوة أحد : يا غراب البين أسمعت فقل انما تندب شيئاً قد فعل الأبيات .. وهي التي تمثّل بها يزيد لما جي ء برأس الحسين عليه السلام والأسارى من أهل بيته، فوضع الرأس بين يديه، ودعا بقضيب خيزران، فجعل ينكت به ثنايا الحسين عليه السلام متمثلاً : ليت أشياخي ببدر شهدوا جزع الخزرج من وقع الأسل وكان أبو الزبعرى يهجو النبي صلى الله عليه وآله ، ويعظم القول فيه ، وقصته في الفرث والد مشهورة ، فهرب يوم فتح مكة ، ثم رجع إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، واعتذر فقبل صلى الله عليه وآله عذره ، فقال ابن الزبعرى في ذلك أبيات كثيرة يعتذر فيها . .
2- 318. تاريخ الطبري : 2/339 ، السيرة لابن هشام : 4/876 .
3- 319. السيرة لابن هشام : 4/876 .

وله أيضاً :

فالآن أخضع للنبي محمد

بيد مطاوعة وقلب تائب

ومحمد أوفى البرية ذمّة

وأعزّ مطلوب وأظفر طالب

هادي العباد إلى الرشاد وقائد

للمؤمنين بضوء نور ثاقب

إنّي رأيتك يا محمد عصمة

للعالمين من العذاب الواصب

أمية بن الصلت

[ وقال ] أمية بن الصلت(1) :

وأحمد أرسله ربّنا

فعاش الذي عاش لم يهتضم

وقد علموا أنّه خيرهم

وفي بيته ذي الندى والكرم

نبي الهدى طيّب صادق

رحيم رؤوف بوصل الرحم

عطاء من اللَّه أعطيته

وخصّ به اللَّه أهل الحرم

عباس بن مرداس

[ قال ] العباس بن مرداس(2) :

ص: 147


1- 320. هو أمية بن عبد اللَّه أبي الصلت بن أبي ربيعة بن عوف الثقفي ، شاعر جاهلي ، من أهل الطائف ، قدم دمشق قبل الإسلام ، وكان مطلعاً على الكتب القديمة ، أخباره كثيرة .
2- 321. هو العباس بن مرداس بن أبي عامر السلمي ، من مضر ، أبو الهيثم ، شاعر فارس ، أمّه الخنساء الشاعرة ، أدرك الجاهلية والإسلام ، وأسلم قبيل فتح مكة ، وكان من المؤلفة قلوبهم ، مات في خلافة عمر ، نحو سنة 18 ه . (الأعلام للزركلي ) .

رأيتك يا خير البرية كلّها

نشرت كتاباً جاء بالحقّ معلما

سننت لنا فيه الهدى بعد جورنا

عن الحقّ لمّا أصبح الحقّ مظلما

ونوّرت بالبرهان أمراً مدمساً

واطفأت بالبرهان جمراً تضرّما

أقمت سبيل الحقّ بعد اعوجاجها

ودانت قديماً وجهها قد تهدّما(1)

طفيل الغنوي

[ وقال ] طفيل الغنوي(2) :

فأبصرت الهدى وسمعت قولاً

كريماً ليس من سجع الأنام

فصدّقت الرسول وهان قوم

عليّ رموه بالبهت العظام

كعب بن نمط

[ وقال ] كعب بن نمط(3) :

ص: 148


1- 322. البداية والنهاية : 9/290 .
2- 323. هو طفيل بن عوف بن كعب ، من بني غني ، من قيس عيلان ، شاعر جاهلي ، وهو أوصف العرب للخيل ، عاصر النابغة الجعدي ، وزهير بن أبي سلمة ، ومات بعد مقتل هرم بن سنان نحو سنة 13 ه .
3- 324. في الاستيعاب : 3/1360 والإصابة : 5/558 وأسد الغابة : 4/294 : مالك بن نمط الهمداني ، ثم الخارفي ، وقيل : اليامي ، يكنى أبا ثور ، يقال له : « الخارفي » ، وهو الوافد ، ذو المشعار ، وفد على رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، وكتب له كتاباً فيه إقطاع ، ذكر حديثه أهل الغريب وأهل الأخبار بطوله لما فيه من الغريب ، ورواية أهل الحديث له مختصرة . . . الى قال : وذكروا له كلاماً كثيراً حسناً فصيحاً ، فكتب لهم رسول اللَّه صلى الله عليه وآله كتاباً ر؛ أقطعهم فيه ما سألوه ، فأمّر عليهم مالك بن نمط ، واستعمله على من أسلم من قومه ، وأمره بقتال ثقيف ، وكان لا يخرج لهم سرح إلّا أغار عليه . وكان مالك بن نمط شاعراً محسناً ، فقال : ذكرت رسول اللَّه في فحمة الدجى ونحن بأعلى رحرحان وصلدد وهن بنا خوص قلائص تعتلى بركبانها في لاحب متمدد على كلّ فتلاء الذراعين جعدة تمرّ بنا مرّ الهجف الخفيدد حلفت بربّ الراقصات إلى منى صوادر بالركبان من هضب قردد بأنّ رسول اللَّه فينا مصدق رسول أتى من عند ذي العرش مهتد لما حملت من ناقة فوق رحلها أشدّ على أعدائه من محمد وأعطى إذا ما طالب العرف جاءه وأمضى لحد المشرفى المهند ولم نعثر فيما توفر لدينا من مصادر على « كعب بن نمط » ، فلعله يكون هو مالك بن نمط أو بقرينة الشعر الذي ذكر له في المصادر المذكورة وغيرها ، واللَّه العالم .

وما حملت من ناقة فوق رحلها

أبرّ وأوفى ذمّة من محمد

ولا وضعت أنثى لأحمد مشبهاً

من الناس في التقوى ولا في التعبّد(1)

مالك بن عوف

[ وقال ] مالك بن عوف(2) :

ص: 149


1- 325. الإستيعاب : 3/1361 رقم 2300 .
2- 326. هو مالك بن عوف بن سعد بن يربوع النصري ، من هوازن ، من أهل الطائف ، كان رئيس المشركين يوم حنين ، ثم أسلم ، وكان من المؤلفة قلوبهم ، وكان شاعراً، مات نحو سنة 20 ه .

ما إن رأيت ولا سمعت بواحد

في الناس كلّهم شبيه محمد(1)

قيس بن بحر

[ وقال ] قيس بن بحر الأشجعي(2) :

رسولاً يضاهي البدر يتلوكتابه

ولمّا أتى بالحقّ لم يتلعثم

عبد اللَّه بن حرب

[ وقال ] عبد اللَّه بن حرب السهمي(3) :

فينا الرسول وفينا الحقّ نتبعه

حتى الممات ونصر غير مجذوذ(4)

أبو دهبل

[ وقال ] أبو دهبل الجمحي(5) :

ص: 150


1- 327. مكارم الأخلاق لابن أبي الدنيا : 123 رقم 409 .
2- 328. قال في أسد الغابة : 4/209 : قيس بن بحر بن طريف بن سحمة بن عبد اللَّه بن هلال الأشجعي له شعر في مدح النبي صلى الله عليه وآله .
3- 329. في السيرة لابن هشام : عبد اللَّه الحارث السهمي .
4- 330. السيرة لابن هشام : 2/544 .
5- 331. في أعيان الشيعة : 1/168 : أبو دهبل الجمحي ، وهب بن ربيعة ، ذكره ابن شهرآشوب في شعراء أهل البيت المتقين ، عاصر معاوية ، وبقي إلى زمان ابنه يزيد ، ورثى ر؛ الحسين عليه السلام ، وهجا بني أمية مع تحامي الناس رثاءه في عهد بني أمية بأبيات أوردها المرتضى في الأمالي ، أولها : تبيت النشاوى من أمية نوماً وبالطفّ قتلى ما ينام حميمها وفي الأعلام للزركلي : 8/125 : وهب بن زمعة بن أسد ، من أشراف بني جمح بن لؤي بن غالب ، من قريش ، أحد الشعراء العشاق المشهورين ، من أهل مكة ، قال المرتضى : هو من شعراء قريش ، وممّن جمع إلى الطبع التجويد ، له مدائح في معاوية وعبد اللَّه بن الزبير ، وأخبار كثيرة مع عمرة الجمحية وعاتكة بنت معاوية ، في شعره رقّة وجزالة ، وله ديوان شعر مطبوع من رواية الزبير بن بكار ، ولّاه عبد اللَّه الزبير بعض أعمال اليمن ، وتوفي بعليب ، وفي معجم البلدان : عليب : موضع بتهامة .

إنّ البيوت معادن فنجاره

ذهب وكلّ بيوته ضخم

عقم النساء فلا يلدن شبيهه

إنّ النساء بمثله عقم

متهلّل بنعم بلا متباعد

سيّان منه الوفر والعدم(1)

بحير بن أبي سلمى

[ وقال ] بجير(2) بن أبي سلمى(3) :

إلى اللَّه وجهي والرسول ومن يقم

إلى اللَّه يوماً وجهه لا يخيب(4)

ص: 151


1- 332. كتاب المنمق : 383 .
2- 333. في نسخة « النجف » : « بحير » .
3- 334. بجير بن زهير بن أبي سلمى ، أسلم قبل أخيه كعب ، شاعر مجيد ، وكان أبوه زهير من فحول الشعراء .
4- 335. السيرة لابن هشام : 2/325 ونسبه الى أبي أحمد بن جحش .

الأعشى

وأتى الأعشى مكّة .

فقالت قريش : إنّ محمداً صلى الله عليه وآله يحرّم الخمر والزنا ، فانصرف ، فسقط عن بعيره ومات(1) .

ويقال أنّه قال :

نبي يرى ما لا يرون وذكره

أغار لعمري في البلاد وأنجدا(2)

هجاته !!!

ومن هجاته :

ابن الزبعرى السهمي .

وهبيرة بن أبي وهب المخزومي .

وشافع بن عبد مناف الجمحي .

وعمرو بن العاص .

وأمية بن الصلت الثقفي(3) .

وأبو سفيان بن أبي الحرث ، ومن قوله :

ص: 152


1- 336. السيرة لابن هشام : 1/260 .
2- 337. السيرة لابن هشام : 1/260 .
3- 338. مجمع البيان : 7/359 .

فأصبحت قد راجعت حلمي وردّني

إلى اللَّه من طردت كلّ مطرد

أصدّ وأنأى جاهلاً عن محمد

وادعى وإن لم أنتسب من محمد

فضرب النبي صلى الله عليه وآله يده في صدره وقال : متى طردتني يا أبا سفيان(1) ؟

ص: 153


1- 339. المستدرك للحاكم : 3/44 ، الطبقات الكبرى : 4/51 .

فصل 27 : في أمواله ورقيقه صلى الله عليه وآله

اشاره

ص: 154

ص: 155

أفراسه

« الورد »

أهداه تميم الداري .

و« الطرب »

سمّي لبسوقه(1) وحسن صهيله ، ويقال هو « الطرف »(2) .

و« اللزاز »

وقد أهداه المقوقس سمّي بذلك لأنّه كان ملزّزاً(3) موثقاً .

و« اللحيف »

أهداه ربيعة بن أبي البراء ، وسمّي بذلك لأنّه كان كالمتلحف بعرفه(4) ، والصحيح أنّه « الورد » الذي أعطاه الداري ، وسمّاه النبي صلى الله عليه وآله « اللحيف » .

و« مرتجز »

وقد صحّفوه ، فقالوا : « المرتجز » ، وهو المشترى من الأعرابي الذي شهد فيه خزيمة .

ص: 156


1- 340. في نسخة « النجف » : « لتشوقه » .
2- 341. في نسخة « النجف » : « الظرب » .
3- 342. اللزز : الشدّة ، ولززه : أي شدّه وألصقه .
4- 343. العرف : شعر عنق الفرس .

و« السكب »

وكان أول فرس ركبه ، وأول ما غزا عليه في أحد ، وكان ابتاعه من رجل من فزارة ، ويقال : اسمه « بريدة الملاح » .

ومنها :

اليعسوب ، والسبحة ، وذو العقاب ، والملاوح ، وقيل : مراوح(1) .

بغاله

دلدل

أهدى إليه المقوقس « دلدل » ، وكانت شهباء ، فدفعها إلى علي عليه السلام ، ثم كانت للحسن عليه السلام ، ثم للحسين عليه السلام ، ثم كبرت وعميت ، وهي أول بغلة ركبت في الإسلام .

فضّة

وقال التاريخي : أهدى إليه فروة بن عمرو الجذامي بغلة يقال لها « فضّة »(2) .

حمره

يعفور

أهدى له المقوقس « يعفور » مع « دلدل » .

ص: 157


1- 344. الطبقات الكبرى : 1/489 .
2- 345. الطبقات الكبرى : 1/491 .

عفير

وأعطاه فروة الجذامي « عفير » مع « فضة » .

إبله

« العضباء » ، وكانت لا تسبق .

و« الجدعاء » .

و« القصواء » ، ويقال : « القضواء » ، وهي ناقة اشتراها النبي صلى الله عليه وآله من أبي بكر بأربعمائة درهم ، وهاجر عليها ، ثم نفقت عنده .

و« الصهباء » .

ومنها :

« البغوم » ، و« الغيم » ، و« النوق » ، و« مروة » .

لقائحه

وكان له عشر لقاح(1) يحلبها « يسار » كلّ ليلة قربتين عظيمتين يفرقها على نسائه .

منها :

« مهرة » أرسل بها سعد بن عبادة ، و« الشقرا » ، و« الريا » ابتاعهما بسوق النبط ، و« الحباء » ، و« السمرا » ، و« العريس » ، و« السعدية » ، و« البغوم » ، و« اليسيرة » ، و« بردة »(2) .

ص: 158


1- 346. اللقاح : جمع لقحة ، الناقة الحلوب الغزيرة اللبن .
2- 347. الطبقات الكبرى : 1/492 ، ذكر إبل رسول اللَّه صلى الله عليه وآله .

منائحه

وكانت منائح(1) رسول اللَّه صلى الله عليه وآله سبع أعنز يرعاهن ابن أم أيمن ، وهي :

« عجوة » ، و« زمزم » ، و« سقيا » ، و« بركة » ، و« ورسة » ، و« أطلال » ، و« أطراف(2) » .

وكانت له مائة من الغنم(3) .

حوائطه

وكان مخرنق أحد بني النضير حبراً عالماً أسلم وقاتل مع رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، وأوصى بماله لرسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، وهو سبع حوائط ، وهي :

« المينب » .

و« الصايفه » .

و« الحسيني(4) » .

و« يرقد » .

و« العواف » .

و« الكلاء » .

و« مشربة أم إبراهيم »(5) .

ص: 159


1- 348. المنائح : جمع المنحة ، وهي كلّ ذات لبن من الغنم وغيرها .
2- 349. في بعض النسخ : « أطراق » ، وفي بعضها : « أطواف » .
3- 350. الطبقات الكبرى : 1/496 ذكر منائح رسول اللَّه صلى الله عليه وآله .
4- 351. في نسخة « النجف » : « الحسنى » .
5- 352. الطبقات الكبرى : 1/502 .

صفاياه

وكان له صفايا ثلاثة : مال بني النضير ، وخيبر ، وفدك(1) .

فأعطى فدك والعوالي فاطمة عليها السلام ، وروي أنّه وقف عليها(2) .

وكان له من الغنيمة الخمس ، وصفي يصطفيه من المغنم ما شاء قبل القسمة ، وسهمه مع المسلمين كرجل منهم ، وكانت له الأنفال .

إرثه

وكان ورث من أبيه « أم أيمن » فأعتقها ، وورث خمسة أجمال أوارك(3) ، وقطيعة غنم ، وسيفاً ماثوى وزرقاً .

سيوفه

« ذو الفقار » .

و« المخذم »(4) .

و« الرسوب » ورثه من أبيه .

و« العضب » أعطاه سعد بن عبادة .

وأصاب من بني قينقاع : بتاراً ، وحتفاً ، وسيفاً قلعياً(5) .

ص: 160


1- 353. سنن أبي داود : 2/23 .
2- 354. شواهد التنزيل : 1/441 ، تفسير العياشي : 44 ، الإختصاص : 184 .
3- 355. هي الإبل التي إعتادت أكل الأراك .
4- 356. في نسخة « النجف » : « المنخذم » .
5- 357. الطبقات الكبرى : 1/485 ذكر سيوف النبي صلى الله عليه وآله .

رماحه

أصاب ثلاثاً من بني قينقاع(1) .

وكان له رمح يقال له « المستوفي »(2) .

وكان له عنزة يقال لها « المثنى » أنفذها النجاشي .

ويقال : إنّ النجاشي أعطى للزبير عنزة ، فلمّا جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله أعطاه إياها ، فكان بلال يحملها بين يديه يوم العيد ، ويخرج بها في أسفاره ، فتركز بين يديه يصلّي إليها(3) ، ويقولون : هي التي يحمل المؤذنون بين يدي الخلفاء .

دروعه

« ذات الفضول » أعطاها سعد بن عبادة .

و« الفضة » .

ودرعان أصابهما من بني قينقاع ، وهما « السعدية » و« ذات الوشاح »(4) .

ويقال : كانت عنده درع داود [ النبي عليه السلام ] "التي" لبسها لمّا قتل جالوت(5) .

ص: 161


1- 358. الطبقات الكبرى : 1/489 .
2- 359. إمتاع الأسماع : 7/152 ، وفيه : « المثوى » .
3- 360. الطبقات الكبرى : 1/249 .
4- 361. الطبقات الكبرى : 1/488 .
5- 362. إمتاع الأسماع : 7/149 .

قسيّه

« البيضاء » وكانت من شوحط .

و« الصفراء » من نبع .

و« الروحاء » ، أصاب هذه الثلاثة من بني قينقاع(1) .

و« الكرع » ويقال : « كرار » .

وكان له ترس يقال له « الزلوق »(2) .

وترس فيه تمثال رأس كبش أذهبه اللَّه(3) .

وكان له جعبة يقال له « الكافورة »(4) .

ودخل مكة وعلى رأسه مغفر يقال له « السبوع »(5) .

ص: 162


1- 363. الطبقات الكبرى : 1/485 .
2- 364. تاريخ اليعقوبي : 2/88 .
3- 365. الطبقات الكبرى : 1/489 .
4- 366. إمتاع الأسماع : 7/152 .
5- 367. إمتاع الأسماع : 7/153 .

رايته

« العقاب »(1) .

ولواؤه(2) أبيض(3) .

ص: 163


1- 368. الطبقات الكبرى : 1/455 ، المصنف لابن أبي شيبة : 7/721 .
2- 369. في نسخة « النجف » : « ولونه » .
3- 370. سنن الترمذي : 3/115 ، مسند أبي يعلى : 4/257 .

بعض ممتلكاته

وكان له قضيب يسمّى « الممشوق »(1) ، محجن ، ومخصرة تسمّى « العرجون »(2) .

ومنطقة من أديم منشور فيها ثلاث حلق من فضة ، والإبزيم(3) والطرف من فضّة(4) .

وكان له قدح مضبب بثلاث ضبات(5) فضّة(6) ، وتور(7) من حجارة يقال له « المخضب » ، وقدح من زجاج ، ومغتسل من صفر(8) ، وقطيفة ، وقصعة .

وخاتم فضّة نقشه « محمد رسول اللَّه » .

وأهدى له النجاشي خفّين أسودين ساذجين فلبسهما(9) .

ص: 164


1- 371. تاريخ اليعقوبي : 2/88 ، الخصال : 599 .
2- 372. عيون الأثر : 2/406 .
3- 373. الإِبْزيمُ حديدةٌ تكون في طرَف حزام السرْج يَسْرَج بها ، وقد تكون في طَرف المِنْطَقة ، ويقال للقُفْل أَيضاً : الإِبْزيم ، لأَن الإِبْزِيم هو إِفْعِيل من بزَم إذا عضَّ .
4- 374. إمتاع الأسماع : 7/158 .
5- 375. الضَّبَّةُ : حديدةٌ عَريضةٌ يُضَبَّبُ بها البابُ والخَشَبُ ، والجمع ضِبابٌ ؛ ويقال لها : الضَّبَّةُ ، لأَنّها عَريضَة كهيئة خَلْقِ الضَّبِّ ، والضبة بالفتح والتشديد من حديد أو صفر ونحوه يشعب بالإناء ، وجمعها ضبات ، كحبّة وحبات .
6- 376. المعجم الكبير : 20/55 ، وفيه : « قدح مضبب بنحاس » ، عيون الأثر : 2/406 .
7- 377. التور : هو إِناء من صُفْرٍ أَو حجارة كالإِجَّانَةِ ، وهو إِناء معروف تذكره العرب تشرب فيه ، وقد يتوضأُ منه .
8- 378. عيون الأثر : 2/406 .
9- 379. عيون الأثر : 2/407 ، الطبقات الكبرى : 1/482 .

وقالت عائشة : كان فراش النبي صلى الله عليه وآله الذي يرقد فيه من أدم حشوه ليف(1) ، وكانت ملحفته مصبوغة بورس أو زعفران(2) .

وكان يلبس يوم الجمعة برده الأحمر(3) ، ويعتم بالسحاب(4) .

ودخل مكة يوم الفتح عليه عمامة سوداء(5) .

وكانت له ربعة فيها مشط عاج ، ومكحلة ، ومقراض ، وسواك(6) .

أثوابه

ويقال : ترك يوم مات عشرة أثواب : ثوب حبرة ، وإزاراً عمانياً ، وثوبين صحاريين ، "وقميصاً صحارياً" ، وقميصاً سحولياً(7) ، وجبّة يمنية ، [ وخميصة (8)] ، وكساء أبيض ، وقلانس صغاراً لاطئة ثلاثاً أو أربعاً ، وإزاراً طوله ثلاثة أشبار(9) .

وتوفي في أزار غليظ من هذه اليمانية ، وكساء يدعى ب« الملبدة » .

ص: 165


1- 380. التاريخ الكبير للبخاري : 5/438 . 2. تاريخ بغداد : 13/320 .
2- 381.
3- 382. المصنف لابن أبي شيبة : 2/63 ، الطبقات الكبرى : 1/45 .
4- 383. عيون الأثر : 2/407 .
5- 384. مسند أحمد : 3/363 ، الطبقات الكبرى : 1/455 .
6- 385. الوافي بالوفيات : 1/92 ، الطبقات الكبرى : 1/484 .
7- 386. السحول : هو الثوب الأبيض النقي ، ولا يكون إلّا من القطن ، أو أنّه منسوب الى سحول قرية في اليمن .
8- 387. وهي ثوب خزّ أو صوف مربع معلم ، قيل : ولا تسمى خميصة إلّا أن تكون سوداء معلمة ، قال في النهاية : وكانت من لباس الناس قديماً ، وجمعها الخمائص .
9- 388. عيون الأثر : 2/407 ، إمتاع الأسماع : 7/9 .

سريره ومنبره

وكان له سرير أعطاه أسعد بن زرارة(1) .

وكان منبره ثلاثة مراقي من الطرفاء(2) استعملت امرأة لغلام لها(3) نجار اسمه « ميمون »(4) .

وكان مسجده بلا منارة ، وكان بلال يؤذن على الأرض .

شعار أصحابه

وكان شعار أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : « يا منصور أمت » .

وقال لمزينة : ما شعاركم ؟ قالوا : « حرام » ، قال : شعاركم « حلال » .

وكان شعار المهاجرين يوم أحد : « يا بني عبد اللَّه » .

والخزرج : « يا بني عبد الرحمن » .

والأوس : « يا بني عبد اللَّه »(5) .

ص: 166


1- 389. عيون الأثر : 2/407 .
2- 390. الطرَفةُ شجرة ، وهي الطَّرَفُ ، والطرفاء جماعةُ الطرَفةِ : شجرٌ ، وبها سمّي طَرَفَةُ بن العَبْد ، والطرْفاء من العضاه ، وهُدْبُه مثل هدب الأَثْلِ ، وليس له خشب ، وإنّما يُخرج عِصِيّاً سَمْحة في السماء ، وقد تتحمض بها الإِبل إذا لم تجد حَمْضاً غيره .
3- 391. إنّ إمرأة من المهاجرين كان لها عبد نجار فأرسل لها النبي صلى الله عليه وآله أن تصنع له منبراً ، فأمرت عبدها فاتخذ له خشباً من الطرفاء فصنعه . انظر : ( المعجم الكبير للطبراني ) .
4- 392. المعجم الكبير : 6/145 .
5- 393. الكافي : 5/47 .

مواليه

سلمان الفارسي .

وزيد بن حارثة وابنه أسامة .

وأبو رافع أسلم ، ويقال : اسمه « بندويه العجمي » ، وهبه العباس وأعتقه النبي صلى الله عليه وآله لما بشّر بإسلام العباس ، وزوّجه سلمى ، فولد له عبيد اللَّه كاتب أمير المؤمنين .

وبلال الحبشي .

وصهيب الرومي .

وسفينة اسمه « مفلح الأسود » ، ويقال : « رومان البلخي » ، وكان لاُم سلمة ، فأعتقته واشترطت عليه خدمة النبي صلى الله عليه وآله .

وثوبان الحميري اشتراه النبي صلى الله عليه وآله وأعتقته ، وبقى في خدمته وخدمة أولاده إلى أيام معاوية .

ويسار النوبي أسر في غزوة بني ثعلبة فأعتقه ، وهو الذي قتله العرنيون .

وشقران ، واسمه « صالح بن عدي الحبشي » ورثه عن أبيه ، ويقال : هو من أولاد دهاقين الري .

ومدعم الخثعمي ، وهو هدية فروة بنت عمرو الجذامي .

وأبو مويهبة من مولدي مزينة ، أعتقه النبي صلى الله عليه وآله .

وأبو كبشة ، واسمه « السليم » من مولدي أرض دوس أو مكة ، فاشتراه وأعتقه ، مات في أول يوم من جلوس عمر .

ص: 167

وأبو بكرة هشام ، واسمه « نقيع » تدلّى من الحصن على بكرة ، ونزل من حصن الطائف إلى النبي صلى الله عليه وآله فانعتق .

وأبو أيمن ، واسمه « رباح » ، وكان أسود ، وكان يستأذن على النبي صلى الله عليه وآله ، ثم صيّره مكان يسار حين قتل .

وأبو لبابة القرظي ، اشتراه النبي صلى الله عليه وآله فأعتقه .

وفضالة ، وهبه رفاعة بن زيد الجذامي ، وقتل بوادي القرى .

وانبسة بن كردي من العجم ، قتل في بدر ، وقيل : توفي في أيام أبي بكر .

وكركرة ، أهدي له فأعتقه ، ويقال : مات وهو مملوك .

وأبو ضمرة، كان ممّا أفاء اللَّه عليه من العرب، وهو أبو ضميرة، ويقال: اشترته أم سلمة للنبي صلى الله عليه وآله فأعتقه ، ويقال : هو « روح بن شيرزاد » من ولد كشتاسب الملك ، وبنيه من مولدي السراة .

وأسلم الأصفر الرومي .

وأنجشة الحبشي .

وماهر ، كان المقوقس أهداه إليه .

وأبو ثابت ، وأبو نيزر ، وأبو سلمى ، وأبو عسيب ، وأبو رافع الأصفر ، وأبو لقيط ، وأبو البشر ، ومهران ، وعبيد ، وأفلح ، ورفيع ، ويسار الأكبر(1) .

ص: 168


1- 394. أنساب الأشراف : 2/107 وما بعدها .

إماؤه

حارثة بنت شمعون ، أهداها له ملك الحبشة .

وسلمى .

ورضوى .

وأم أيمن اسمها « بركة » .

وأسلمة .

وانسة .

ومويهبة(1) ، وقيل : هما من مواليه .

وكان له خصي يقال له « مابورا »(2) .

ص: 169


1- 395. في « المخطوطة » : « أبو مويهبة » .
2- 396. تاريخ دمشق : 4/302 ، البداية والنهاية : 5/346 .

ص: 170

فصل 28 : في أحواله وتواريخه صلى الله عليه وآله

اشاره

ص: 171

ص: 172

حمله صلى الله عليه وآله

حملت به أمّه في أيام التشريق عند جمرة العقبة الوسطى(1) في منزل عبد اللَّه بن عبد المطلب(2) .

تاريخ ولادته

ولد بمكة عند طلوع الفجر من يوم الجمعة السابع عشر من شهر ربيع الأول بعد خمس وخمسين يوماً من هلاك أصحاب الفيل(3) .

وقالت العامّة : يوم الإثنين الثامن أو العاشر منه لسبع بقين من ملك أنوشيروان(4) .

ويقال : في ملك هرمز لثمان سنين وثمانية أشهر مضت من ملك عمرو بن هند ملك العرب .

ووافق شهر الروم العشرين من شباط في السنة الثانية من ملك هرمز بن أنوشيروان .

ص: 173


1- 397. الإستيعاب : 1/30 .
2- 398. الكافي : 1/439 .
3- 399. روضة الواعظين : 70 ، تاريخ المواليد للطبرسي : 5 .
4- 400. الدر النظيم : 58 .

وذكر الطبري : أنّ مولده كان لإثنتين وأربعين سنة من ملك أنوشيروان(1) ، وهو الصحيح ، لقوله صلى الله عليه وآله : ولدت في زمن الملك العادل أنوشيروان(2) .

مكان ولادته

قال الكليني : في شعب أبي طالب في دار محمد بن يوسف في الزاوية القصوى عن يسارك وأنت داخل الدار(3) .

وقال الطبري : في بيت من الدار التي تعرف اليوم بدار [ محمد بن ] يوسف ، وهو أخو الحجاج بن يوسف ، وكان قد اشتراها من عقيل وأدخل ذلك البيت في الدار حتى أخرجته خيزران ، واتخذته مسجداً يصلّي [ فيه الناس (4)] .

الزهرة عن أبي عبد اللَّه الطرابلسي : البيت الذي ولد فيه رسول اللَّه صلى الله عليه وآله في دار محمد بن يوسف .

وفاة أبيه

وتوفي أبوه ، وهو ابن شهرين(5) .

ص: 174


1- 401. تاريخ الطبري : 1/571 .
2- 402. يتيمة الدهر للثعالبي : 4/504 .
3- 403. الكافي : 1/439 .
4- 404. تاريخ الطبري : 1/571 .
5- 405. الكافي : 1/439 ، الإستيعاب : 1/34 .

الواقدي : وهو ابن سبعة أشهر(1) .

الطبري : توفي أبوه بالمدينة ، ودفن في دار النابغة(2) .

ابن إسحاق : توفي أبوه وأمّه حامل به(3) .

وفاة أمّه

وماتت أمّه وهو ابن أربع سنين(4) .

الكلبي : وهو ابن ثمانية وعشرين شهراً(5) .

محمد بن إسحاق : توفيت أمّه بالأبواء منصرفة إلى مكة وهو ابن ست .

كافله

ورباه عبد المطلب ، وتوفي عنه وهو ابن ثمانية سنين وشهران وعشرة أيام ، فأوصى به إلى أبي طالب فربّاه(6) .

رضاعه صلى الله عليه وآله

كتاب العروس وتاريخ الطبري : أنّه أرضعته ثويبة مولاة أبي لهب

ص: 175


1- 406. دلائل النبوة للبيهقي : 1/187 ، إعلام الورى : 52 .
2- 407. تاريخ الطبري : 1/579 .
3- 408. الإستيعاب : 1/34 .
4- 409. الكافي : 1/439 .
5- 410. السيرة لابن إسحاق : 22 .
6- 411. الإستيعاب : 1/34 .

بلبن ابنها مسروح أياماً(1) ، فتوفّيت مسلمة سنة سبع من الهجرة ، ومات ابنها قبلها .

ثم أرضعته حليمة السعدية ، فلبثت فيهم خمس سنين ، وكانت أرضعت قبله الحمزة ، وبعده أبا سلمة المخزومي(2) .

خروجه في التجارة

وخرج مع أبي طالب في تجارته ، وهو ابن تسع سنين(3) ، ويقال : ابن إثنتي عشرة سنة(4) .

وخرج إلى الشام في تجارته لخديجة عليها السلام ، وله خمس وعشرون سنة ، وتزوّج بها بعد أشهر(5) .

زواجه صلى الله عليه وآله

قال محمد بن يعقوب الكليني : تزوّج خديجة وهو ابن بضع وعشرين سنة(6) ، ولبث بها أربع وعشرين سنة وأشهراً .

ص: 176


1- 412. يمكن المناقشة في خبر إرضاع ثويبة للنبي صلى الله عليه وآله لارتباك النصوص وتناقضها من جهة ولأنّ الروايات نصّت أنّها أرضعت معه صلى الله عليه وآله من يكبره بسنين . راجع للمزيد : الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله للعاملي : 2/151 .
2- 413. الإستيعاب : 1/29 ، تاريخ الطبري : 1/573 .
3- 414. تاريخ الطبري : 2/33 .
4- 415. الطبقات الكبرى : 1/153 .
5- 416. الطبقات الكبرى : 1/129 و132 .
6- 417. الكافي : 1/439 .

بناء الكعبة ورضا قريش بحكمه

وبنيت الكعبة ورضيت قريش بحكمه فيها ، وهو ابن خمس وثلاثين سنة(1) .

بعثته صلى الله عليه وآله

ابن عباس وأنس : أوحى اللَّه إليه يوم الإثنين السابع والعشرين من رجب ، وله أربعون سنة(2) .

ابن مسعود : أحد وأربعون سنة(3) .

ابن المسيب وابن عباس : ثلاث وأربعون سنة(4) .

وكان لإحدى عشرة خلون من ربيع الأول ، وقيل : لعشر خلون من ربيع الأول .

وقيل : بعث في شهر رمضان لقوله : « شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ » أي ابتدأ إنزاله للسابع عشر أو الثامن عشر عن ابن عباس ، والرابع والعشرين(5) عن أبي الجليد .

ص: 177


1- 418. المعارف لابن قتيبة : 150 .
2- 419. التهذيب للطوسي : 6/2 ، إعلام الورى : 46 .
3- 420. الدر النظيم : 92 .
4- 421. إمتاع الأسماع : 1/29 .
5- 422. تاريخ الطبري : 2/44 ، السيرة لابن هشام : 1/256 ، تاريخ اليعقوبي : 2/22 .

ابتداء دعوته

قام صلى الله عليه وآله يدعو الناس ، وقام أبو طالب عليه السلام بنصرته ، فأسلم : خديجة عليها السلام وعلي عليه السلام وزيد .

إسراؤه

وأسري به بعد النبوة بسنتين ، وقالوا : بسنة وستة أشهر بعد رجوعه من الطائف(1) .

وفاة أبي طالب وخديجة وإعلان دعوته

الحلبي عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال : اكتتم رسول اللَّه صلى الله عليه وآله بمكة مستخفياً خائفاً خمس سنين ، ليس يظهر ، وعلي عليه السلام معه وخديجة ، ثم أمره اللَّه أن يصدع بما يؤمر ، فظهروا وظهر أمره(2) .

وتوفي أبو طالب عليه السلام بعد نبوته بتسع سنين وثمانية أشهر ، وذلك بعد خروجه من الشعب بشهرين .

وزعم الواقدي : أنّهم خرجوا من الشعب قبل الهجرة بثلاث سنين .

وفي هذه السنة توفي أبو طالب عليه السلام ، وتوفيت خديجة عليها السلام بعد بستة أشهر ، وله ست وأربعون سنة وثمانية أشهر وأربعة وعشرون يوماً .

ص: 178


1- 423. الدر النظيم : 98 .
2- 424. الغيبة للطوسي : 333 ، كمال الدين : 344 ح 28 .

ويقال : وهو ابن سبع وأربعين سنة وستة أشهر وأياماً(1) .

أبو عبد اللَّه منده في كتاب المعرفة : إنّ وفاة خديجة عليها السلام بعد موت أبي طالب عليه السلام بثلاثة أيام(2) .

المعرفة عن الفسوي : توفيت خديجة عليها السلام بمكة قبل الهجرة من قبل أن تفرض الصلاة على الموتى(3) .

وسمّي هذا العام عام الحزن(4) .

الهجرة الى الحبشة

ولبث بعدها بمكة ثلاثة أشهر ، فأمر أصحابه بالهجرة إلى الحبشة ، فخرج جماعة من أصحابه بأهاليهم ، وذلك بعد خمس من نبوته .

حصار الشعب وكتابة الصحيفة

وكان حصار الشعب ، وكتابة الصحيفة أربع سنين ، وقيل : ثلاث سنين ، وقيل : سنتين .

خروجه الى الطائف

فلمّا توفي أبو طالب عليه السلام خرج إلى الطائف ، وأقام فيه شهراً ، وكان معه

ص: 179


1- 425. الدر النظيم : 111 .
2- 426. الإستيعاب : 4/1825 .
3- 427. الذرية الطاهرة للدولابي : 64 .
4- 428. إعلام الورى : 53 .

زيد بن الحارث ، ثم انصرف إلى مكة ، ومكث فيها سنة وستة أشهر في جوار مطعم بن عدي .

بيعة العقبة الأولى

وكان يدعو القبائل في المواسم ، فكانت بيعة العقبة الأولى بمنى ، فبايعه خمسة نفر من الخزرج ، وواحد من الأوس في خفية من قومهم بيعة النساء ، وهم :

جابر بن عبد اللَّه ، وفطنة بن عامر بن حزام ، وعوف بن الحارث ، وحارثة بن ثعلبة ، ومرثد بن الأسد ، وأبو أمامة ثعلبة بن عمرو ، ويقال : هو أسعد بن زرارة .

فلمّا انصرفوا إلى المدينة ، وذكروا القصّة ، وقرأوا القرآن صدّقوه .

بيعة العقبة الثانية

وفي السنة القابلة ، وهي العقبة الثانية أنفذوا معهم ستة آخرين بالسلام والبيعة ، وهم :

أبو الهيثم بن التيهان ، وعبادة بن الصامت ، وذكوان بن عبد اللَّه ، ونافع بن مالك بن العجلان ، وعباس بن عبادة بن نضلة ، ويزيد بن ثعلبة ، حليف له ، ويقال : مسعود بن الحارث ، وعويم بن ساعدة ، حليف لهم .

ص: 180

ثم أنفذ النبي صلى الله عليه وآله معهم "ابن عمّه" مصعب بن هاشم ، فنزل دار أسعد بن زرارة ، فاجتمعوا عليه ، وأسلم أكثرهم إلّا دار أمية بن زيد وحطمة ووائل وواقف ، فإنّهم أسلموا بعد بدر وأحد والخندق .

بيعة الحارث

وفي السنة القابلة كانت بيعة الحارث ، كانوا من الأوس والخزرج سبعين رجلاً وامرأتين ، واختار صلى الله عليه وآله منهم إثني عشر نقيباً ليكونوا كفلاء قومه ، تسعة من الخزرج ، وثلاثة من الأوس .

فمن الخزرج : أسعد ، وجابر ، والبراء بن معرور ، وعبد اللَّه بن حزام ، وسعد بن عبادة ، والمنذر بن قمر ، وعبد اللَّه بن رواحة ، وسعد بن الربيع .

ومن القوافل : عبادة بن الصامت .

ومن الأوس : أبو هيثم ، وأسيد بن خضير ، وسعيد بن خيثمة(1) .

رسله والوفود

وبعث رسله إلى الآفاق في سنة عشر ، وبين فتح مكة ووفاته كانت الوفود ، منهم :

ص: 181


1- 429. إيمان أبي طالب للفخار : 259 ، الخصال : 491 ، مسند أحمد : 3/462 ، الدرر لابن عبد البر : 71 ، تفسير القمي : 1/273 ، أنساب الأشراف : 1/225 وما بعدها ، الدر النظيم : 111 .

بنو سليم ، وفيهم العباس بن مرداس .

وبنو نهم ، وفيهم عطارد بن حاجب بن زرارة .

وبنو عامر بن الطفيل ، وأربد بن قيس .

وبنو سعد بن بكر ، وفيهم صام بن ثعلبة ، وعبد القيس ، والجارود بن عمرو .

وبنو حنيفة ، وفيهم مسيلمة الكذاب .

وطي ، وفيهم زيد الخيل ، وعدي بن حاتم .

وزبيد ، وفيهم عمرو بن معدي كرب .

وكندة ، وفيهم الأشعث بن قيس .

ونجران ، وفيهم السيد ، والعاقب ، وأبو الحارث .

والأزد .

وبعثت حمير إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله بإسلامهم .

وبعث فروة الجذامي رسولاً باسمه .

وبنو الحارث بن كعب ، وفيهم قيس بن الحصين ، ويزيد بن عبد المدان .

وثقيف ، وسيدهم عبد نائل .

وبنو أسد ، وأسلم(1) .

ص: 182


1- 430. تاريخ الطبري : 3/130 وما بعدها .

هجرته الى المدينة

وهاجر إلى المدينة ، وأمر أصحابه بالهجرة ، وهو ابن ثلاث وخمسين سنة ، وكانت هجرته يوم الإثنين(1) .

وصار ثلاثة أيام في الغار ليخيب من قصد إليه(2) ، وروي : ستة أيام .

ودخل المدينة يوم الإثنين ، الثاني عشر من ربيع الأول ، وقيل : الحادي عشر .

وهي السنة الأولى من الهجرة ، فردّ التاريخ إلى المحرم(3) .

وكان نزل بقبا في دار كلثوم بن الهدم ، ثم بدار خيثمة الأوسي ثلاثة أيام ، ويقال : إثنا عشر يوماً إلى بلوغ علي عليه السلام وأهل البيت .

أول مسجد وأول صلاة في المدينة

وكان أهل المدينة يستقبلون كلّ يوم إلى قبا وينصرفون ، فأسّس بقبا مسجدهم ، وخرج يوم الجمعة ، ونزل المدينة وصلّى في المسجد الذي ببطن الوادي(4) .

قال الفسوي في تاريخه : أول صلاة صلّاها في المدينة صلاة العصر .

ص: 183


1- 431. السيرة لابن هشام : 2/427 .
2- 432. الأمالي للطوسي : 468 ، الدرر لابن عبد البر : 81 .
3- 433. شرح الأخبار للقاضي النعمان : 1/261 .
4- 434. الدر النظيم : 117 .

أحداث سنوات الهجرة

ثم نزل على أبي أيوب ، فلمّا أتى لهجرته شهر وأيام تمّت صلاة المقيم .

وبعد ثمانية أشهر آخى بين المؤمنين .

وفيها شرع الأذان .

تزويج فاطمة وعلي عليهما السلام

فلمّا أتى لهجرته سنة وشهران وإثنان وعشرون يوماً زوّج علياً عليه السلام من فاطمة عليها السلام ، وروي : إنّها كانت بعد سنة من مقدمه إليها(1) .

مدّة نزول القرآن

قال الحسن : نزل القرآن في ثمانية عشر سنة بمكة ثماني سنين(2) ، وبالمدينة عشر سنين .

وقال الشعبي : في عشرين سنة(3) .

ص: 184


1- 435. الدر النظيم : 118 .
2- 436. أسباب النزول للواحدي : 3 .
3- 437. أسباب النزول للواحدي : 3 ، الكافي : 2/628 عن الصادق عليه السلام ، المستدرك للحاكم : 2/368 ، جامع البيان للطبري : 15/222 ، تفسير الثعلبي : 6/140 .

تحويل القبلة

سئل الصادق عليه السلام : متى حوّلت القبلة ؟

قال : بعد رجوعه من بدر(1) .

قال أنس : وهم ركوع في صلاة الصبح فاستداروا(2) .

البخاري والواحدي : إنّ النبي صلى الله عليه وآله صلّى عند قدومه المدينة ستة عشر شهراً نحو بيت المقدس(3) .

حجّه وعمرته

البخاري : حجّ النبي صلى الله عليه وآله قبل النبوة وبعدها لا نعرف عددها ، ولم يحجّ بعد الهجرة إلّا حجّة الوداع(4) .

وعن جابر الأنصاري : إنّه حجّ ثلاثة حجج ، حجّتين قبل الهجرة ، وحجّة الوداع(5) .

العلاء بن رزين ، وعمرو بن يزيد عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال : حجّ رسول اللَّه عشرين حجّة(6) .

ص: 185


1- 438. التهذيب للطوسي : 2/43 ح 3 .
2- 439. مسلم : 2/66 .
3- 440. البخاري : 1/104 ، أسباب النزول للواحدي : 3 .
4- 441. المستدرك للحاكم : 3/55 .
5- 442. سنن الترمذي : 2/155 رقم 812 ، تاريخ الطبري : 2/409 .
6- 443. السنن الكبرى للبيهقي : 4/342 ، الكافي : 4/251 .

الطبري عن ابن عباس : اعتمر النبي صلى الله عليه وآله أربع عمر : الحديبية ، والقضا ، والجعرانة ، والتي مع حجّته(1) .

معاوية بن عمار عن الصادق عليه السلام : اعتمر رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ثلاث عمر متفرقات ، ثم ذكر الحديبية والقضاء والجعرانة(2) .

وأقام بالمدينة عشر سنين(3) .

حجّة الوداع ويوم الغدير

ثم حجّ حجّة الوداع ، ونصب علياً عليه السلام إماماً يوم غدير خم(4) .

نفّذوا جيش أسامة

فلمّا دخل المدينة بعث أسامة بن زيد ، وأمره أن يقصد حيث قتل أبوه ، وجعل في جيشه وتحت رايته أبا بكر وعمر وأبا عبيدة ، وعسكر أسامة بالجرف .

فاشتكى شكواه التي توفي فيها ، فكان يقول في مرضه : نفّذوا جيش أسامة ، ويكرر ذلك(5) .

ص: 186


1- 444. تاريخ الطبري : 2/410 .
2- 445. الكافي : 4/251 ح 10 .
3- 446. الهداية الكبرى : 38 ، مسند أحمد : 1/279 .
4- 447. الإستذكار لابن عبد البر : 239 ، سيأتي تخريجه .
5- 448. إعلام الورى : 264 ، شرح الأخبار للقاضي النعمان : 1/320 ، المسترشد ر؛ للطبري : 113 ، الطبقات الكبرى : 4/67 ، أنساب الأشراف : 1/384 ، البدء والتاريخ : 5/59 ، تاريخ خليفة : 50 ، تاريخ اليعقوبي : 2/113 .

وفاته وتجهيزه ودفنه صلى الله عليه وآله

فلمّا دخل سنة إحدى عشر أقام بالمدينة المحرّم ، ومرض أياماً ، وتوفي في الثاني من صفر(1) ، يوم الإثنين(2) .

ويقال : يوم الجمعة ، لثنتي عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأول .

وكان بين قدومه المدينة ووفاته عشر سنين(3) ، وقبض قبل أن تغيب الشمس ، وهو ابن ثلاث وستين سنة .

فغسله علي عليه السلام بثوبيه بوصيّة منه ، وفي رواية : ونودي(4) بذلك .

وبقي غير مدفون ثلاثة أيام يصلّي عليه الناس .

وحفر له لحداً أبو طلحة زيد بن سهل الأنصاري ، ودفنه علي عليه السلام ، وعاونه العباس والفضل وأسامة .

فنادت الأنصار : يا علي ! نذكّرك اللَّه وحقّنا اليوم من رسول اللَّه صلى الله عليه وآله أن يذهب ! أدخل منّا رجلاً فيه ، فقال : ليدخل أوس بن خولي ، فلمّا دلّاه في حفرته قال له : اخرج ، وربّع قبره(5) .

ص: 187


1- 449. في المصادر : « لليلتين بقيتا من صفر » .
2- 450. التهذيب للطوسي : 6/2 ، روضة الواعظين : 71 .
3- 451. الكافي : 1/439 .
4- 452. في نسخة « النجف » : « ويؤدى » .
5- 453. السنن الكبرى للبيهقي : 4/262 ، كتاب الوفاة للنسائي : 63 ، الطبقات الكبرى : 2/294 وما بعدها ، الإرشاد للمفيد : 1/188 ، إعلام الورى : 1/270 .

ص: 188

فصل 29 : في معراجه صلى الله عليه وآله

اشاره

ص: 189

ص: 190

المقدّمة

الحمد للَّه العلي الأعلى ، الوفي الأوفى ، الولي الأولى ، ربّ الآخرة والأولى ، خالق السماوات العلى ، ومبدع الأرضين السفلى ، له الآخرة والأولى ، « الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى » .

بعث محمداً صلى الله عليه وآله ، ذي النعمة العظمى ، والمحبّة(1) الكبرى ، الهادي إلى الطريقة المثلى ، الداعي إلى الخليقة الحسنى ، وجعله خير الخلق ما بين الثريا والثرى ، ورفعه إلى السماء من أم القرى ، بقوله : «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَْقْصَى » .

اختلاف الناس في المعراج

اختلف الناس في المعراج :

فالخوارج ينكرونه .

ص: 191


1- 454. في المخطوطة : « المحنة » .

وقالت الجهمية : عرج بروحه دون جسمه على طريق الرؤيا .

وقالت الإمامية والزيدية والمعتزلة : بل عرج بروحه وبجسمه إلى بيت المقدس ، لقوله تعالى : « إِلَى الْمَسْجِدِ الأَْقْصَى » .

وقال آخرون : بل عرج بروحه وجسمه إلى السماوات ، روي ذلك عن ابن عباس ، وابن مسعود ، وحذيفة ، وأنس ، وعائشة ، وأم هاني .

ونحن لا ننكر ذلك إذا قامت الدلالة ، وقد جعل اللَّه معراج موسى عليه السلام إلى الطور « وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ » .

ولإبراهيم عليه السلام إلى السماء الدنيا « وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ » .

ولعيسى عليه السلام إلى الرابعة « بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ » .

ولإدريس عليه السلام إلى الجنة « وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا » .

ولمحمد صلى الله عليه وآله « فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى » ، وذلك لعلو همّته ، فلذلك يقال : المرء يطير بهمّته .

فتعجب اللَّه !! من عروجه «سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى » ، وأقسم بنزوله «وَالنَّجْمِ إِذا هَوى » ، فيكون عروجه ونزوله بين تأكيدين(1) .

الإسراء

السدي والواقدي: الإسراء قبل الهجرة بستة أشهر بمكّة، في السابع عشر من شهر رمضان ليلة السبت بعد العتمة من دار أم هاني بنت أبي طالب .

ص: 192


1- 455. الحكايات للمفيد : 69 .

وقيل : من بيت خديجة عليها السلام .

وروي : من شعب أبي طالب عليه السلام .

الحسن وقتادة : كان من نفس المسجد .

ابن عباس : هي ليلة الإثنين في شهر ربيع الأول بعد النبوة بسنتين ، فالأول معراج العجائب ، والثاني معراج الكرامة(1) .

حديث المعراج

ابن عباس في خبر : إنّ جبرئيل عليه السلام أتى النبي صلى الله عليه وآله وقال : إنّ ربّي بعثني إليك ، وأمرني أن آتيه بك ، فقم فإنّ اللَّه يكرمك كرامة لم يكرم بها أحد قبلك ولا بعدك ، فأبشر وطب نفساً ، فقام وصلّى ركعتين ، فإذا هو بميكائيل وإسرافيل ، ومع كلّ واحد منهما سبعون ألف ملك ، فسلّم عليهم ، فبشّروه .

صفة البراق

فإذا معهم دابة فوق الحمار ودون البغل ، خدّه كخدّ الإنسان ، وقوائمه كقوائم البعير ، وعرفه كعرف الفرس ، وذنبه كذنب البقر ، رجلاها أطول من يديها ، ولها جناحان من فخذيه ، خطوتها مدّ البصر ، وإذا عليها الجام من ياقوتة حمراء .

ص: 193


1- 456. تفسير مجمع البيان : 6/217 ، تفسير الثعلبي : 6/55 ، الدر النظيم : 103 .

فلمّا أراد أن يركب امتنعت ، فقال جبرئيل عليه السلام : إنّه محمد صلى الله عليه وآله ، فتواضعت حتى لصقت بالأرض ، فأخذ جبرئيل بلجامها ، وميكائيل بركابها ، فركب .

فلمّا(1) هبطت ارتفعت يداها ، وإذا صعدت ارتفعت رجلاها ، فنفرت العير من دفيف البراق ، ينادي رجل في آخر العير : أن يا فلان إنّ الإبل قد نفرت ، وإنّ فلانة ألقت حملها ، وانكسرت يدها .

فلمّا كان ببطن البلقاء ، عطش فإذا لهم ماء في آنية فشرب منه ، والقى الباقي .

في الطريق

فبينا هو في مسيره إذ نودي عن يمين الطريق : يا محمد ، على رسلك ، ثم نودي عن يساره : على رسلك ، فإذا هو بامرأة استقبلته وعليها من الحسن والجمال ما لم ير لأحد ، وقالت : قف مكانك حتى أخبرك .

ففسّر له إبراهيم الخليل عليه السلام لما رآه جميع ذلك ، فقال : منادي اليمين داعية اليهود ، فلو أجبته لتهوّدت أمّتك ، ومنادي اليسار داعية النصارى ، فلو أجبته لتنصّرت أمّتك ، والمرأة المتزيّنة هي الدنيا تمثّلت لك ، لو أجبتها لاختارت أمّتك الدنيا على الآخرة !!

ص: 194


1- 457. في نسخة « النجف » : « إذا » .

فجاء جبرئيل عليه السلام إلى بيت المقدس ، فرفعها فأخرج من تحتها ثلاثة أقداح : قدحاً من لبن ، وقدحاً من عسل ، وقدحاً من خمر ، فناوله من قدح اللبن فشرب ، فناوله قدح العسل فشرب ، ثم ناوله قدح الخمر فقال : قد رويت يا جبرئيل ، فقال : أما إنّك لو شربته ضلّت أمّتك(1) !! .

ابن عباس في خبر : وهبط مع جبرئيل عليه السلام ملك لم يطأ الأرض قطّ مع مفاتيح خزائن الأرض ، فقال : يا محمد ، إنّ ربّك يقرئك السلام ويقول : هذه مفاتيح الأرض ، فإن شئت فكن نبياً عبداً ، وإن شئت فكن نبياً ملكاً ، فقال : بل أكون نبياً عبداً ، فإذا سُلّم من ذهب ، قوائمه من فضّة ، مركب باللؤلؤ والياقوت ، يتلألأ نوراً ، وأسفله على صخرة بيت المقدس ، ورأسه في السماء ، فقال له : اصعد يا محمد .

ما رآه في السماء

فلمّا صعد إلى السماء رأى شيخاً قاعداً تحت شجرة ، وحوله أطفال ، فقال جبرئيل عليه السلام : هذا أبوك آدم عليه السلام إذا رأى من يدخل الجنة من ذرّيته ضحك وفرح ، وإذا رأى من يدخل النار من ذرّيته حزن وبكى .

ورأى ملكاً باسر الوجه ، وبيده لوح مكتوب بخطّ من النور ، وخط من الظلمة ، فقال : هذا ملك الموت .

ص: 195


1- 458. مجمع البيان : 6/216 ، تفسير الثعلبي : 6/56 ، الأمالي للصدوق : 535 ، روضة الواعظين : 57 ، تفسير القمي : 2/4 .

ثم رأى ملكاً قاعداً على كرسي ، فلم ير منه من البشر ما رأى من الملائكة ، فقال جبرئيل عليه السلام : هذا مالك خازن النار ، كان طلقاً بشراً ، فلمّا اطلع على النار لم يضحك بعد ، فسأله أن يعرض عليه النار ، فرأى فيها ما رأى .

ثم دخل الجنة ، ورأى ما فيها ، وسمع صوتاً : آمنّا برب العالمين ، قال : هؤلاء سحرة فرعون ، وسمع : لبيك اللّهم لبيك ، قال : هؤلاء الحجاج ، وسمع التبكير ، فقال : هؤلاء الغزاة ، وسمع التسبيح ، قال : هؤلاء الأنبياء .

عند سدرة المنتهى

فلمّا بلغ إلى سدرة المنتهى ، فانتهى إلى الحجب ، فقال جبرئيل عليه السلام : تقدّم يا رسول اللَّه ، ليس لي أجوز هذا المكان ، ولو دنوت أنملة لاحترقت(1) .

أبو بصير قال : سمعته يقول : إنّ جبرئيل احتمل رسول اللَّه صلى الله عليه وآله حتى انتهى به إلى مكان من السماء ، ثم تركه ، فقال له : ما وطأ نبي قطّ مكانك(2) .

أنبياء كلّ سماء

وروي : إنّه رأى في السماء الثانية : عيسى ويحيى عليهما السلام ، وفي الثالثة :

ص: 196


1- 459. الأمالي للصدوق : 535 ، روضة الواعظين : 58 .
2- 460. مجمع البيان : 6/217 .

يوسف ، وفي الرابعة : إدريس ، وفي الخامسة : هارون ، وفي السادسة : الكروبيين ، وفي السابعة : خلقاً والملائكة .

وفي حديث أبي هريرة: رأيت في السماء السادسة: موسى، وفي السابعة : إبراهيم(1) .

ما يقرأه الملائكة من القرآن

ابن عباس : ورأى ملائكة الحجب يقرؤن سورة النور ، وخزان الكرسي يقرؤن آية الكرسي ، وحملة العرش يقرؤن حم المؤمن .

لمّا بلغ قاب قوسين

قال : فلمّا بلغت قاب قوسين نوديت بالقرب .

وفي رواية : إنّه نودي ألف مرّة بالدنو ، وفي كلّ مرّة قضيت لي حاجة ، ثم قال لي : سل تعط ، فقلت : يا ربّ اتخذت إبراهيم خليلاً ، وكلّمت موسى تكليماً على بساط الطور ، وأعطيت سليمان ملكاً عظيماً ، فماذا أعطيتني ؟

فقال : اتخذت إبراهيم خليلاً ، واتخذتك حبيباً ، وكلّمت موسى تكليماً على بساط الطور ، وكلّمتك على بساط النور ، وأعطيت سليمان ملكاً فانياً ، وأعطيتك ملكاً باقياً في الجنة(2) .

ص: 197


1- 461. مجمع البيان : 6/216 ، تفسير السمعاني : 3/215 ، مسلم : 1/104 .
2- 462. الدر النظيم : 105 .

وروي : أنا المحمود وأنت محمد ، شققت اسمك من اسمي ، فمن وصلك وصلته ، ومن قطعك بتلته ، انزل إلى عبادي فأخبرهم بكرامتي إياك ، وإنّي لم أبعث نبياً إلّا جعلت له وزيراً ، وإنّك رسولي وإنّ علياً وزيرك(1) .

وروي : إنّه لمّا بلغ إلى السماء السابعة نودي : يا محمد ، إنّك لتمشي في مكان ما مشى عليه بشر ، فكلّمه اللَّه - تعالى - فقال : « آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ » ، فقال : نعم ، يا ربّ « وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ » ، فقال اللَّه : « لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً » الآية ، فقال : « رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا » السورة ، فقال : قد فعلت .

ثم قال : من خلّفت لأمّتك من بعدك ؟ فقال : اللَّه أعلم ، قال : إنّ علي بن أبي طالب أمير المؤمنين ، [ فكانت إمامته مشافهة من اللَّه - جلّ ذكره - لنبيه صلى الله عليه وآله (2)] .

ما أعطاه اللَّه تلك الليلة

ويقال : أعطاه اللَّه في تلك الليلة أربعة رفع عنها علم الخلق :

« فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ » .

والمناجاة « فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ » .

والسدرة « إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ » .

وإمامة علي عليه السلام(3) .

ص: 198


1- 463. الأمالي للصدوق : 436 ، روضة الواعظين : 56 .
2- 464. تفسير العياشي : 160 ، روضة الواعظين : 59 والزيادة منهما .
3- 465. انظر تفسير القمي : 2/334 ، وتفسير الواحدي : 2/1039 .

معنى حروف المعراج

وقالوا : المعراج خمسة أحرف :

فالميم : مقام الرسول عند الملك الأعلى .

والعين : عزّة عند شاهد كلّ نجوى .

والراء : رفعته عند خالق الورى .

والألف : انبساطه مع عالم السرّ وأخفى .

والجيم : جاهه في ملكوت العلى(1) .

موقف أبي طالب لمّا فقده تلك الليلة

وروي أنّه فقده أبو طالب عليه السلام في تلك الليلة ، فلم يزل يطلبه ، ووجّه إلى بني هاشم وهو يقول : يا لها من عظيمة ، إن لم أر رسول اللَّه صلى الله عليه وآله إلى الفجر .

فبينا هو كذلك ، إذ تلقّاه رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وقد نزل من السماء على باب أم هاني ، فقال له : انطلق معي ، فأدخل بين يديه المسجد ، فدخل بنو هاشم ، فسلّ أبو طالب عليه السلام سيفه عند الحجر ، ثم قال : أخرجوا ما معكم يا بني هاشم ، ثم التلفت إلى قريش .

فقال : واللَّه ، لو لم أره ما بقيت منكم عين تطرف ، فقالت قريش : لقد ركبت منّا عظيماً .

ص: 199


1- 466. الدر النظيم : 105 .

تكذيبهم بحديث المعراج

وأصبح صلى الله عليه وآله يحدّثهم بالمعراج ، فقيل له : صف لنا بيت المقدس ، فجاء جبرئيل عليه السلام بصورة بيت المقدس تجاه وجهه ، فجعل يخبرهم بما يسألونه عنه .

فقالوا : أين بيت فلان ؟ ومكان كذا ؟ فأجابهم في كلّ ما سألوه عنه ، فلم يؤمن منهم إلّا قليل ، وهو قوله « وَما تُغْنِي الآْياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ »(1) .

* * *

[ قال ] الحسن الباخرزي :

طلبت وصاله دهراً طويلاً

فولدها القضاء وراء ضدّه

فلمّا غبت عنه وغاب عنّي

أتاني طارقاً من بعد بعده

مضت فقضت حوائجنا خبالاً

فسبحان الذي أسرى بعبده

* * *

[ وقال ] غيره :

عجبت لمن أسرى الإله بعبده

من البيت ليلاً نحو بيت المقدس

* * *

[ وقال ] آخر :

دنى فتدلّى فاكتسى حلّة البها

فقال له سلني فأعطيك ما تشا

* * *

ص: 200


1- 467. روضة الواعظين : 59 .

[ وقال ] الخبرزري :

قلت للبدر حين أعتَبَ(1) زرني

واسمت الوصل بالرضا لا التجافي

قال إنّي مع العشاء سآتي

فارتقبني ولا تخف من خلافي

قلت يا سيدي فهلّا نهاراً

فهو أعلى لرقبة الايتلاف

قال لي لا أريد تغيير رسم

إنّما البدر في الظلام يوافي(2)

* * *

ص: 201


1- 468. في النسخ المطبوعة : « لا تغيب وزرني » .
2- 469. الوافي بالوفيات : 15/122 .

ص: 202

فصل 30 : في هجرته صلى الله عليه وآله

اشاره

ص: 203

ص: 204

بيعة العقبة

كان النبي صلى الله عليه وآله يعرض نفسه على قبائل العرب في الموسم ، فلقى رهطاً من الخزرج ، فقال : ألا تجلسون أحدّثكم ؟ قالوا : بلى ، فجلسوا إليه ، فدعاهم إلى اللَّه ، وتلا عليهم القرآن .

فقال بعضهم لبعض : يا قوم تعلموا - واللَّه - أنّه النبي الذي كان يوعدكم به اليهود ، فلا يسبقنكم إليه أحد ، فأجابوه ، وقالوا له : إنّا قد تركنا قومنا ، ولا قوم بينهم من العداوة والشرّ مثل ما بينهم ، وعسى أن يجمع اللَّه بينهم بك ، فتقدم عليهم وتدعوهم إلى أمرك ، وكانوا ستة نفر .

قال : فلمّا قدموا المدينة ، فأخبروا قومهم بالخبر ، فما دار حول إلّا وفيها حديث رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، حتى إذا كان العام المقبل أتى الموسم من الأنصار إثنا عشر رجلاً ، فلقوا النبي صلى الله عليه وآله فبايعوه على بيعة النساء : أن لا يشركوا باللَّه شيئاً ولا يسرقوا . . إلى آخرها ، ثم انصرفوا .

وبعث معهم مصعب بن عمير يصلّي بهم ، وكان بينهم بالمدينة يسمّى « المقري » ، فلم تبق دار في المدينة إلّا وفيها رجال ونساء مسلمون ، إلّا دار أمية وحطيمة ووابل ، وهم من الأوس .

ثم عاد مصعب إلى مكة ، وخرج من خرج من الأنصار إلى الموسم مع حجّاج قومهم ، فاجتمعوا في الشعب عند العقبة ثلاثة وسبعون رجلاً

ص: 205

وامرأتان في أيام التشريق بالليل ، فقال صلى الله عليه وآله : أبايعكم على الإسلام ، فقال له بعضهم : نريد أن تعرفنا - يا رسول اللَّه - ما للَّه علينا ، وما لك علينا ، وما لنا على اللَّه ؟

قال : أمّا للَّه عليكم ، فأن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً .

وأمّا ما لي عليكم ، فتنصروني مثل نساءكم وأبناءكم ، وأن تصبروا على عضّ السيف ، وأن يقتل خياركم .

قالوا : فإذا فعلنا ذلك ما لنا على اللَّه ؟ قال : أمّا في الدنيا فالظهور على من عاداكم ، وفي الآخرة الرضوان والجنة .

فأخذ البراء بن معرور بيده ، ثم قال : والذي بعثك بالحقّ ، لنمنعنّك بما نمنع به أزرنا ، فبايعنا - يا رسول اللَّه - فنحن - واللَّه - أهل الحرب ، وأهل الحلفة ، ورثناها كباراً عن كبار .

فقال أبو الهيثم : إنّ بيننا وبين الرجال حبالاً(1) ، وإنّا إن قطعناها أو قطعوها ، فهل عسيت إن فعلنا ذلك ، ثم أظهرك اللَّه أن ترجع إلى قومك وتدعنا ! فتبسّم رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، ثم قال : بل الدم الدم ، والهدم الهدم ، أحارب من حاربتم ، وأسالم من سالمتم .

ثم قال : أخرجوا لي منكم إثني عشر نقيباً ، فاختاروا ، ثم قال : أبايعكم كبيعة عيسى بن مريم للحواريين كفلاء على قومهم بما فيهم ، وعلى أن تمنعوني ممّا تمنعون منه نساءكم وأبناءكم ، فبايعوه على ذلك ،

ص: 206


1- 470. في المخطوطة : « جبالاً » .

فصرخ الشيطان في العقبة : يا أهل الجباجب هل لكم في محمد والصباة معه قد اجتمعوا على حربكم .

ثم نفر الناس من منى ، وفشى الخبر ، فخرجوا في الطلب ، فأدركوا سعد بن عبادة والمنذر بن عمرو ، فأمّا المنذر فأعجز القوم ، وأمّا سعد فأخذوه وربطوه بنسع رحله ، وادخلوه مكة يضربونه ، فبلغ خبره إلى جبير بن مطعم والحرث بن حرب بن أمية ، فأتياه وخلصاه(1) .

إجتماع دار الندوة وحضور إبليس

وكان النبي صلى الله عليه وآله لم يؤمر إلّا بالدعاء والصبر على الأذى والصفح عن الجاهل ، فطالت قريش على المسلمين .

فلمّا كثر عتوّهم أمر بالهجرة ، فقال صلى الله عليه وآله : إنّ اللَّه قد جعل لكم داراً وإخواناً تأمنون بها ، فخرجوا أرسالاً حتى لم يبق مع النبي صلى الله عليه وآله إلّا علي عليه السلام وأبو بكر ، فحذرت قريش خروجه ، وعرفوا أنّه قد أجمع لحربهم .

فاجتمعوا في دار الندوة - وهي دار قصي بن كلاب - يتشاورون في أمره ، فتمثّل إبليس في صورة شيخ من أهل نجد ، فقال : أنا ذو رأي حضرت لمؤازرتكم .

فقال عروة بن هشام : « نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ » .

ص: 207


1- 471. تاريخ الطبري : 2/86 - 95 ، السيرة لابن هشام : 2/292 - 308 ، مسند أحمد : 3/462 .

وقال ابن البختري : أخرجوه عنكم تستريحوا من أذاه .

وقال العاص بن وائل وأمية وأبيّ ابنا خلف : نبني له علماً [ ونترك فرجاً ] نستودعه فيه ، فلا يخلص من الصباة إليه أحد .

وقال عتبة وشيبة وأبو سفيان : نرحّل بعيراً صعباً ، ونوثق محمداً عليه كتافاً وشدّاً ، ثم نقطّع(1) البعير بأطراف الرماح ، فيوشك أن يقطعه بين الدكادك إرباً إرباً .

فقال أبو جهل : أرى لكم أن تعمدوا إلى قبائلكم العشرة ، فتنتدبوا من كلّ قبيلة رجلاً نجداً ، ويأتونه بياتاً ، فيذهب دمه في قبائل قريش جميعاً ، فلا يستطيع بنو هاشم وبنو المطلب مناهضة قريش فيه ، فيرضون بالعقل .

فقال أبو مرّة : أصبت يا أبا الحكم ، هذا الرأي ، فلا نعدلن به رأياً ، فنزل « وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ »(2) الآية .

مبيت أمير المؤمنين على فراش النبي

فجاء جبرئيل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال له : لا تبت هذه الليلة على فراشك الذي كنت تبيت عليه ، فدعا علياً عليه السلام وقال : إنّ اللَّه - تعالى - أوحى إليّ أن أهجر دار قومي ، وأن انطلق إلى غار ثور تحت ليلتي ، وأنّه أمرني أن آمرك بالمبيت على مضجعي ، وأن اُلقي عليك شبهي ، فقال علي عليه السلام : أو تسلم بمبيتي هناك ؟ فقال صلى الله عليه وآله : نعم .

ص: 208


1- 472. في بعض النسخ : « نقصع » ، والقصع : ضمّ الشي ء على الشي ء حتى يهشم أو يقتل .
2- 473. الأمالي للطوسي : 463 مج 16 ح 1013 .

فتبسم علي ضاحكاً ، وأهوى إلى الأرض ساجداً ، فكان أول من سجد للَّه شكراً ، وأول من وضع وجهه على الأرض بعد سجدته .

فلمّا رفع رأسه قال له : امض لما أمرت ، فداك سمعي وبصري وسويداء قلبي .

قال : فارقد على فراشي ، واشتمل بردي الحضرمي ، ثم إنّي أخبرك - يا علي - أنّ اللَّه - تعالى - يمتحن أولياءه على قدر إيمانهم ومنازلهم من دينه ، فأشدّ الناس بلاء الأنبياء ، ثم الأمثل فالأمثل ، وقد امتحنك - يا بن أمّ - وامتحنني فيك بمثل ما امتحن به خليله إبراهيم والذبيح إسماعيل ، فصبراً صبراً ، ف « إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الُْمحْسِنِينَ » ، ثم ضمّه إلى صدره(1) .

خروجه الى الغار

واستتبع رسول اللَّه صلى الله عليه وآله أبا بكر وهند بن أبي هالة وعبد اللَّه بن فهيرة ، ودليلهم أريقطة الليثي ، فأمرهم بمكان ذكره ، ولبث هو مع علي عليه السلام يوصيه ، ثم خرج في فحمة العشاء ، والرصد من قريش قد أطافوا به ينتظرون انتصاف الليل ، وكان يقرأ : « وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا » الآية ، وكانت بيده قبضة تراب ، فرمى بها في رؤوسهم ، ومضى حتى انتهى إليهم ، فمضوا معه حتى وصلوا إلى الغار ، وانصرف هند وعبد اللَّه ، فهجم الكفار على علي عليه السلام . . القصّة .

ص: 209


1- 474. الأمالي للطوسي : 463 مج 16 ح 1013 .

فركب في طلبه الصعب والذلول ، وامهل حتى إذا أعتم من الليلة القابلة انطلق هو وهند حتى دخلا على النبي صلى الله عليه وآله في الغار ، فأمر النبي صلى الله عليه وآله بأداء أمانته حتى أدّى الجميع ، فكان مقام رسول اللَّه صلى الله عليه وآله فيه ثلاثاً ، ومبيت علي عليه السلام على فراشه أول ليلة(1) .

هجرة أمير المؤمنين علي عليه السلام

ولمّا ورد المدينة نزل في بني عمرو بن عوف بقبا ترصداً لعلي عليه السلام ، وكتب إليه يأمره بالمسير إليه على يدي أبي واقد الليثي ، فتهيأ للهجرة وأمر ضعفاء المؤمنين أن يتسلّلوا ويتخفّفوا إذا ملأ الليل بطن كلّ واد .

وخرج علي عليه السلام إلى ذي طوى بالفواطم وأيمن بن أم أيمن مولاة رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، وغير ذلك ، وأبو واقد يسوق الرواحل ، فأعنف بهم ، فقال : ارفق بالنسوة - أبا واقد - إنّهن من الضعائف ، قال : إنّي أخاف أن يدركنا الطلب ، فقال : أربع عليك ، إنّ النبي صلى الله عليه وآله قال لي : يا علي ، إنّهم لن يصلوا من الآن إليك بأمر تكرهه .

ثم جعل علي عليه السلام يسوق بهنّ سوقاً رفيقاً ، ويرتجز :

وليس إلّا اللَّه فارفع ظنّكا

يكفيك ربّ الناس ما أهمّكا

فلمّا شارف ضجنان أدركه الطلب بثمانية فوارس ، فأنزل النسوة واستقبلهم منتضياً سيفه ، فأقبلوا عليه ، فقالوا : ظننت - يا غدار ! -

ص: 210


1- 475. الأمالي للطوسي : 463 مج 16 ح 1013 .

أنّك ناج بالنسوة ؟! ارجع لا أبالك ، قال : فإن لم أفعل ؟ أترجعون راغمين ؟ ودنوا من النسوة ، فحال بينهم وبينها ، وقتل جناحاً ، وكان يشدّ على قومه شدّ الأسد على فريسته ، وهو يقول :

خلّوا سبيل الجاهد المجاهد

آليت لا أعبد غير الواحد

فانتشروا عنه ، فسار ظاهراً قاهراً حتى نزل ضجنان ، فتلوّم(1) بها قدر يومه وليلته .

ويروى أنّه لحق به نفر من المستضعفين ، فصلّى ليلته تلك هو والفواطم يذكرون اللَّه قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم حتى طلع الفجر ، فصلّى بهم صلاة الفجر .

ثم سار لوجهه حتى قدم المدينة ، وقد نزل الوحي بما كان من شأنهم قبل قدومهم : « الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً » إلى قوله : « أَوْ أُنْثى » ، فالذكر علي عليه السلام والأنثى فاطمة عليها السلام « بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ » يقول : علي عليه السلام من الفواطم ، وهنّ من علي عليه السلام « فَالَّذِينَ هاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ » إلى قوله : « حُسْنُ الثَّوابِ » .

وتلا رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : « إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى » الآية ، ثم قال : يا علي ، أنت أول هذه الأمّة إيماناً باللَّه ورسوله ، وأوّلهم هجرة إلى اللَّه ورسوله ، وآخرهم عهداً برسوله ، لا يحبّك - والذي نفسي بيده - إلّا مؤمن قد امتحن اللَّه قلبه بالإيمان ، ولا يبغضك إلّا منافق أو كافر(2) .

ص: 211


1- 476. التلوّم : الانتظار والتلبّث .
2- 477. الأمالي للطوسي : 463 مج 16 ح 1013 .

نزوله في قبا

وروي أنّه كان أصحاب النبي صلى الله عليه وآله يستقبلونه وينصرفون عند الظهيرة ، فدخلوا يوماً فقدم النبي صلى الله عليه وآله ، فأول من رآه رجل من اليهود ، فلمّا رآه صرخ بأعلى صوته : يا بني قيله ، هذا جدّكم قد جاء .

فنزل النبي صلى الله عليه وآله على كلثوم بن هدم ، وكان يخرج فيجلس للناس في بيت سعد بن خيثمة ، وكان قيام علي عليه السلام بعد النبي صلى الله عليه وآله ثلاث ليال ، ثم لحق برسول اللَّه صلى الله عليه وآله فنزل معه على كلثوم ، وكان أبو بكر في بيت حبيب بن إساف .

فأقام النبي صلى الله عليه وآله بقبا يوم الإثنين والأربعاء والخميس ، وأسّس مسجده ، وصلّى يوم الجمعة في المسجد الذي في بطن الوادي - وادي « رافوقا » - فكانت أول صلاة صلّاها بالمدينة(1) .

دخول النبي صلى الله عليه وآله المدينة

ثم أتاه غسان بن مالك وعباس بن عبادة في رجال من بني سالم ، فقالوا : يا رسول اللَّه ، أقم عندنا في العدد والعدّة والمنعة ، فقال : خلّوا سبيلها ، فإنّها مأمورة ، يعني ناقته .

ثم تلقّاه زياد بن لبيد وفروة بن عمرو في رجال من بني بياضة ، فقال كذلك .

ص: 212


1- 478. تاريخ خليفة : 29 ، تاريخ الطبري : 2/107 ، السيرة النبوية لابن هشام : 2/341 ، دلائل النبوة للبيهقي : 2/503 .

ثم اعترضه سعد بن عبادة والمنذر بن عمرو في رجال من بني ساعدة .

ثم اعترضه سعد بن الربيع وخارجة بن زيد وعبد اللَّه بن رواحة في رجال من بني الحارث بن الخزرج .

فانطلقت حتى إذا وازت دار بني مالك بن النجار بركت على باب مسجد رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، وهو - يومئذٍ - مربد(1) لغلامين يتيمين من بني النجار ، فلمّا بركت ورسول اللَّه صلى الله عليه وآله لم ينزل ، وثبت فسارت غير بعيد ، ورسول اللَّه صلى الله عليه وآله واضع لها زمامها لا يثنيها به ، ثم التفت إلى خلفها ، فرجعت إلى مبركها أول مرّة فبركت ، ثم تجلجلت ورزمت ووضعت جرانها ، فنزل عنها رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، واحتمل أبو أيوب رحله ، فوضعه في بيته ، ونزل النبي صلى الله عليه وآله في بيت أبي أيوب(2) .

بناء المسجد

وسأل عن المربد ، فأخبر أنّه لسهل وسهيل يتيمين لمعاذ بن عفراء ، فأرضاهما معاذ ، وأمر النبي صلى الله عليه وآله ببناء المسجد ، وعمل فيه رسول اللَّه صلى الله عليه وآله بنفسه ، فعمل فيه المهاجرون والأنصار ، وأخذ المسلمون يرتجزون وهم يعملون ، فقال بعضهم :

لئن قعدنا والنبي يعمل

لذاك منّا العمل المضلّل

ص: 213


1- 479. المِربد : الموضع الذي تحبس فيه الإِبل وغيرها .
2- 480. دلائل النبوة للبيهقي : 2/504 ، السيرة النبوية لابن هشام : 1/494 ، الطبقات الكبرى : 1/183 .

والنبي صلى الله عليه وآله يقول : لا عيش إلّا عيش الآخرة . . اللّهم ارحم الأنصار والمهاجرة ، وعلي بن أبي طالب عليه السلام يقول :

لا يستوي من يعمل المساجدا

يدأب فيها قائماً وقاعدا

ومن يرى عن الغبار حائدا

ثم انتقل من بيت أبي أيوب إلى مساكنه التي بنيت له .

وقيل : كان مدّة مقامه بالمدينة إلى أن بنى المسجد وبيوته من شهر ربيع الأول إلى صفر من السنة القابلة(1) .

ص: 214


1- 481. السيرة لابن هشام : 2/341 -347 ، تاريخ الطبري : 2/106 - 116 ، الثقات لابن حبان : 1/134 ، دلائل النبوة للبيهقي : 2/504 ، الطبقات الكبرى : 1/183 . .

فصل 31 : في غزواته صلى الله عليه وآله

اشاره

ص: 215

ص: 216

الأمر بالقتال

لمّا كان بعد سبعة أشهر من الهجرة نزل جبرئيل عليه السلام بقوله : « أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ » الآية ، وقلّد في عنقه سيفاً - وفي رواية : لم يكن له غمد - فقال له : حارب بهذا قومك حتى يقولون : « لا إله إلّا اللَّه »(1) .

مجموع غزواته

أهل السير : إنّ جميع ما غزا النبي صلى الله عليه وآله بنفسه ستّ وعشرون غزوة على هذا النسق :

[ 1 ] الأبواء .

[ 2 ] بواط

[ 3 ] العشيرة .

[ 4 ] بدر الأولى .

[ 5 ] بدر الكبرى .

[ 6 ] السويق .

[ 7 ] ذي امرة .

[ 8 ] أحد .

ص: 217


1- 482. التبيان للطوسي : 1/407 ، مجمع البيان : 1/348 .

[ 9 ] نجران .

[ 10 ] بنو سليم .

[ 11 ] الأسد .

[ 12 ] بنو النضير .

[ 13 ] ذات الرقاع .

[ 14 ] بدر الآخرة .

[ 15 ] دومة الجندل .

[ 16 ] الخندق .

[ 17 ] بنو قريظة .

[ 18 ] بنو لحيان .

[ 19 ] بنو قرد .

[ 20 ] بنو المصطلق .

[ 21 ] الحديبية .

[ 22 ] خيبر .

[ 23 ] الفتح .

[ 24 ] حنين .

[ 25 ] الطائف .

[ 26 ] تبوك(1) .

ويلحق بها بنو قينقاع(2) .

ص: 218


1- 1. مجمع البيان : 5/57 ، قصص الرواندي : 334 ، تفسير القمي : 1/276 .
2- 483. 1. تاريخ الطبري : 3/152 ، أنساب الأشراف : 1/287 ، تاريخ اليعقوبي: 2/66، ر؛ دلائل النبوة : 5/465 ، السيرة النبوية لابن هشام : 2/608 ، شرف النبي صلى الله عليه وآله للخركوشي : 650 ، تفسير الثعلبي : 3/140 ، إعلام الورى : 1/163 .

الغزوات التي قاتل فيها

قاتل في تسع وهي :

[ 1 ] بدر الكبرى .

[ 2 ] وأحد .

[ 3 ] والخندق .

[ 4 ] وبني قريظة .

[ 5 ] وبني المصطلق .

[ 6 ] وبني لحيان .

[ 7 ] وخيبر .

[ 8 ] والفتح .

[ 9 ] وحنين .

[ 10 ] والطائف(1) .

ص: 219


1- 484. تاريخ الطبري : 3/153 ، التنبيه والاشراف : 242 ، دلائل النبوة للبيهقي : 5/466 ، السيرة النبوية لابن هشام : 2/609 ، الطبقات الكبرى : 2/3 ، مروج الذهب : 2/281 .

سراياه

وأمّا سراياه ، فست وثلاثون :

السنة الأولى

سرية حمزة

أوّلها : سرية حمزة ، لقى أبا جهل بسيف البحر في ثلاثين من المهاجرين .

بعث سعد

وفي ذي القعدة بعث سعد بن أبي وقاص في طلب عير .

بعث عبيدة

ثم عبيدة بن الحارث بعد سبعة أشهر في ستين من المهاجرين نحو الجحفة إلى أبي سفيان فتراموا بالاحياء .

غزوة ربيع الآخر

ابن إسحاق : وغزا في ربيع الآخر إلى قريش وبني ضمرة وكرز بن جابر الفهري حتى بلغ بواط(1) ،

ص: 220


1- 485. السيرة النبوية لابن هشام : 1/598 ، دلائل النبوة للبيهقي : 3/11 .

السنة الثانية

غزوة ودان

في صفر غزا ودان حتى بلغ الأبواء .

غزوة العشيرة

وفي ربيع الآخر غزوة العشيرة من بطن ينبع .

موادعة بني مدلج وضمرة

ووادع فيها بني مدلج وضمرة .

ردّ غارة كرز

وأغار كرز بن جابر الفهري على سرح المدينة ، فاستخلف على المدينة زيد بن حارثة وخرج حتى بلغ وادي سفوان .

بدر الأولى

بدر الأولى ، وحامل لوائه علي عليه السلام .

غزوة النخلة

ثم بعث في آخر رجب عبد اللَّه بن جحش في أصحابه ليرصد قريشاً ، فقتل واقد بن عبد اللَّه التميمي عمرو بن الجموح الحضرمي ، وهرب الحكم بن كيسان وعثمان بن عبد الدار وأخوه ، واستأمن الباقون ، واستاقوا العير إلى النبي صلى الله عليه وآله ، فقال : واللَّه ، ما أمرتكم بالقتال في الشهر الحرام ، وذلك تحت النخلة ، فسمى « غزوة النخلة » .

ص: 221

فنزل : « يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ » الآية ، فأخذ العير ، وفدى الأسيرين .

غزوة بدر الكبرى

ثم غزا بدر الكبرى ، وهو يوم الفرقان ، كما في قوله : « كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ » . . السورة ، وقوله : « قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ » .

وبدر ما بين مكة والمدينة ، وقال الشعبي والثمالي : بئر منسوبة إلى بدر الغفاري ، وقال الواقدي : هو اسم الموضع .

وذلك : أنّ النبي صلى الله عليه وآله خرج سابع عشر شهر رمضان - ويقال : ثالثه - في ثلاثمائة وسبعة عشر رجلاً في عدّة أصحاب طالوت ، منهم ثمانون راكباً ، أو سبعون .

ويقال : سبعة وسبعين رجلاً من المهاجرين ، ومائتي وثلاثين رجلاً من الأنصار .

وكان المقداد فارساً فقط ، يعتقب النفر على البعير الواحد ، وكان بين النبي صلى الله عليه وآله وبين أبي مرثد الغنوي بعير ، ويقال : فرس ، وكان معهم من السلاح ستة أدرع وثمانية سيوف .

قاصداً إلى أبي سفيان وعتبة بن أبي ربيعة في أربعين من قريش أو سبعين ، فأخبروا بالنبي صلى الله عليه وآله ، فأخذوا على الساحل ، واستصرخوا إلى أهل مكة على لسان ضمضم بن عمرو الغفاري(1) .

ص: 222


1- 486. إعلام الورى : 1/163 وما بعدها .

قال عروة : رأت عاتكة بنت عبد المطلب في منامها راكباً أقبل حتى وقف بالأبطح وصرخ : انفروا يا آل عدي إلى مصارعكم ، ثم نادى على ظاهر الكعبة ، ثم نادى على أبي قبيس ، ثم أرسل صخرة ، فارفضت(1) ، فما بقي في مكة دار إلّا دخل منها فلذة(2) .

قال ابن قتيبة : خرجوا تسعمائة وخمسين ، ويقال : ألف ومائتان وخمسون ، ويقال : ثلاثة آلاف ، ومعهم مائتا فارس يقودونها ، والقيان يضربن بالدفوف ، ويتغنين بهجاء المسلمين ، ولم يكن من قريش بطن إلّا خرج منهم ناس إلّا من بني زهرة وبني عدي بن كعب ، وأخرج فيهم طالب كرها ، فلم يوجد في القتلى والأسرى .

وشاور النبي صلى الله عليه وآله أصحابه في لقائهم أو الرجوع ، فقال أبو بكر وعمر كلاماً فأجلسهما ، ثم قال المقداد وسعد بن معاذ كلاماً فدعا لهما وسرّ ، ونزل «سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ » .

المبارزة في بدر

وأصابهم المطر ، فبعثوا عمير بن وهب الجمحي حتى طاف على عسكر النبي صلى الله عليه وآله ، فقال : نواضح يثرب ، فنزل « وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها » ، فبعث النبي صلى الله عليه وآله إليهم وقال : يا معشر قريش ، إنّي أكره أن أبدأ بكم ، فخلّوني والعرب وارجعوا .

ص: 223


1- 487. ارفض : تفرّق يمنياً وشمالاً .
2- 488. المستدرك للحاكم : 3/20 ، الدرر لابن عبد البر : 104 ، مجمع البيان : 4/431 .

فقال عتبة : ما ردّ هذا قوم فأفلحوا ، فقال أبو جهل : جبنت وانتفخ سحرك(1) .

فلبس عتبة درعه وتقدّم هو وأخوه شيبة وابنه الوليد ، وقال : يا محمد ، أخرج الينا أكفاءنا من قريش ، فتطاولت الأنصار لمبارزتهم ، فدفعهم وأمر علياً عليه السلام وحمزة وعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب - وهو ابن سبعين سنة - بالبراز وقال : قاتلوا على حقّكم الذي بعث اللَّه به نبيكم ، إذ جاؤوا بباطلهم ليطفئوا نور اللَّه ، فلمّا رأوهم قالوا : أكفاء كرام .

فقتل علي عليه السلام الوليد وحمزة عتبة ، وأصابت فخذ عبيدة ضربة ، فحمله علي عليه السلام وحمزة إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، فقال : يا رسول اللَّه ، ألست شهيداً ؟ قال : بلى ، أنت أول شهيد من أهل بيتي ، فمات بالصفراء(2) .

هزيمة إبليس

الكلبي وأبو جعفر وأبو عبد اللَّه عليه السلام : كان إبليس في صفّ المشركين أخذ بيد الحارث بن هشام ، فنكص على عقبيه ، فقال له الحارث : يا سراق ، أين ؟ أتخذلنا على هذه الحالة ! فقال له : « إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ » ، فقال : واللَّه ما نرى إلّا جعاسيس(3) يثرب ، فدفع في صدر الحارث وانطلق وانهزم الناس .

ص: 224


1- 489. انتفخ سحرك : أي رئتك ، يقال ذلك للجبان .
2- 490. مجمع البيان : 4/440 ، الدرر لابن عبد البر : 105 .
3- 491. الجُعْسُوسُ : اللئيم الخِلْقَة والخُلُق ، ويقال : اللئيم القبيح . ( لسان العرب ) .

فلمّا قدموا مكة قالوا : هزم الناس سراقة ، فبلغ ذلك سراقة ، فقال : واللَّه ، ما شعرت بمسيركم حتى بلغتني هزيمتكم ، فقالوا : إنّك أتيتنا يوم كذا ، فحلف لهم ، فلمّا أسلموا علموا أنّ ذلك كان الشيطان(1) .

السدى والكلبي : إنّهم تثبّطوا خوفاً من بني بكر ، فتبدّا لهم إبليس في صورة سراقة بن جشعم المدلجي وقال : «إِنِّي جارٌ لَكُمْ » ، فلمّا رأى الملائكة « نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَ قالَ إِنِّي بَرِي ءٌ مِنْكُمْ » ، الآية .

المدد الإلهي وقتال الملائكة

وقال النبي صلى الله عليه وآله في العريش : اللّهم إنّك إن تهلك هذه العصابة اليوم لا تعبد بعد اليوم ، فنزل « إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ » ، فخرج يقول : « سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ » الآية .

فأمدّه اللَّه بخمسة آلاف من الملائكة مسوّمين ، وكثّرهم في أعين المشركين ، وقلّل المشركين في أعينهم ، فنزل « وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى » من الوادي خلف العقنقل(2) ، والنبي صلى الله عليه وآله بالعدوة الدنيا عند القليب(3) .

وقال علي عليه السلام وابن عباس في قوله : « مُسَوِّمِينَ » : كان عليهم عمائم بيض أرسلوها بين أكتافهم .

وقال عروة : كانوا على خيل بلق عليهم عمائم صفر(4) .

ص: 225


1- 492. مجمع البيان : 4/478 ، تفسير الثعلبي : 4/365 .
2- 493. العقنقل : ما ارتكم من الرمل وتعقل بعضه ببعض ، أي الكثيب العظيم المتداخل الرمل .
3- 494. تاريخ الطبري : 2/138 - 149 .
4- 495. تفسير الثعلبي : 3/144 .

الحسن وقتادة : كانوا اعلموا بالصوف في نواصي الخيل وأذنابها(1) .

ابن عباس : وسمع غفاري في سحابة حمحمة الخيل ، وقائل يقول : أقدم حيزوم(2) .

البخاري : قال النبي صلى الله عليه وآله : يوم بدر هذا جبرئيل أخذ برأس فرسه عليه أداة الحرب(3) .

الحسن : قال رجل : يا رسول اللَّه ، إنّي رأيت بظهر أبي جهل مثل الشراك ، فقال صلى الله عليه وآله : ذاك ضرب الملائكة(4) .

ابن عباس : لم يقاتل الملائكة إلّا يوم بدر ، وإنّما أتوا بالمدد في غيرها(5) .

رماهم النبي صلى الله عليه وآله بالحصباء

الثعلبي وسماك ابن حرب عن عكرمة عن ابن عباس في قوله « وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ » : إنّ النبي صلى الله عليه وآله قال لعلي عليه السلام : ناولني كفّاً من حصباء ، فناوله ، فرمى في وجوه القوم ، فما بقي أحد إلّا امتلأت عينه من الحصباء(6) .

وفي رواية غيره : وأفواههم ومناخرهم(7) .

ص: 226


1- 496. تفسير الثعلبي : 3/144 .
2- 497. مجمع البيان : 4/442 ، تفسير الثعلبي : 4/334 .
3- 498. البخاري : 5/14 .
4- 499. التبيان للطوسي : 5/137 ، مجمع البيان : 4/280 .
5- 500. مجمع البيان : 2/381 .
6- 501. المعجم الكبير : 11/227 .
7- 502. مجمع البيان : 4/445 .

قال أنس : رمى بثلاث حصيات في الميمنة والميسرة والقلب(1) .

البلاء الحسن

قال ابن عباس : « وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً » يعني : وهزم الكفار ليغنم النبي والوصي - عليهما السلام - .

فقتل علي عليه السلام خلقاً .

وقتل حمزة عتبة بن ربيعة ، والأسود بن عبد الأسود المخزومي ، وعبيدة بن سعيد بن عامر .

وقتل عمار أمية بن خلف .

وضرب معاذ بن عمرو الجموح الأنصاري أبا جهل فصرعه .

وقطع ابنه عكرمة يمين معاذ ، فعاش إلى زمن عثمان(2) .

الأسرى

وكان الأسرى سبعين(3) ، ويقال : أربع وأربعون ، منهم : العباس ، وعقيل ، ونوفل ، وعتبة بن أبي جحدر ، ففداهم العباس ، وأسلموا .

وأمّا عقبة بن أبي معيط ، والنضر بن الحارث قتلهما النبي صلى الله عليه وآله بالصفراء صبراً .

ولم يؤسر أحداً من المسلمين ، والشهداء كانوا أربعة عشر(4) .

ص: 227


1- 503. جامع البيان للطبري : 9/271 ، مجمع البيان : 4/445 .
2- 504. المعجم الكبير : 20/177 ، المستدرك للحاكم : 3/194 ، مجمع البيان : 4/441 .
3- 505. المستدرك للحاكم : 2/385 ، السنن الكبرى للبيهقي : 3/276 .
4- 506. الدرر لابن عبد البر : 109 وما بعدها ، تفسير الثعلبي : 10/35 ، تاريخ الطبري : 2/158 .

الفداء

وأخذ الفداء من كلّ مشرك أربعين أوقية ، ومن العباس مائة ، وقالوا : كان أكثر من أربعة آلاف درهم .

فنزل عتاباً في الفداء والأسرى « ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى » ، وقد كان كتب في اللوح المحفوظ « لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ » .

تاريخ الغزوة

وكان القتال بالسابع عشر من شهر رمضان(1) .

الألوية والرايات

وكان لوائه مع مصعب بن عمير ، ورأيته مع علي عليه السلام(2) ، ويقال : رايته مع علي عليه السلام ، وراية الأنصار مع سعد بن عبادة(3) .

* * *

قال كعب بن مالك :

وعدنا أبو سفيان بدراً ولم نجد

لميعاده صدقاً وما كان وافيا

فأقسم لو وافيتنا فلقيتنا

لأبت ذميماً وافتقدت المواليا

تركنا به أوصال عتبة وابنه

وثم أبا جهل تركناه ثاويا(4)

* * *

ص: 228


1- 507. المعارف لابن قتيبة : 158 ، مجمع البيان : 4/494 .
2- 508. المعارف لابن قتيبة : 153 .
3- 509. مسند أحمد : 1/368 .
4- 510. السيرة لابن هشام : 3/697 .

غزوة بني سليم

ولمّا رجع إلى المدينة غزا بعد سبع ليال بني سليم حتى بلغ ماء لهم يقال له « الكدر » ، وأقام عليه ثلاث ليال(1) .

غزوة السويق

وفي ذي الحجة غزا غزوة السويق ، وهو بدر الصغرى ، ماء لكنانة ، وكان موضع سوق لهم في الجاهلية يجتمعون إليها في كلّ عام ثمانية أيام .

وقيل : غزوة السويق لأنّ أبا سفيان كان نذر أن لا يمسّ رأسه من جنابة حتى يغزوا محمداً صلى الله عليه وآله ، فخرج في مائة راكب ، وأتى بني النضير ليلاً ، فلم يفتح له حي بن أخطب ، ثم أتى إلى سلام بن مسلم وسارّه ، ثم أتى إلى العريض ، فقتل أنصاريين .

فتبعهم النبي صلى الله عليه وآله إلى قرقرة الكدر ، فخشي أبو سفيان منه ، فألقى ما معه من الزاد والسويق ، فسمّيت غزوة السويق ، ووافق السوق ، وكانت لهم تجارات(2) .

ص: 229


1- 511. تاريخ الطبري : 2/174 .
2- 512. تاريخ الطبري : 2/175 ، مجمع البيان : 2/449 .

سنة ثلاث

غزوة غطفان

في صفر غزوة غطفان ، وأنمار و« ذي أمر »(1) ، وذلك لمّا بلغه أنّ دعثور بن الحارث خرج في أربعمائة رجل وخمسين رجلاً ، ليصيب من أطراف المدينة نزل النبي صلى الله عليه وآله « ذا أمر(2) » وعسكر به ، وأصابهم مطر كثير ، وبلّ ثياب النبي صلى الله عليه وآله ، فنزعها فنشرها لتجفّ ، فقصده دعثور بسيفه(3) .. القصّة .

غزوة القردة

ثم كانت سرية زيد بن حارثة ، وتدعى غزوة القردة - ماء من مياه نجد - لمّا بعثه إلى عير قريش فيها أبو سفيان ، وقد سلكوا طريق العراق ، واستأجروا فرات بن حيان ، فأصابها زيد ، فهربت قريش ، وفيها قتل كعب بن الأشرف(4) .

غزوة بني قينقاع

وفي يوم السبت النصف من شوال على رأس شهرين من الهجرة غزوة بني قينقاع ، وهي سوق في نواحي المدينة .

ص: 230


1- 513. في نسخة « النجف » : « وإنّما روي ذي مرّة » .
2- 514. في نسخة « النجف » : « إمرة » .
3- 515. إعلام الورى : 1/173 ، الطبقات الكبرى : 2/34 .
4- 516. تاريخ الطبري : 2/181 ، إعلام الورى : 1/174 .

ابن عباس : نزل قوله « قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ » .

الواقدي : نزل قوله « فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ » الآيتان .

فلمّا أتاهم النبي صلى الله عليه وآله قال لليهود : احذروا من اللَّه مثل ما نزل بقريش من قوارع اللَّه ، فأسلموا ، فإنّكم قد عرفتم - يعني صفتي في كتابكم - ، فجاروه في ذلك ، فكانت تقع بينهم المشاجرة ، فنزل « قَدْ كانَ لَكُمْ » الآية إلى قوله : « أُولِي الأَْبْصارِ » .

فحاصرهم النبي صلى الله عليه وآله ستة أيام حتى نزلوا على حكمه ، فتركهم بشفاعة عبد اللَّه بن أبي سلول ، ونزل في عبد اللَّه وناس من بني الخزرج « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ » إلى قوله « نادِمِينَ »(1) .

غزوة أحد

وفي شوال غزوة أحد ، وهو يوم المهراس .

قال ابن عباس ومجاهد وقتادة والربيع والسدي وابن إسحاق : نزل قوله : « وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ » ، وهو المروي عن أبي جعفر(2) عليه السلام .

زيد بن وهب « إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ » فقالوا : لم انهزمنا وقد وعدنا بالنصر ، فنزل « وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ »(3) .

ص: 231


1- 517. إعلام الورى : 1/175 .
2- 518. مجمع البيان : 2/376 .
3- 519. تفسير الثعلبي : 3/183 .

ابن مسعود والصادق عليه السلام : لمّا قصد أبو سفيان في ثلاثة آلاف من قريش إلى النبي صلى الله عليه وآله ، ويقال : في ألفين منهم مائتا فارس ، والباقون ركب ، ولهم سبعمائة درع ، وهند ترتجز :

نحن بنات طارق

نمشي على النمارق

والمسك في المفارق

والدرّ في المخانق

وكان استأجر أبو سفيان يوم أحد ألفين من الأحابيش(1) يقاتل بهم النبي صلى الله عليه وآله ، قوله : « إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ » .

فرأى النبي صلى الله عليه وآله أن يقاتل الرجال على أفواه السكك ، والضعفاء من فوق البيوت ، فأبوا إلّا الخروج .

فلمّا صار على الطريق قالوا : نرجع ، فقال : ما كان لنبي إذا قصد قوماً أن يرجع عنهم ، وكانوا ألف رجل - ويقال : سبعمائة - فانعزل عنهم عبد اللَّه بن أبي بثلث الناس ، فهمّت بنو حارثة وبنو سلمة بالرجوع ، وهو قوله « إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ » ، قال الجبائي : همّا به ، ولم يفعلاه .

فنزلوا دور بني حارثة ، فأصبح وتجاوز يسيراً .

وجعل على راية المهاجرين علياً عليه السلام ، وعلى راية الأنصار سعد بن عبادة ، وقعد في راية الأنصار ، وهو لابس درعين .

ص: 232


1- 520. الحبش بالتحريك والحبش : جنس من السودان ، والجمع الحبشان ، وحبش بالضم جبل بأسفل مكة ، ومنه أحابيش قريش لأنّهم تحالفوا باللَّه أنّهم ليد على غيرهم ما سجى ليل . ( مجمع البحرين ) .

وأقام على الشعب عبد اللَّه بن جبير في خمسين من رماة الأنصار ، وقال : لا تبرحوا مكانكم هذا وإن قتلنا عن آخرنا ، فإنّما نؤتى من موضعكم ، وقام بإزائهم خالد بن الوليد ، وصاحب لواء قريش كبش الكتيبة طلحة بن أبي طلحة ، فضربه علي عليه السلام على مقدّم رأسه .

وروى الطبري عنه عليه السلام :

أفاطم هاك السيف غير ذميم

فلست برعديد ولا بلئيم

لعمري لقد جاهدت في نصر أحمد

وطاعة ربّ بالعباد رحيم

وسيفي بكفّي كالشهاب أهزّه

وأجذبه من عاتق وصميم

فما زلت حتى فضّ ربّي جمعهم

وحتى تشفّت نفس كلّ حليم

فانكب المسلمون على الغنائم ، فترك أصحاب الشعب رئيسهم في إثني عشر رجلاً للغنائم ، وحمل عليه خالد فقتله ، وجاء من ظهر النبي صلى الله عليه وآله وقال : دونكم هذا الطليق الذي يطلبونه ، فشأنكم به ، فحملوا عليه حملة رجل واحد حتى قتل منهم خلقاً ، وانهزم الباقون في الشعب .

وأقبل خالد بخيل المشركين كما قال : « إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ » ، ورسول اللَّه صلى الله عليه وآله يدعوهم في أخراهم : يا أيّها الناس ! إنّي رسول اللَّه ، إنّ اللَّه قد وعدني بالنصر ، فأين الفرار ؟ .

وكان النبي صلى الله عليه وآله يرمي ويقول : اللّهم اهد قومي فإنّهم لا يعلمون ، فرماه ابن قمئة بقذافة(1) فأصاب كفّه ، ورماه عبد اللَّه بن شهاب

ص: 233


1- 521. القذافة : أداة للقذف ، يرمى بها الشي ء فيبعد مداه .

بقلاعة(1)، فأصاب مرفقه، وضربه عتبة بن أبي وقاص أخو سعد على وجهه فشجّ رأسه ، فنزل من فرسه ، ونهبه ابن قمئة ، وقد ضربه على جنبه ، وصاح إبليس من جبل أحد ألا إنّ محمداً قد قتل ، فصاحت فاطمة عليها السلام ووضعت يدها على رأسها ، وخرجت تصرخ ، وكلّ هاشمية وقرشية . . القصّة .

فلمّا حمله علي عليه السلام إلى أحد نادى العباس - وكان جهوري(2) الصوت - فقال : يا أصحاب سورة البقرة ! أين تفرون ؟ إلى النار تهربون ؟ .

شهادة حمزة

وقال وحشي : قال لي جبير بن مطعم : إنّ علياً قتل عمّي يوم بدر ، فإن قتلت محمداً ، أو حمزة ، أو علياً ، فأنت حرّ .

وفي مغازي الواقدي : إنّ هنداً رأت وحشياً الحبشي يعدو قبلها ، فقالت له : إنّما ينفذ حكمك عليّ إذا ثأرت بأبي وأخي وعمّي من علي ، أو حمزة ، أو محمد ، فقال : لا أطمع بمحمد لشوكته ، ولا في علي لبسالته وبصارته ، ولعلّي أصيب من حمزة غرّة فأزرقه(3) ، فقالت : إن تقتله فقد أدركت ثاري .

وقد كان علّم رمي الحراب بالحبشة ، وكان حمزة يحمل حملاته كالليوث ، ثم يرجع إلى موقفه ، فكمن وحشي تحت شجرة .

ص: 234


1- 522. القلاعة : الحجر والمدر يقتلع من الأرض فيرمى به .
2- 523. جهوري الصوت : رفيعه .
3- 524. أي أرميه بالمزراق ، وهو الرمح الصغير .

قال الصادق عليه السلام : فزرقه وحشي فوق الثدي ، فسقط ، وشدّوا عليه فقتلوه ، فأخذ وحشي الكبد ، فشدّ بها إلى هند ، فأخذتها فطرحتها في فيها ، فصارت مثل الداغصة(1) فلفظتها ، ويقال : صارت حجراً .

ورأي الحليس بن علقمة أبا سفيان وهو يشدّ الرمح في شدق حمزة ، فقال : انظروا إلى من يزعم أنّه سيد قريش ما يصنع بعمّه الذي صار لحماً ، وأبو سفيان يقول : ذق يا عقق(2) .

وأتت هند وجدعت أنفه واذنه ، وجعلت في مخنقتها بالذريرة مدّة .

فوجدوا سبعين شهيداً .

فلمّا رأى النبي صلى الله عليه وآله حمزة خنقته العبرة وقال : لأمثلن بسبعين من قريش ، فنزل « وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا » ، فقال صلى الله عليه وآله : بل أصبر .

وفيه ضربت يد طلحة فشلت(3) .

* * *

وأنشأ أمير المؤمنين عليه السلام :

الحمد للَّه ربّي الخالق الصمد

فليس يشركه في حكمه أحد

هو الذي عرف الكفار منزلهم

والمؤمنون سيجزيهم بما وعدوا

ص: 235


1- 525. الداغصة : العظم المدوّر المتحرك في رأس الركبة .
2- 526. في لسان العرب : ذُقْ عُقَقُ : أَي ذق جزاء فعلك يا عاقّ ، وذق القتل كما قتلت مَن قتلتَ يوم بدر من قومك ، يعني كفار قريش ، وعُقَق : معدول عن عاق للمبالغة ، كغُدَر من غادرٍ ، وفُسَق من فاسقٍ .
3- 527. تاريخ الطبري : 2/190 وما بعدها ، مجمع البيان : 2/379 ، إعلام الورى : 1/187، الدر النظيم : 156 .

وينصر اللَّه من والاه إنّ له

نصراً ويمثل بالكفار إذ عندوا

قومي وقوا لرسول اللَّه واحتسبوا

شمّ العرانين منهم حمزة الأسد(1)

وأنشأ عليه السلام :

رأيت المشركين بغوا علينا

ولجّوا في الغواية والضلال

وقالوا نحن أكثر إذ نفرنا

غداة الروع بالأسل الطوال

فان يبغوا ويفتخروا علينا

بحمزة وهو في الغرف العوالي

فقد أودى بعتبة يوم بدر

وقد أبلى وجاهد غير آل

وقد غادرت كبشهم جهاراً

بحمد اللَّه طلحة في المجال

فخرّ لوجهه ورفعت عنه

رقيق الحدّ حودث(2) بالصقال(3)

غزوة حمراء الأسد

ثم كانت غزوة حمراء الأسد ، قوله « الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ » الآية .

ذكر الفلكي المفسر عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس وعن أبي رافع : إنّها نزلت في علي عليه السلام ، وذلك أنّه نادى يوم الثاني من أحد في المسلمين ، فأجابوه ، وتقدّم علي عليه السلام براية المهاجرين في سبعين رجلاً

ص: 236


1- 528. دستور معالم الحكم لابن سلامة : 183 .
2- 529. حودث : من المحادثة ، وهو جلاء السيف .
3- 530. دستور معالم الحكم لابن سلامة : 189 .

حتى انتهى إلى حمراء الأسد ليرهب العدو ، وهي سوق على ثلاثة أميال من المدينة ، ثم رجع إلى المدينة "يوم الجمعة" .

وخرج أبو سفيان حتى انتهى إلى الروحاء ، فرأى معبد الخزاعي ، فقال : ما وراك ؟ فأنشده :

كادت تهدّ من الأصوات راحلتي

إذ سالت الأرض بالجرد الأبابيل

تردى بأسد كرام لا تنابلة(1)

عند اللقاء ولا خرق معاذيل(2)

فقال أبو سفيان لركب من عبد القيس : أبلغوا محمداً ! أنّي قتلت صناديدكم ، وأردت الرجعة لأستأصلكم ، فقال النبي صلى الله عليه وآله : حسبنا اللَّه ونعم الوكيل .

قال أبو رافع م قال ذلك علي عليه السلام ، فنزل « الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ »(3) الآية .

ورجع النبي صلى الله عليه وآله إلى المدينة يوم الجمعة .

غزوة الرجيع

ثم كانت غزوة الرجيع - ماء لهذيل - ، وذلك أنّه قدم على البني صلى الله عليه وآله من عضل والديش ، وقالوا : ابعث معنا نفراً يعلموننا القرآن ويفقهوننا

ص: 237


1- 531. تنبل : التنبالة والتنبال : القصير الرذل من الرجال . ( كتاب العين ) .
2- 532. في بعض النسخ : « معازيل » ، والمعازيل : جمع المعزال ، وهو من لا سلاح معه .
3- 533. مجمع البيان : 2/448 ، جامع البيان للطبري : 4/238 ، إعلام الورى : 1/183 .

في الدين ، فبعث مرثد بن أبي مرثد الغنوي - حليف حمزة - في ستة نفر ، وهم : خالد بن بكر ، وعاصم بن ثابت الأفلح ، وجنيب بن عدي ، وزيد بن دثنه ، وعبد اللَّه بن طارق .

فلمّا بلغوا بطن الرجيع قاتلوا القوم ، فقالوا : لكم عهد اللَّه وميثاقه ألّا نقتلكم ، فلم يزل مرثد وخالد وعاصم يقاتلون حتى قتلوا ، وكان عاصم يقول :

أبو سليمان رضيع المقصد

ومخبأ(1) من جلد ثور أجلد

وأمّا زيد وجنيب وعبد اللَّه أعطوا بأيديهم ، فخرجوا إلى مكة ، فانتزع عبد اللَّه يده واستأخر عنهم ، فرموه بالحجارة حتى قتلوه ، وأمّا زيد فابتاعه صفوان بن أمية ليقتله بأبيه ، وأمّا جنيب فابتاعه حجم بن إهاب التميمي لعقبة بن الحراث ليقتله بأبيه ، فلمّا أحسّ قتله قال : ذروني أصلّي ركعتين ، فتركوه ، فصلّى سجدتين ، فجرت سنّة لمن قتل صبراً أن يصلّي ركعتين .

ثم قال :

وذلك في ذات الإله ولم يشا

يبارك في أوصال شلو ممزّق

وبعث محمد بن مسلمة في نفر ، فقتلهم المشركون إلّا محمداً ظنّوا أنّه قتل(2) .

ص: 238


1- 534. في بعض النسخ : « مجنأ » : وهو الترس .
2- 535. إعلام الورى : 1/185 ، السيرة لابن هشام : 3/668 ، تفسير الثعلبي : 2/120 .

سنة أربع

غزوة بئر معونة

كانت غزوة بئر معونة ، ونزل في شهدائهم « الَّذِينَ قالُوا لإِِخْوانِهِمْ وَقَعَدُوا » .

محمد بن إسحاق : قدم أبو براء عامر بن مالك بن جعفر - ملاعب الأسنة - ، وكان سيد بني عامر بن صعصعة على رسول اللَّه صلى الله عليه وآله المدينة ، وأهدى له هدية ، فقال له : يا أبا براء ، لا أقبل هدية مشرك ، فقال : فلو بعثت رجالاً إلى أهل نجد لأجابوك .

قال : أخشى عليهم ، قال : أنا لهم جار ، فابعثهم فليدعوا الناس إلى أمرك .

فبعث المنذر بن عمرو أخا بني ساعدة في سبعين رجلاً من خيار المسلمين ، منهم : الحارث بن الصمة ، وحزام بن ملحان ، وعروة بن أسماء السلمي ، ونافع بن بديل بن ورقاء الخزاعي ، وعامر بن فهيرة ، والمنذر بن عمرو الساعدي .

فخرج حزام بن ملحان بكتاب رسول اللَّه صلى الله عليه وآله إلى عامر بن الطفيل ، فلم ينظر عامر إليه ، فقال حزام : يا أهل بئر معونة ، إنّي رسول رسول اللَّه صلى الله عليه وآله إليكم ، وإنّي أشهد أن لا إله إلّا اللَّه ، وأنّ محمداً رسول اللَّه ، فآمنوا باللَّه ورسوله ، فطعنه رجل .

ثم استصرخ عامر بن الطفيل بني عامر على المسلمين ، فلم يجيبوه ،

ص: 239

وقالوا : لن نخفر(1) أبا براء ، وعقد لهم عقوداً وجواراً ، فاستصرح عليهم قبائل بني سليم عصية ورعلاً وذكوان ، فأجابوه .

فخرج حتى غشوا القوم فقاتلوهم حتى قتلوا عن آخرهم إلّا كعب بن زيد ، فإنّهم تركوه وبه رمق ، فارتث من بين القتلى ، فعاش حتى قتل يوم الخندق .

وكان رجلان في سرح القوم ، فرأيا الطير تحوم حول العسكر ، فأقبلا لينظرا إليه ، فإذا القوم في دمائهم والخيل واقفة ، فقاتلهم الأنصاري حتى قتل ، وأخذوا عمرو بن أمية أسيراً ، فلمّا أخبرهم أنّه من مضر أطلقه عامر بن الطفيل ، وجزّ ناصيته وأعتقه .

فقدم عمرو على النبي صلى الله عليه وآله ، وأخبره الخبر ، فقال : هذا عمل أبي براء .

فقال حسان :

بني أم البنين ألم يرعكم

وأنتم من ذوائب أهل نجد

تهكّم عامر بأبي براء

ليخفره وما خطأ كعمد

وقال كعب بن مالك :

لقد طارت شعاعاً(2) كلّ وجه

خفارة ما أجار أبو براء

فلمّا بلغ قولهما إليه حمل على عامر بن الطفيل ، فطعنه فخرّ عن فرسه ، فقال : هذا عمل أبي براء ، فإن متّ فدمي لعمّي ، وإن عشت فسأرى فيه رأيي .

ص: 240


1- 536. في نسخة « النجف » : « تخفر » . وأخفر : أجار وحمى .
2- 537. الشعاع : المتفرّق ، المنتشر .

قال : وأنزل اللَّه في شهداء بئر معونة قرآناً « بلّغوا عنّا قومنا إنّا قد لقينا ربّنا ، فرضي عنّا ورضينا عنه » ، ثم نسخت ورفعت ، ونزل « وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ » الآية(1) .

غزوة بني النضير

مجاهد : في قوله « وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا » الآية ، نزلت في بني قريظة وبني النضير ، لمّا دخل النبي صلى الله عليه وآله المدينة صالحه بنو النضير على أن لا يكونوا له ولا عليه .

فلمّا غزا قالوا : واللَّه إنّه للنبي الذي وجدنا نعته في التوراة ، فلمّا هزم المسلمون في أحد ارتابوا ونقضوا العهد .

واجتمع كعب بن الأشرف في أربعين ، وأبو سفيان في أربعين ، وتعاهدا بين الأستار والكعبة ، فنزل جبرئيل عليه السلام بسورة الحشر ، فبعث النبي صلى الله عليه وآله محمد بن مسلمة بقتله ، فقتله بالليل .

ثم قصد صلى الله عليه وآله إليهم ، وعمد على حصارهم ، فضرب قبّتة في بني حطمة من البطحاء ، فلمّا أقبل الليل أصاب القبّة سهم ، فحوّلت القبّة إلى السفح ، وحوتها الصحابة .

فلمّا أمسوا فقدوا علياً عليه السلام ، فقالوا في ذلك ، فقال صلى الله عليه وآله : أراه في بعض ما يصلح شأنكم ، فلم يلبث أن جاء رأس الرامي ، وهو غرور اليهودي ،

ص: 241


1- 538. مجمع البيان : 2/440 ، تفسير الثعلبي : 3/202 ، تاريخ الطبري : 2/219 .

وأخذ من النبي صلى الله عليه وآله عشرة ، فيهم : أبو دجانة ، وسهل بن حنيف ، فما لبث أن جاء بتسعة رؤوس ، فطرح في آبارهم .

وفي تلك الليلة قتل كعب بن الأشرف .

ثم حاصرهم نيفاً وعشرين يوماً ، وأمر بقطع نخلات ، قوله « ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً » .

وهي البويرة في قول حسان :

وهان على سراة بني لؤيّ

حريق بالبويرة مستطير

ثم أمسك عن قطعها بمقالهم ، واصطلحوا أن يخرجوا ، قوله : « هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا » ، فخرجوا إلى أذرعات وأريحا وخيبر وحيرة ، وجعل لكلّ ثلاثة منهم بعيراً ، واصطفى أموالهم ، وكانت أول صافية قسمها بين المهاجرين الأولين ، وهم ثلاثة : أبو دجانة ، وسهل بن حنيف ، وحارث بن الصمة .

وأمر علياً عليه السلام فحاز للنبي صلى الله عليه وآله ، فجعله صدقة ، وكان في يده حال حياته ، وفي يد علي عليه السلام بعده ، وهو الذي في أيدي ولد فاطمة عليها السلام إلى اليوم(1) .

غزوة بني لحيان

في جمادى الأولى ، وكان بينهما الرمي بالحجارة ، وصلّى فيها صلاة الخوف بعسفان .

ص: 242


1- 539. مجمع البيان : 9/425 ، تفسير الثعلبي : 9/266 .

ويقال : في ذات الرقاع مع غطفان ، سمّيت بذلك ، لأنّه جبل يقع فيه حمرة وسواد وبياض .

ويقال : لأنّ ستة نفر من أصحاب الصفة كانوا حفاة ، وكانوا يلفون الخرق على أقدامهم من شدّة الطريق ، وتسقط منهم الرقاع والخرق .

وكان ذلك بعد النضير بشهرين(1) .

قال البخاري : بعد خيبر(2) ، ولم يكن حرب .

ص: 243


1- 540. إعلام الورى : 1/189 ، الطبقات الكبرى : 2/61 .
2- 541. البخاري : 5/51 .

سنة خمس

غزوة الخندق

إجتماع المشركين

في شوال ، غزوة الخندق ، وهي الأحزاب ، قوله « إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ » أي من قبل المشرق « وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ » أي من المغرب ، إلى قوله « غُرُوراً » .

فخرج إليه أبو سفيان بقريش ، والحارث بن عوف في بني مرّة ، ووبرة بن طريف ومسعود بن جبلة في أشجع ، وطليحة بن خويلد الأسدي في بني أسد ، وعيينة بن حصن الفزاري في غطفان وبني فزارة ، وقيس بن غيلان وأبو الأعور السلمي في بني سليم ، ومن اليهود حي بن أخطب ، وكنانة بن الربيع وسلام بن أبي الحقيق وهوذة بن قيس الوالبي في رجالهم ، فكانوا ثمانية عشر ألف رجل ، والمسلمون في ثلاثة آلاف .

فلمّا سمع النبي صلى الله عليه وآله باجتماعهم استشار أصحابه ، فاجتمعوا على المقام بالمدينة ، وحربهم على أنقابها(1)(2) ، وأشار سلمان بالخندق ، فأقاموا بضعاً وعشرين ليلة لم يكن بينهم حرب إلّا مرامات .

دعاء النبي صلى الله عليه وآله

فلمّا رأى النبي صلى الله عليه وآله ضعف قومه استشار سعد بن معاذ وسعد بن عبادة

ص: 244


1- 542. أنقاب : جمع نقب ، وهو الطريق في الجبل .
2- 543. في نسخة النجف : « وحرّضهم على اتقائها » .

في المصالحة على ثلث ثمار المدينة لعيينة بن حصن والحارث بن عوف فأبيا ، فقال صلى الله عليه وآله : إنّ اللَّه - تعالى - لن يخذل نبيه ، ولن يسلمه حتى ينجز له ما وعده ، فقام صلى الله عليه وآله يدعوهم إلى الجهاد ، ويعدهم النصر .

وكان الكفار على الخمر والغناء والمدد والشوكة ، والمسلمون كأنّ على رؤوسهم الطير لمكان عمرو ، والنبي صلى الله عليه وآله جاث على ركبتيه ، باسط يديه ، باكية عيناه ، ينادي بأشجى صوت : يا صريخ المكروبين ، يا مجيب دعوة المضطرين ، اكشف همّي وكربي ، فقد ترى حالي .

عبد اللَّه بن أوفى : ودعا عليهم وقال : اللّهم منزل الكتاب ، سريع الحساب ، اهزم الأحزاب .

مبارزة أمير المؤمنين عليه السلام وفرار الأعداء

فابتدر للبراز عمرو بن عبد ود ، وعكرمة بن أبي جهل المخزومي ، وضرار بن أبي الخطاب ، ومرداس الفهري - قال الواقدي : ونوفل بن عبد اللَّه بن المغيرة - ، حتى وقفوا على الخندق ، وقالوا : واللَّه هذه مكيدة ما كانت العرب تكيدها .

فقال عمرو :

يا لك من مكيدة ما أنكرك

لابد للملهوب(1) من أن يعبرك

ثم زعق على فرسه في مضيق ، فقفز به إلى السبخة بين الخندق وسلع .

ص: 245


1- 544. قيل : الملهوب هو اسم فرس عمرو بن عبد ودّ العامري .

قال الطبري : فخرج علي عليه السلام في نفر من المسلمين حتى أخذ الثغرة وسلّمها إليهم ، ثم بارز عمروا وقتله .

فبعث المشركون إلى النبي صلى الله عليه وآله يشترون جيفة عمرو بعشرة آلاف ، فقال النبي صلى الله عليه وآله : هو لكم لا نأكل ثمن الموتى .

ابن إسحاق : قتل فيه ستة من المسلمين ، وثلاثة من المشركين ، فنزل : « اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ » السورة .

فأرسل النبي صلى الله عليه وآله حذيفة ليأتيه بخبرهم .

قال حذيفة : فخرجت ، فإذا أنا بنيران القوم قد طفيت وخمدت ، وأقبل جند اللَّه الأعظم ريح شديد فيها الحصى ، فما ترك لهم نارا إلّا أخمدها ، ولا خباء إلّا طرحها ، ولا رمحاً إلّا ألقاها ، حتى جعلوا يتترّسون من الحصى ، وكنت أسمع وقع الحصى في الترسه ، فصاحوا : النجاء النجاء ، وذهبوا .

رثاء الخنساء

أبو الحسين المدائني : لمّا نعي إلى خنساء قالت : من الذي اجترى عليه ؟ قالوا : علي عليه السلام .

قالت : قتل الأبطال ، وبارز الأقران ، وكانت منيّته على يد كريم قومه ، ما سمعت أفخر من هذا يا بني عامر .

ثم أنشأت :

لو كان قاتل عمرو غير قاتله

لكنت أبكي عليه آخر الأبد

لكن قاتله من لا يعاب به

من كان يدعى قديماً بيضة البلد

ص: 246

وروي عن أختيه كبشة وعمرة ، وعن ابنته أم كلثوم :

أسدان في ضيق المكر تصاولا

وكلاهما كفو كريم باسل

فتخالسا مهج النفوس كلاهما

وسط المذاذ مخاتل ومقاتل

وكلاهما حضرا(1) القراع حفيظة

لم يثنه من ذاك شغل شاغل

فاذهب علي فما ظفرت بمثله

قول سديد ليس فيه تحامل

فالثار عندي يا علي وليتني

أدركته والعقل منّي كامل

ذلّت قريش بعد مقتل فارس

فالذلّ مهلكها وخزي شامل

ثم قالت : واللَّه لا ثأرت قريش بأخي ما حنت النيب(2)(3) .

بنو قريظة

وأنزل « الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ » إلى قوله « قَدِيراً » كانت في ذي القعدة ، وكانوا نقضوا العهد مع النبي صلى الله عليه وآله .

الزهري وعروة : لمّا دخل النبي صلى الله عليه وآله المدينة ، وجعلت فاطمة عليها السلام تغسل رأسه ، إذ قال له جبرئيل عليه السلام : رحمك ربّك ، وضعت السلاح ولم يضعه أهل السماء ، ما زلت أتبعهم حتى بلغت الروحاء ، فقال النبي صلى الله عليه وآله : لا تصلّوا العصر إلّا في بني قريظة ، وسأل صلى الله عليه وآله : هل مرّ بكم الفارس آنفاً ؟

ص: 247


1- 545. في بعض النسخ : « حفظا » .
2- 546. الإرشاد للمفيد : 1/94 - 109 .
3- 547. النيب : جمع الناب ، وهي من الإبل الناقة المسنة ، سمّوها بذلك حين طال نابها وعظم .

قالوا : نعم ، فقالوا : مرّ بنا دحية الكلبي على بغلة شهباء تحته قطيفة ديباج ، فقال صلى الله عليه وآله : ليس ذلك بدحية ، ولكنّه جبرئيل عليه السلام أرسل إلى بني قريظة ليزلزلهم ، ويقذف في قلوبهم الرعب .

تقيدم أمير المؤمنين

ثم قدّم علياً عليه السلام وقال : سر على بركة اللَّه ، فإنّ اللَّه قد وعدكم أرضهم وديارهم ، ومعه المهاجرون وبنو النجار وبنو الأشهل ، وجعل يسرب(1) إليه الرجال .

فلمّا رأوا علياً عليه السلام قالوا : أقبل عليكم قاتل عمرو ، فقال علي عليه السلام : الحمد للَّه الذي أظهر الإسلام ، وقمع الشرك .

حكم سعد بن معاذ فيهم

فحاصرهم النبي صلى الله عليه وآله خمساً وعشرين ليلة ، فقال كعب بن أسد : يا معشر اليهود نبايع هذا الرجل ، وقد تبيّن أنّه نبي مرسل ، قالوا : لا ، قال : فنقتل أبناءنا ونساءنا ، ونخرج إليه مصلتين ، قالوا : لا ، قال : فنثب عليه وهو يأمن علينا ، لأنّها ليلة السبت ، قالوا : لا .

فاتفقوا على أن ينزلوا على حكم سعد بن معاذ .

وكان سعد أصاب أكحله نبلة في الأحزاب ، فقال : اللّهم إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئاً فابقني لحربهم ، وإن كنت دفعتها فاجعلها لي شهادة ، ولا تمتني حتى تقرّ عيني من بني قريظة .

ص: 248


1- 548. يسرب : يرسل اليه الرجال طائفة بعد طائفة .

قال الصادق عليه السلام : فحكم فيهم - يعني سعداً - بقتل الرجال ، وسبي الذراري والنساء ، وقسمة الأموال ، وأن يجعل عقارهم للمهاجرين دون الأنصار .

فقال النبي صلى الله عليه وآله : لقد حكمت فيهم بحكم اللَّه فوق سبعة أرقعة(1)(2) .

وفيه يقول الحميري :

قال الجوار من الكثير بمنزل

يجري لديه كنيسة المتنسب

فقضى بما رضي الإله لهم به

بالقتل والحرب المسل المحرب

قتل الكهول وكلّ مرء منهم

وسقى عقائل بدّناً كالربرب

وقضى عقارهم لكلّ مهاجر

دون الأولى نصروا ولم يتهيّب

فقتل منهم أربعمائة وخمسين رجلاً ، وقسم الأموال ، واسترق الذراري ، وحبسوا الأسرى في دار من دور بني النجار .

فخرج النبي صلى الله عليه وآله إلى موضع هو السوق اليوم ، فخندق فيها خنادقاً ، وأمر بهم فأخرجوا أرسالاً ، وكانوا سبعمائة رجل ، فقتل علي عليه السلام عشراً ، وقتل الزبير عشراً ، وقلّ رجل من الصحابة إلّا قتل رجلاً أو رجلين .

الواقدي : وكانت بنانة أرسلت إلى خلال بن سويد بن ثعلبة حجراً ،

ص: 249


1- 549. في نسخة « النجف » : « أوقعة » .
2- 550. الأَرْقَعُ والرَّقِيعُ : اسمان للسماء الدُّنيا ، لأَنّ الكواكب رَقَعَتْها ، سمّيت بذلك لأَنّها مَرْقُوعة بالنجوم ، وقيل : سمّيت بذلك لأَنّها رُقِعت بالأَنوار التي فيها ، وقيل : كلّ واحدة من السموات رَقِيع للأُخرى ، والجمع أَرْقِعةٌ ، والسموات السبع يقال : إِنّها سبعة أَرْقِعة ، كلٌ سَماء منها رَقَعت التي تليها ، فكانت طَبَقاً لها كما تَرْقَع الثوبَ بالرُّقعة .

فأمر النبي صلى الله عليه وآله بقتلها ، ولم يقتل فيه من المسلمين غير الخلال ، واصطفى النبي صلى الله عليه وآله عمرة ، ثم بعث صلى الله عليه وآله عبد اللَّه بن عتيك إلى خيبر ، فقتل أبا رافع بن أبي الحقيق(1) .

المريسيع

بنو المصطلق من خزاعة - وهو المريسيع - غزاهم علي عليه السلام في شعبان ، ورأسهم الحارث بن أبي ضرار ، وأصيب - يومئذٍ - ناس من بني عبد المطلب ، فقتل علي عليه السلام مالكاً وابنه ، فأصاب النبي صلى الله عليه وآله سبياً كثيراً ، وكان سبى علي عليه السلام جويرة بنت الحارث بن أبي ضرار ، فاصطفاها النبي صلى الله عليه وآله .

فجاء أبوها إلى النبي صلى الله عليه وآله بفداء ابنته ، فسأله النبي صلى الله عليه وآله عن جملين خبأهما في شعب كذا ، فقال الرجل : أشهد أن لا إله إلّا اللَّه ، وأنّك لرسول اللَّه ، واللَّه ما عرفهما أحد سواي .

ثم قال : يا رسول اللَّه ، إنّ ابنتي لا تسبى ، إنّها إمرأة كريمة ، قال : فاذهب فخيرها ، قال : قد أحسنت وأجملت .

وجاء إليها أبوها ، فقال لها : يا بنية ، لا تفضحي قومك ، فقالت : قد اخترت اللَّه ورسوله صلى الله عليه وآله ، فدعا عليها أبوها ، فأعتقها رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، وجعلها في جملة أزواجه .

ص: 250


1- 551. إعلام الورى : 90 -94 ، القصص للراوندي : 343 ، الدرر لابن عبد البر : 178 ، مجمع البيان : 8/147 .

فلمّا سمع القوم ذلك أرسلوا ما كان في أيديهم من بنى المصطلق ، فما علم امرأة أعظم بركة على قومها منها .

وفي هذه الغزاة نزلت « إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالإِْفْكِ » .

وفيها قال عبيد اللَّه بن أبي : « لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَْعَزُّ مِنْهَا الأَْذَلَّ »(1) .

ص: 251


1- 552. إعلام الورى : 1/196 ، تاريخ الطبري : 2/260 ، الدرر : 188 .

سنة ست

بعث عكاشة

في "شهر" ربيع الأول بعث عكاشة بن محصن في أربعين رجلاً إلى العمرة ، فهربوا وأصاب مائتي بعير(1) .

بعث أبا عبيدة

وفيها بعث أبا عبيدة بن الجراح إلى القصّة في أربعين رجلاً ، فأغار عليهم(2) .

سرية زيد

وفيها سرية زيد بن حارثة إلى الجموم(3) من أرض بني سليم ، فأصابوا ووصلوا إلى بني ثعلبة في خمسة عشر رجلاً ، فهربوا وأصاب منهم عشرين بعيراً(4) .

ص: 252


1- 553. إعلام الورى : 1/200 ، تاريخ الطبري : 2/285 ، دلائل النبوة للبيهقي : 4/82 .
2- 554. إعلام الورى : 1/201 ، المغازي للواقدي : 2/522 .
3- 555. في بعض النسخ : « الجموح » .
4- 556. إعلام الورى : 1/201 ، الطبقات الكبرى : 2/86 ، تاريخ الطبري : 2/287 .

غزوة زيد

وغزوة زيد إلى العيص في جمادى الأولى(1) .

غزوة بني قرد

وغزوة بني قرد ، وذلك أنّ ناساً من الأعراب قدموا ، وساقوا الإبل ، فخرج إليهم رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، وقدّم أبا قتادة الأنصاري مع جماعة ، فاستردّها منهم(2) .

قال حسان :

أظنّ عتيبة إذ زارها

بأن سوف يهدم منها قصورا

فعفت المدينة إذ زرتها

وآنست للأسد فيها زئيرا(3)

وبعث محمد بن مسلمة إلى قوم من هوازن ، فكمن القوم لهم ، وأفلت محمد ، وقتل أصحابه(4) .

ص: 253


1- 557. إعلام الورى : 1/201 ، المغازي للواقدي : 2/553 ، الطبقات الكبرى : 2/87 ، دلائل النبوة للبيهقي : 4/84 .
2- 558. تاريخ الطبري : 2/255 ، الثقات لابن حبان : 1/307 ، الطبقات الكبرى : 2/80 .
3- 559. السيرة لابن هشام : 3/756 .
4- 560. إعلام الورى : 1/201 ، المغازي للواقدي : 2/551 ، الطبقات الكبرى : 2/85 ، تاريخ الطبري : 2/285 .

ذات السلاسل

وهو حصن ، وذلك أنّ أعرابياً جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله ، فقال : إنّ لي نصيحة ، قال : وما نصيحتك ؟ قال : اجتمع بنو سليم بوادي الرمل عند الحرّة على أن يبيتوك بها(1) . . القصّة .

غزوة أمير المؤمنين

وفيها غزوة علي بن أبي طالب عليهما السلام إلى بنى عبداللَّه بن سعد من أهل فدك، وذلك أنّه بلغ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله أنّ لهم جمعاً يريدون أن يمدّوا يهود خيبر(2) .

سرية عبد الرحمن

وفيها سرية عبد الرحمن بن عوف إلى دومة الجندل في شعبان(3) .

سرية العرنيين

وسرية العرنيين الذين قتلوا راعي النبي صلى الله عليه وآله ، واستاقوا الإبل ، وكانوا عشرين فارساً(4) .

ص: 254


1- 561. الإرشاد للمفيد : 1/162 .
2- 562. إعلام الورى : 1/202 ، الطبقات الكبرى : 2/89 ، تاريخ الطبري : 2/287 .
3- 563. إعلام الورى : 1/202 ، المغازي للواقدي : 2/560 ، الطبقات الكبرى : 2/89 .
4- 564. إعلام الورى : 1/202 ، دلائل النبوة للبيهقي : 4/87 ، المصنف لابن أبي شيبة : 7/594 .

سرية لرسول اللَّه صلى الله عليه وآله

وفيها أخذت أموال أبي العاص بن الربيع ، وقد خرج تاجراً إلى الشام ومعه بضائع قريش فلقيته سرية لرسول اللَّه واستاقوا عيره وأفلت(1) .

غزوة الغاية

وفيها غزوة الغاية(2) .

صلح الحديبية

ثم اعتمر عمرة الحديبية في ألف ونيف رجل وسبعين بدنة ، فهمّت قريش في صدّه ، وبعثوا إليه مكرز بن حفص وخالد بن الوليد ، وصدّوا الهدي ، فبعث النبي صلى الله عليه وآله عثمان إليهم يرى أنّه معتمر ، فلمّا أبطأ أخذ صلى الله عليه وآله البيعة تحت شجرة السمرة على أن لا يفرّوا .

قال الزهري : فلمّا صار بذي الحليفة قلّد النبي صلى الله عليه وآله الهدي وأشعره ، وأحرم بالعمرة .

فلمّا بلغ غدير الاشطاط عند عسفان أتاه عتبة الخزاعي ، فقال : إنّ كعب بن لوي وعامر بن لوي جمعوا لك الجموع ، وهم مقاتلوك وصادّوك عن البيت .

ص: 255


1- 565. إعلام الورى : 1/203 ، المغازي للواقدي : 2/553 ، دلائل النبوة للبيهقي : 4/85 .
2- 566. الطبقات الكبرى : 3/96 ، الإستيعاب : 3/1365 .

فقال صلى الله عليه وآله : روحوا ، فراحوا حتى إذا كان ببعض الطريق ، قال صلى الله عليه وآله : إنّ خالد بن الوليد بالغميم(1) طليعة ، فخذوا ذات اليمين .

وسار حتى إذا كان بالثنية بركت ناقته ، فقال : ما خلأت(2) القصوى ، ولكن حبسها حابس الفيل ، ثم قال : واللَّه لا يسألونني خطّة يعظمون فيها حرمات اللَّه إلّا أعطيتهم إياها .

قال : فعدل حتى نزل بأقصى الحديبية على ثمد . . القصّة .

فأتاهم بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من خزاعة ، وكان(3) عيبة نصح رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، وقال كما قال الغير ، فقال النبي صلى الله عليه وآله : إنّا لم نجئ لقتال أحد ، ولكنّا جئنا معتمرين ، في كلام له بين الصلح والحرب ، فقال بديل : سأبلغهم ما تقول .

فأتى قريشاً وقال : إنّ هذا الرجل يقول كذا وكذا ، فقال عروة بن مسعود الثقفي : إنّه قد عرض عليكم خطّة رشد فاقبلوها ، فقالوا : ائته ، فأتى النبي صلى الله عليه وآله ، وسمع منه مثل مقالته لبديل ، ورأى تعظيم الصحابة له صلى الله عليه وآله .

ص: 256


1- 567. الغميم : قيل : موضع بين مكة والمدينة ، وقيل : موضع قرب المدينة بين رابغ والجحفة .
2- 568. في نسخة « النجف » : « حلأت » ، وحلأت : الإبل : حبستها عن الورد ، وخَلأَتِ الناقةُ : بَرَكَتْ ، أَو حَرَنَتْ مِنْ غير علّةٍ ؛ وقيل : اذا لم تَبْرَحْ مَكانَها ، وخلأت الناقة : اذا بَرَكَتْ فلم تَقُمْ .
3- 569. في المخطوطة : « وكانوا » .

فلمّا رجع قال : أي قوم - واللَّه - لقد وفدت على قيصر وكسرى والنجاشي ، واللَّه ما رأيت ملكاً قطّ يعظّمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد صلى الله عليه وآله محمداً ، يقتتلون على وضوئه ، ويتبادرون لأمره ، ويخفضون أصواتهم عنده ، وما يحدّون إليه النظر تعظيماً له ، وإنّه قد عرض عليكم خطّة رشد فاقبلوه .

فقال رجل من بني كنانة : آته ، فلمّا أشرف عليهم قال النبي صلى الله عليه وآله : هذا فلان ، وهو من قوم يعظّمون البدن ، فابعثوها ، فبعثت له واستقبله القوم يلبّون ، فلمّا رأى ذلك قال : سبحان اللَّه ، ما ينبغي لهؤلاء أن يصدّوا عن البيت الحرام .

ثم جاء مكرز بن حفص ، فجعل يكلّم النبي صلى الله عليه وآله إذ جاء سهيل بن عمرو ، فقال صلى الله عليه وآله : قد سهل عليكم أمركم ، فجلس وضرع إلى النبي صلى الله عليه وآله في الصلح ، ونزل عليه الوحي بالإجابة إلى ذلك ، وأن يكتب علي عليه السلام ، فقال النبي صلى الله عليه وآله : اكتب بسم اللَّه الرحمن الرحيم . . القصّة .

كتابة العهد بين النبي صلى الله عليه وآله وبين أهل مكة

ثم كتب : باسمك اللّهم ، واصطلحا على وضع الحرب عن الناس سبع سنين ، يأمن فيهن الناس ، ويكفّ بعضهم عن بعض ، ويأمن المجتازين من الفريقين ، وأنّ العهد بيننا عيبة مكفوفة ، وأنّه لا إسلال ولا أغلال ، وأنّه من أحبّ أن يدخل في عقد محمد صلى الله عليه وآله وعهده دخل ، ومن أحبّ أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه .

ص: 257

وعلى أن لا يستكره أحد على دينه ، وعلى أن يعبد اللَّه بمكة علانية ، وعلى أنّ محمداً ينحر الهدى مكانه ، وعلى أن يخلّيها له في قابل ثلاثة أيام ، فيدخلها بسلاح الراكب ، ويخرج قريشاً كلّها من مكة إلّا رجل واحد من قريش يخلفونه مع محمد صلى الله عليه وآله وأصحابه ، ومن لحق محمداً صلى الله عليه وآله وأصحابه من قريش ، فإنّ محمداً صلى الله عليه وآله يردّه عليهم ، ومن رجع من أصحابه إلى قريش فلا يردّون إليه .

فقال المسلمون في ذلك ، فقال النبي صلى الله عليه وآله : من جاءهم منّا فأبعده اللَّه ، ومن جاءنا منهم رددناه إليهم ، فلو علم اللَّه الإسلام من قلبه جعل له مخرجاً .

إذ جاء أبو جندل بن سهل بن عمرو يرسف في قيوده ، فقال سهيل : هذا - يا محمد - أول ما أفاوضك عليه أن تردّه ، فقال صلى الله عليه وآله : إنّا لم نقض بالكتاب بعد ، قال : واللَّه ، لا أصالحك على شي ء أبداً ، فقال النبي صلى الله عليه وآله : فأجره لي ، قال : ما أنا بمجيره لك ، قال مكرز : بلى أجرناه ، فقال النبي صلى الله عليه وآله : إنّه ليس عليه بأس ، إنّما يرجع إلى أبيه وأمّه ، فإنّي أريد أن أتمّ لقريش شرطها ، فقال عمرو : واللَّه ما شككت منذ أسلمت . . القصّة .

بعد الصلح

فنزل « إِنَّا فَتَحْنا لَكَ » ، فنحر رسول اللَّه صلى الله عليه وآله بدنة ، وأمر بحلق شعره(1) .

* * *

ص: 258


1- 570. إعلام الورى : 1/203 ، تاريخ الطبري : 2/273 ، الطبقات الكبرى : 2/96 .

قال الصادق عليه السلام : فما انقضت تلك المدّة حتى كاد الإسلام يستولي على أهل مكة .

* * *

ولمّا رجع صلى الله عليه وآله إلى المدينة انفلت أبو بصير بن أسيد بن حارثة الثقفي من المشركين ، فبعث الأخنس بن شريق في أثره رجلين ، فقتل أحدهما ، فأتى النبي صلى الله عليه وآله مسلماً مهاجراً ، فقال صلى الله عليه وآله : مسعر حرب لو كان معه أحد ، ثم قال : شأنك بسلب صاحبك ، واذهب حيث شئت .

فخرج أبو بصير وتبعه خمسة نفر أيضاً حتى كانوا بين العيص وذى المروة من أرض جهينة على طريق عيرات قريش ممّا يلي سيف البحر .

وانفلت أبو جندل في سبعين راكباً أسلموا ، فلحق بأبي بصير ، واجتمع إليهم ناس من غفار وأسلم وجهينة حتى بلغوا ثلاثمائة ، لا يمرّ بهم عير لقريش إلّا أخذوها وقتلوا أصحابها ، وأخذوا عيراً فيها أبو العاص صهر النبي صلى الله عليه وآله ، فخلّوا سبيله ، ولم يقتلوا أحداً منهم .

فأرسلت قريش أبا سفيان بن حرب إلى النبي صلى الله عليه وآله يتضرّعون إليه أن يبعث إليهم ، فتقدّموا عليه وقالوا : من خرج منّا إليك فامسكه غير حرج(1) .

ص: 259


1- 571. إعلام الورى : 1/205 .

سنة سبع

فتح خيبر

قال الواقدي : فتح خيبر في المحرم ، لمّا دنى النبي صلى الله عليه وآله منها رفع يديه وقال : اللّهم ربّ السماوات السبع وما أظللن ، وربّ الأرضين السبع وما أقللن ، وربّ الشياطين وما أضللن ، أسألك خير هذه القرية ، وخير ما فيها ، وأعوذ بك من شرّها وشرّ ما فيها .

ولمّا رأت أهل خيبر عمل علي عليه السلام قال ابن أبي الحقيق للنبي صلى الله عليه وآله : انزل فأكلمك ، قال : نعم .

فنزل وصالح النبي صلى الله عليه وآله على حقن دماء من في حصونهم ، ويخرجون منها بثوب واحد(1) .

فدك

فلمّا سمع أهل فدك قصّتهم بعثوا محيصة بن مسعود إلى النبي صلى الله عليه وآله يسألونه أن يسترهم بأثواب .

فلمّا نزلوا سألوا النبي صلى الله عليه وآله أن يعاملهم الأموال على النصف ، فصالحهم على ذلك ، وكذلك فعل بأهل خيبر(2) .

ص: 260


1- 572. مجمع البيان : 9/200 ، تفسير الثعلبي : 9/48 ، إعلام الورى : 1/207 .
2- 573. مجمع البيان : 9/203 .

غزوة بني خزيمة

وفيها غزوة بني جذيمة(1) ، وقد كانوا ادعوا الإسلام ، فردّ ما أخذ منهم(2) ، وضمن دية قتلاهم(3) .

غزوة قتل نجد

وفيها غزوة قتل(4) نجد .

بعث ابن رواحة

ثم بعث عبد اللَّه بن رواحة في ثلاثين راكباً إلى البشير(5) بن رزام(6) اليهودي لمّا جمع غطفان(7) .

ص: 261


1- 574. في بعض المصادر : « خزيمة » .
2- 575. ذلك أنّ النبي صلى الله عليه وآله بعث خالد بن الوليد الى بني خزيمة ، وقد كانت بين خالد وبينهم إحنة في الجاهلية - يعني الحقد - فقالوا : قد أسلمنا ، فقال لهم : انزلوا ، فنزلوا ، فوضع فيهم السلاح ، فقتل منهم وأسر ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وآله فقال : اللّهم إنّي أبرء اليك ممّا صنع خالد بن الوليد ، فبعث اليهم أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليهما السلام بالديّة من غنائم خيبر ..
3- 576. تفسير السمرقندي ( ت 383 ) : 3/38 ، الإستيعاب : 2/428 ، الطبقات الكبرى : 2/147 ، تاريخ الطبري : 2/341 ، السيرة لابن هشام : 4/882 .
4- 577. في نسخة « النجف » : « قتلى » .
5- 578. في بعض المصادر : « اليسير » .
6- 579. في بعض النسخ : « دارم » .
7- 580. إعلام الورى : 1/210 ، دلائل النبوة للبيهقي : 4/294 . وفي إعلام الورى : « لمّا بلغه أنّه يجمع غطفان ليغزو بهم ، فأتوه . . » .

بعث غلب الكلبي

وبعث غالب بن عبد اللَّه الكلبي إلى أرض من بنى مرّة(1) .

بعث عيينة

وبعث عيينة بن حصين البدري إلى بني العنبر(2) .

عمرة القضاء

وفى ذي القعدة اعتمر عمرة القضاء في جمع الحديبية ، ودخل مكة وطاف بالبيت على بعيره وبيده محجن(3) ، وعبد اللَّه بن رواحة آخذ بخطامه ويقول :

خلّوا بني الكفار عن سبيله

خلّوا فكلّ الخير في رسوله

قد نزل الرحمن في تنزيله

نضربكم ضرباً على تأويله

ضرباً يزيل الهام عن مقيله

يا ربّ إنّي مؤمن بقيله

فأقام بها ثلاثة أيام(4) .

ص: 262


1- 581. إعلام الورى : 1/211 ، تاريخ الطبري : 2/308 .
2- 582. إعلام الورى : 1/211 ، كتاب المحبر للبغدادي : 125 .
3- 583. المحجن : العصا المعوجة كالصولجان .
4- 584. إعلام الورى : 1/211 ، السيرة لابن هشام : 3/827 .

سنة ثمان

وقعة مؤتة

في جمادى الأولى « وقعة مؤتة » ، وهم ثلاثة آلاف .

في كتاب أبان : قال الصادق عليه السلام : إنّه استعمل عليهم جعفراً ، فإن قتل فزيد ، فإن قتل فابن رواحة ، ثم خرجوا حتى نزلوا معان(1) ، فبلغهم أنّ هرقل قد نزل بمأرب في مائة ألف من الروم ، ومائة ألف من المستعربة ، فانحازوا إلى أرض يقال لها « المشارف » ، ونسبت السيوف المشرفية إليها ، لأنّها طبعت لسليمان بن داود عليه السلام بها ، فاختلفوا في القتال أو في إخبار النبي صلى الله عليه وآله بكثرتهم ، فقال ابن رواحة : ما نقاتل الناس بكثرة ، وإنّما نقاتلهم بهذا الدين ، فلقوا جموعهم بقرى البلقاء ، ثم انحازوا إلى مؤتة .

شهادة جعفر بن أبي طالب عليهما السلام

وفى البخاري : نعى النبي صلى الله عليه وآله جعفراً وزيداً وابن رواحة قبل أن يجي ء خبرهم ، وعيناه تذرفان(2) .

زيد بن أرقم : حارب جعفر على أشقره حتى عقر ، وهو أوّل من عقر فرسه في الإسلام ، فحارب راجلاً حتى قتل(3) .

ص: 263


1- 585. معان : هي مدينة في طرف البادية تلقاء الحجاز من نواحي البلقاء .
2- 586. إعلام الورى : 1/212 ، الدرر لابن عبد البر : 209 ، الثقات لابن حبان : 2/32 ، البخاري : 5/87 ، دلائل النبوة للبيهقي : 4/360 .
3- 587. السيرة لابن إسحاق : 208 ، الأمالي للطوسي : 141 .

فضيل بن يسار عن الباقر عليه السلام قال : أصيب - يومئذٍ - جعفر ، وبه خمسون جراحة ، خمس وعشرون منها في وجهه(1) .

محمد بن جرير : لمّا سقطت الراية أخذها رجل بالقربة لا بالإمرة ، فأخذها منه خالد ابن الوليد ، وجاء عبد الرحمن بن سمرة إلى النبي صلى الله عليه وآله بالخبر(2) .

* * *

محمد بن إسحاق : لمّا أقبل أهل مؤتة تلقّاهم النبي صلى الله عليه وآله ، فجعلت الصحابة يحثون عليهم التراب ويقولون : يا فرّار ، فررتم عن سبيل اللَّه ، فقال صلى الله عليه وآله : ليسوا بفرّار ، ولكنهم الكرّار(3) .

غزوة الفتح

غزوة الفتح ، لليلتين مضتا من شهر رمضان ، وقيل : لثلاث عشرة خلت منه ، وذلك أنّه خرج في نحو من عشرة آلاف رجل وأربعمائة فارس ، وكان نزل « لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ » ، ثم نزل « إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ » ، ونزل « إِنَّا فَتَحْنا لَكَ » ، واستصرخته خزاعة ، فأجمع على المسير إليها وقال : اللّهم خذ العيون عن قريش حتى نأتيها في بلادها ، وكان المؤتمن على هذا السرّ علي عليه السلام ، ثم نماه إلى جماعة من بعد .

ص: 264


1- 588. إعلام الورى : 1/213 .
2- 589. الأمالي للطوسي : 141 ، الدرر لابن عبد البر : 210 .
3- 590. إعلام الورى : 1/215 ، دلائل النبوة للبيهقي : 4/374 ، الطبقات الكبرى : 27/129 .

قال أبان : لمّا انتهى الخبر إلى أبي سفيان ، وهو بالشام - مشاجرة كنانة وخزاعة - أقبل حتى دخل على النبي صلى الله عليه وآله ، فقال : يا محمد ، احقن دماء قومك ، واحرس قريشاً ، وزدنا في المدّة ، قال : غدرتم ، يا أبا سفيان .

فلقي الشيخين فلم يؤجرا ، فدخل على أم حبيبة ، فذهب ليجلس على الفراش فطوته ، فقال : يا بنية ، أرغبت بهذا الفراش عنّي ! قالت : نعم ، هذا فراش رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، ما كنت لتجلس عليه وأنت رجس مشرك .

ثم استجار فاطمة والسبطين عليهم السلام فلم يجب ، فقال لعلي عليه السلام : أنت أمس القوم بي رحماً ، وقد التبست عليّ فانصح لي ، قال : أنت شيخ قريش ، فقم فاستجر بين الناس ، ثم الحق بأهلك .

قال : فترى ذلك نافعي ؟ قال : لا أدري ، فقال : أيّها الناس ، إنّي استجرت بكم ، ثم ركب بعيره وانطلق .

فقدم على قريش ، فقالوا : ما وراك ؟ فقصّ عليهم ، فقالوا : فهل أجاز محمد صلى الله عليه وآله مقال علي عليه السلام ؟ قال : لا ، قالوا : لعب بك الرجل .

ثم سار صلى الله عليه وآله حتى نزل مرّ الظهران(1) ، فخرج في تلك الليلة أبو سفيان وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء هل يسمعون خبراً ، وقد كان العباس يتلقى النبي صلى الله عليه وآله ومعه أبو سفيان بن الحارث وعبد اللَّه بن أمية ، وقد تلقاه بثنية العقاب ، والنبي صلى الله عليه وآله في فتية ، فدخل العباس عليه وقال : بأبي أنت وأمّي ، هذا ابن عمّك قد جاء تائباً ، وابن عمّتك ، قال : لا حاجة لي فيهما ،

ص: 265


1- 591. مرّ الظهران : واد قرب مكة ، وفيها عيون كثيرة ونخيل لأسلم وهذيل وغاضرة .

إنّ ابن عمّي انتهك عرضي ، وأمّا ابن عمّتي ، فهو الذي يقول بمكة : « لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الأَْرْضِ يَنْبُوعاً » .

وقالت أم سلمة فيهما ، فنادى أبو سفيان كن لنا كما قال العبد الصالح : « لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ » ، فدعا لهما ! وقبل منهما .

اسلام أبي سفيان اضطراراً

وقال العباس : هو - واللَّه - هلاك قريش إن دخلها عنوة ، فركب بغلة النبي صلى الله عليه وآله البيضاء ليطلب الخطابة ، أو صاحب لين يأمره أن يأتي قريشاً فيركبون إليه ، ويستأمنون إليه ، إذ سمع أبا سفيان يقول لبديل وحكيم : ما هذه النيران ؟ قال : هذه خزاعة ، قال : خزاعة أقلّ من هذه ، فلعلّ هذه تميم أو ربيعة .

فعرف العباس صوت أبي سفيان ، وناداه وعرّفه الحال ، قال : فما الحيلة ؟ قال : تركب في عجز هذه البغلة ، فأستأمن لك رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، ففعل ، فكان يجتاز على نار بعد نار ، فانتهى إلى عمر ، فسبقهما إلى النبي صلى الله عليه وآله وقال : هذا أبو سفيان قد أمكنك اللَّه منه بغير عهد ، فدعني أضرب عنقه ، فقال العباس : يا رسول اللَّه ، أبو سفيان وقد أجرته ، قال : أدخله .

فدخل ، فقام بين يديه ، فقال : ويحك - يا أبا سفيان - أما آن لك أن تشهد أن لا إله إلّا اللَّه ، وأنّي رسول اللَّه ، فتلجلج لسانه ، وعلي عليه السلام يقصده بسيفه ، والنبي صلى الله عليه وآله محدق بعلي عليه السلام ، فقال العباس : يضرب - واللَّه - عنقك الساعة أو تشهد الشهادتين ، فأسلم اضطراراً ، فقال له النبي صلى الله عليه وآله : عند من تكون الليلة ؟ قال : عند أبي الفضل ، فسلّمه إليه .

ص: 266

فلمّا أصبح سمع بلالاً يؤذن قال : ما هذا المنادي ؟ ورأي النبي صلى الله عليه وآله ، وهو يتوضأ ، وأيدي المسلمين تحت شعره يستشفون بالقطرات ، فقال : تاللَّه إن رأيت كاليوم كسرى وقيصر .

فلمّا صلّى النبي صلى الله عليه وآله قال : يا رسول اللَّه ، إنّي أحبّ أن تأذن لي أن أذهب إلى قومي ، فأنذرهم وأدعوهم إلى الحقّ ، فأذن له .

دخول مكة

فقال العباس : إنّ أبا سفيان رجل يحبّ الفخر ، فلو خصصته بمعروف ، فقال صلى الله عليه وآله : من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ، ثم قال : ومن أغلق بابه فهو آمن .

فلمّا ذهب أبو سفيان قال النبي صلى الله عليه وآله للعباس : ادركه واحبسه في مضايق الوادي حتى تمرّ به جنود اللَّه ، فرأى خالد بن الوليد في المقدّمة ، والزبير في جهينة ، وأشجع وأبا عبيدة في أسلم ومزينة ، والنبي صلى الله عليه وآله في الأنصار ، وسعد بن عبادة في يده راية النبي صلى الله عليه وآله ، فقال : يا أبا حنظلة ،

اليوم يوم الملحمه

اليوم تسبى الحرمه

يا معشر الأوس والخزرج ، ثاركم يوم الجبل .

فأتى العباس إلى النبي صلى الله عليه وآله ، وأخبره بمقالة سعد ، فقال صلى الله عليه وآله : ليس بما قال سعد شي ء ، ثم قال لعلي عليه السلام : أدرك سعداً فخذ الراية منه ، وادخلها ادخالاً رفيقاً ، فقال سعد : لولاك لما أخذت منّي .

وقال أبو سفيان : يا أبا الفضل ، إنّ ابن أخيك قد كنف ملكاً عظيماً ! فقال العباس : ويحك هذه نبوة .

ص: 267

وأقبل أبو سفيان من أسفل الوادي يركض ، فاستقبلته قريش وقالوا : ما وراك ؟ وما هذا الغبار ؟ قال : محمد ! في خلق ، ثم صاح : يا آل غالب ، البيوت البيوت ، من دخل داري فهو آمن .

فعرفت هند فأخذت تطردهم ، ثم قالت : اقتلوا الشيخ الخبيث ، قبّح من وافد قوم وطليعة قوم ، قال : ويلك ، إنّي رأيت ذات القرون ، ورأيت فارس أبناء الكرام ، ورأيت ملوك كندة ، وفتيان حمير يسلمون آخر النهار ، ويلك اسكتي ، فقد - واللَّه - جاء الحقّ ! وذهبت البلية .

عاقبة فلول المشركين

وكان قد عهد النبي صلى الله عليه وآله : أن لا يقتلوا فيها(1) إلّا من قاتلهم سوى عشرة : الجويرة بن نفيل بن كعب ، ومقيس بن ضبابة(2) ، وقرينة المغنية ، قتلهم أمير المؤمنين عليه السلام ، وعبد اللَّه بن حنظل ، قتله عمار ، أو بريدة أو سعيد بن خبيب المخزومي ، وصفوان بن أمية ، هرب إلى جدّة ، فاستأمنه عبد اللَّه بن وهب ، وأنفذ إليه عمامة النبي صلى الله عليه وآله ، وأسلم ، وعكرمة بن أبي جهل ، هرب إلى اليمن وأسلم ، وعبد اللَّه بن أبي سرح عرف أمير المؤمنين عليه السلام أنّه في دار عثمان ، فأتى عثمان إلى النبي صلى الله عليه وآله شافعاً فشفع ، فلمّا انصرف قال النبي صلى الله عليه وآله في قتله ، فقال سعد بن عبادة : لو رمزت ! فقال النبي صلى الله عليه وآله : لا رمز من النبي .

ص: 268


1- 592. في « المخطوطة » : « منها » .
2- 593. في البحار : « صبابة » .

وسارة مولاة بني عبد المطلب وجدت قتيلة(1) ، وهند دخلت دار أبي سفيان ، فتكلّم أبو سفيان في بيعة النساء ، وعاونته أم الفضل ، وقرأت « يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ » فقبل منهن البيعة .

وقريناً انفلتت ، واستؤمن لها ، فرمحها فرس في الأبطح في إمارة عمر .

قال أبو هريرة : رأى النبي صلى الله عليه وآله أوباش قريش ، فأمر بحصدهم ، فقتلنا منهم عدداً وانهزم الباقون .

شهداء المسلمين

واستشهد من المسلمين ثلاثة نفر ، دخلوا من أسفل مكة وأخطأوا الطريق ، فقتلوا .

أخذ مفتاح الكعبة

بشير بن النبال مرفوعاً : قال النبي صلى الله عليه وآله : عند مَن المفتاح ؟ قالوا : عند أم شيبة ، فدعا شيبة ، فقال : اذهب إلى أمّك فقل لها ترسل بالمفتاح ، قالت له : قتلت مقاتلينا ، وتريد أن تأخذ منّا مكرمتنا ! فقال : لترسلنّ به أو لأقتلنك ، فوضعته في يد الغلام فأخذه .

ودعا عمر وقال : هذا تأويل رؤياي !

ثم قام ، ففتحه وستره ، فمن يومئذٍ يستر ، ثم دعا الغلام فبسط رداءه ، وجعل فيه المفتاح ، وقال : ردّه إلى أمّك .

وأخذ بعضادتي الباب ، ثم قال : لا إله إلّا اللَّه [ وحده وحده ] ، أنجز وعده ، ونصر عبده ، وأعزّ جنده ، وغلب الأحزاب وحده .

ص: 269


1- 594. في « المخطوطة » : « قتيلاً » .

خطبة النبي صلى الله عليه وآله

وكانت صناديد قريش يظنون أنّ السيف لا يرفع عنهم فأنّبهم ، ثم قال : ألا إنّ كلّ دم ومال ومأثرة كانت في الجاهلية ، فإنّها موضوعة تحت قدمي ، إلّا سدانة الكعبة وسقاية الحاج ، فإنّهما مردودتان إلى أهليهما .

ألا إنّ مكة محرّمة بتحريم اللَّه ، لم تحلّ لأحد كان قبلي ، ولم تحلّ لي إلّا ساعة من نهار ، فهي محرّمة إلى أن تقوم الساعة ، لا يختلى خلاها ، ولا يقطع شجرها ، ولا ينفر صيدها ، ولا تحلّ لقطتها إلّا لمنشد .

ثم قال : ألا بئس جيران النبي كنتم ، لقد كذّبتم ، وطردتم ، وأخرجتم ، وفللتم ، ثم ما رضيتم حتى جئتموني في بلادي تقاتلوني ، فاذهبوا فأنتم الطلقاء .

إسلام الطلقاء

فدخلوا في الإسلام ، وأذّن بلال على الكعبة فكره عكرمة ، وقال خالد بن الأسيد : الحمد للَّه الذي أكرم أبا عتاب من هذا اليوم ، وقال سهيل بن عمرو كلاماً ، وقال الحرث بن هشام : أما وجد محمد غير هذا الغراب الأسود مؤذناً ! فقال أبو سفيان : إنّي لا أقول شيئاً - واللَّه - لو نطقت لظننت أنّ هذه الجدر تخبر به محمداً صلى الله عليه وآله .

وبعث - صلوات اللَّه عليه - إليهم ، فأخبرهم بما قالوا ، فاستغفر عتاب وأسلم ، وولّاه النبي صلى الله عليه وآله مكة .

الأصنام

وكان فيها ثلاثمائة وستون صنماً بعضها مشدوداً ببعض بالرصاص ،

ص: 270

فأنفذ أبو سفيان من ليلته « مناة » إلى الحبشة ، ومنها إلى الهند ، فهيأوا لها داراً من مغناطيس ، فتعلّقت في الهواء إلى أيام محمود سبكتكين .

فلمّا غزاها أخذها وكسرها ، ونقلها إلى أصفهان ! وجعلت تحت مارّة الطريق ، فلمّا دخل النبي - صلّى اللَّه عليه وآله - قال : يا علي ، أعطني كفّاً من الحصى . . الخبر .

بعث النبي جماعة وتهور خالد

ثم بعث النبي صلى الله عليه وآله [ عمرو بن أمية ] إلى بني الديل(1) ، وبعبد اللَّه بن سهيل إلى بني محارب ، وبخالد بن الوليد إلى بني جذيمة بن عامر ، وكانوا بالغميصاء ، فشنّ عليهم بعد العهد ، فأسر منهم ، فتبرأ النبي صلى الله عليه وآله من فعله(2) .

حنين

في شوال لمّا أمر النبي صلى الله عليه وآله عتاب بن أسيد على مكة فات الحجّ من فساد هوازن في وادي حنين ، فخرج صلى الله عليه وآله في ألفين من مكة ، وعشرة آلاف كانوا معه ، وكان النبي صلى الله عليه وآله استعار من صفوان بن أمية مائة درع - وهو رئيس جشم - فعابهم أبو بكر لعجبه بهم ، فقال : لن نغلب اليوم عن قلّة ، فنزلت « وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ » الآية .

ص: 271


1- 595. بنو الديل : حي من تغلب ، وفي عبد القيس وفي إياد ، وغيرهم .
2- 596. إعلام الورى : 1/215 وما بعدها ، الطبقات الكبرى : 2/135 ، دلائل النبوة للبيهقي : 4/328 ، الإرشاد : 1/138 .

وأقبل مالك بن عوف النضري فيمن معه من قبائل قيس وثقيف ، وسمع عبد اللَّه بن أبي جدرم - عين رسول اللَّه صلى الله عليه وآله - ابن عوف يقول : يا معشر هوازن ، إنّكم أحد العرب وأعدّهم ، وإنّ هذا الرجل لم يلق قوماً يصدقونه القتال ، فإذا لقيتموه فاكسروا جفون سيوفكم ، واحملوا عليه حملة رجل واحد .

قال الصادق عليه السلام : كان مع هوازن دريد بن الصمة خرجوا به شيخاً كبيراً يتيمّنون به ، فلمّا نزلوا بأوطاس قال : نعم مجال الخيل ، لا حزن ضرس ، ولا سهل دهس ، ما لي أسمع روغاء البعير ، ونهاق الحمير ، وبكاء الصغير ، وثغاء الشاة ، وخوار البقر ، فقال لابن عوف في ذلك ، فقال : أردت أن أجعل خلف كلّ رجل أهله وماله فيقاتل عنهم ، قال : ويحك ، لم تصنع شيئاً ، قدمت بيضة هوازن في نحور الخيل ، وهل يزد وجه المنهزم شي ء ، إنّها إن كانت لك لم ينفعك إلّا رجل بسيفه ورمحه ، وإن كانت عليك فضحت في أهلك ومالك ، ثم قال : حرب عوان ،

يا ليتني فيها جذع

أخبّ فيها واضع

قال : إنّك كبرت وذهب علمك .

ثبات أمير المؤمنين

قال جابر : كان القوم قد كمنوا في شعاب الوادي ومضايقه ، فما راعنا إلّا كتائب الرجال ، فانهزم بنو سليم ، وكانوا على المقدّمة ، وانهزم من وراءهم ، وبقى علي عليه السلام ومعه الراية .

فقال مالك بن عوف : أروني محمداً ! فأروه إياه ، فحمل عليه ، فلقيه أيمن بن عبيدة - وهو ابن أم أيمن - فالتقيا ، فقتله مالك .

ص: 272

قال الشاعر :

وثوى أيمن الأمين من القوم

شهيداً فاعتاض قرّة عين

فقال النبي صلى الله عليه وآله للعباس ، وكان جهورياً : ناد في القوم ، وذكّرهم العهد - يعني قوله - : « وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ » ، فنادى : يا أهل بيعة الشجرة ، إلى أين تفرون ؟ اذكروا العهد ، والقوم على وجوههم ، وذلك في أول ليلة من شوال .

قال : فنظر النبي صلى الله عليه وآله إلى الناس ببعض وجهه في الظلماء ، فأضاء كأنّه القمر ليلة البدر ، وكان علي عليه السلام بين الشعبين حتى لم يبق فيهما مقتول ، وعاونه بعض الأنصار .

فقام النبي صلى الله عليه وآله في ركاب سرجه حتى أشرف عليهم ، وقال : الآن حمى الوطيس . . أنا النبي لا كذب . . أنا ابن عبد المطلب .

وما زال المسلمون يقتلون المشركين ، ويأسرون منهم حتى ارتفع النهار ، فأمر النبي صلى الله عليه وآله بالكفّ .

الغنائم

الصادق عليه السلام : سبى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يوم حنين أربعة آلاف رأس ، وإثني عشر ألف ناقة ، سوى ما لا يعلم من الغنائم .

قال الزهري : ستة آلاف من الذراري والنساء ، ومن البهائم ما لا يحصى ولا يدرى(1) .

ص: 273


1- 597. إعلام الورى : 1/228 ، تاريخ الطبري : 2/228 .

حرب أوطاس وخثعم وثقيف

فأخذت ثقيف إلى الطائف ، والأعراب إلى أوطاس ، فبعث النبي صلى الله عليه وآله أبا عامر الأشعري إلى أوطاس ، فقاتل حتى قتل ، فأخذ الراية أبو موسى الأشعري ! وهو ابن عمّه ، ففتح عليه .

وبعث أبا سفيان إلى ثقيف ، فضربوه على وجهه ، فانهزم وتعلّل .

ثم سار النبي صلى الله عليه وآله بنفسه إلى الطائف ، فحاصرهم أياماً ، ثم أنفذ علياً عليه السلام في خيل ، فبرز شهاب بن عبيس ، فقام إليه علي عليه السلام ، فوثب أبو العاص بن الربيع زوج بنت النبي صلى الله عليه وآله ، فقال : أنا كفؤه أيّها الأمير ، فقال : لا ، ولكن إن قتلت فأنت على الناس .

فبرز إليه علي عليه السلام فقتله ، ومضى حتى كسر الأصنام ، فلمّا انصرف إلى النبي صلى الله عليه وآله ناجاه(1) . . القصّة .

قال محمد بن إسحاق : كان حاصرهم ثلاثين ليلة ، فنزل منهم أبو بكرة والمبيعث وفدان في جماعة ، وأسلموا .

فلمّا قدم وفد الطائف قالوا : ردّ علينا رقيقنا الذين أتوك ، فقال : أولئك عتقاء اللَّه(2) .

ص: 274


1- 598. إعلام الورى : 1/233 .
2- 599. إعلام الورى : 1/234 ، تاريخ اليعقوبي : 2/64 ، دلائل النبوة للبيهقي : 5/156 .

سنة تسع

جيش العسرة

في رجب نزل : « انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً » الآية ، فخطب صلى الله عليه وآله ورغب في المواساة لجيش العسرة ، فأنفق العباس وعثمان وعبد الرحمن وطلحة والزبير وغيرهم ، فنزل : « وَاسْتَفْزِزْ » ليعلم سائر الصحابة بشدّة القيظ ، وقلّة الماء ، واتساق الأمر بلا قتال .

فقصد نحو الروم إلى مدينة تبوك ، وقيل : هو من البوك ، لأنّهم كانوا يبوكون الأرض للماء ، حتى أنّ بعضهم كان يقتل فرسه ويمصّ أحشاه .

إستخلاف أمير المؤمنين

واستخلف علياً عليه السلام في أهله ، وقال : يا علي ، إنّ المدينة لا تصلح إلّا بي أو بك ، وذلك لشفقته عليها من أعدائها ، ونصّه عليه بالقيام بعده ، فعظم ذلك إلّا على الأنصار .

المعذّرون

فضرب النبي صلى الله عليه وآله عسكره فوق ثنية الوداع ، فأبطأ أكثرهم ، فنزل : « إِلاَّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ » ، فسار حتى نزل الجرف(1) .

ص: 275


1- 600. الجرف : موضع على ثلاثة أميال من المدينة نحو الشام به كانت أموال لأهل المدينة ، وفيه بئر جشم ، وبئر جمل ، سمي الجرف لأنّ تبعاً مرّ به .

فرجع عبد اللَّه بن أبي بغير إذن ، فقال : « هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ » الآية .

ويقال : إنّه حلف للتعذّر ، فنزل : « وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ » .

واستأذنه بعض بني غفار في التأخر ، فنزل : « وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ » إلى قوله : « كاذِبِينَ » .

واستأذنه جد بن قيس ومعتب بن قشير ، وأصحابهما من المنافقين ، وكانوا ثمانين رجلاً ، وكان جد بن قيس أظهر شبقه بالنساء ، فنزل « وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي » .

وقال منافق لصحبه : « لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ » ، فنزل : « قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا » .

وقال آخر : إنّه اغترّ بحرب العرب ، وليس الروم كذلك ، فنزل : « وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ » .

البكاؤون

وأتاه البكاؤون ، وهم : معقل بن يسار ، وصخر بن خنسا ، وعبد اللَّه بن كعب ، وعلية بن زيد ، وسالم بن عمير ، وثعلبة بن عتمة ، وعبد اللَّه بن معقل ، وسألوا دواباً أو بغالاً أو خفافاً ، فلم يجد ، فانصرفوا وهم يبكون ، فنزل : « وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ » .

ص: 276

تخلّف الثلاثة

وقال الزهري : نزل في تخلّف عبد اللَّه بن كعب بن مالك ، وهلال بن أمية ، ومرارة بن ربيعة « وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا » .

وكان النبي صلى الله عليه وآله نهى عن مكالمتهم « حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَْرْضُ بِما رَحُبَتْ » « ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ » .

أنت منّي بمنزلة هارون من موسى

فلمّا انتهى إلى الجرف لحقه علي عليه السلام ، وأخذ بغرز(1) رحله ، وقال : يا رسول اللَّه ! زعمت قريش إنّما خلفتني استثقالاً ومقتاً ، فقال صلى الله عليه وآله : طال ما آذت الأمم أنبياءها ، أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى . . الخبر ، فقال : قد رضيت قد رضيت ، وقال : ارجع - يا أخي - إلى مكانك ، وإنّه لابدّ للمدينة منّي أو منك ، وأنفذ معه الضعفاء والمرضى ، لقوله : « لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ » .

التحاق أبي ذر راجلاً

وأخّر أبو ذر انتظار ناقته ، فمشى راجلاً بزاده وسلاحه ، فأخبر النبي صلى الله عليه وآله في بعض المنازل أنّ راجلاً يتبعنا ، فقال : هو أبو ذر ، رحم اللَّه أبا ذر ، يعيش وحده . . الخبر .

ص: 277


1- 601. في مجمع البحرين : غرز كفلس : ركاب كور الجمل إذا كان من جلد أو خشب ، وقيل : هو الكور مطلقاً مثل الركاب للسرج .

وصولهم الى تبوك وظهور النفاق

فوصل إلى تبوك في شعبان يوم الثلاثاء ، وظهر النفاق في هذه السنة .

عدد الجيش

قال الخركوشي : كانوا ينوفون على ثلاثين ألفاً .

قال الواقدي : منهم عشرة آلاف فارس .

إقامتهم وأخذ الجزية

فأقام ثلاثة عشر يوماً ، فأتاه الرئيس ، وهو نجية بن رؤبه ، فأعطاه الجزية ، وقبل للمستقبل ، فكتب النبي صلى الله عليه وآله كتاباً ، وهو عندهم ، وكتب أيضاً لأهل جرباء(1) وأذرح .

بعث سعد بن عبادة

وبعث سعد بن عبادة إلى أناس من بني سليم ، وجموع من بلى ، فلمّا قاربهم هربوا .

بعث خالد وعبد الرحمن

وبعث خالداً في ثلاثمائة رجل ، ثم عبد الرحمن بن عوف مع سبعمائة

ص: 278


1- 602. جرباء : موضع من أعمال عمان بالبلقاء من أرض الشام قرب جبار السراة من ناحية الحجاز ، وهي قريبة من أذرح .

رجلاً إلى الأكيدر ، وصاحب دومة الجندل ، وجاء به إلى النبي صلى الله عليه وآله في ثمانمائة رأس ، وألفي بعير ، وأربعمائة درع ، وأربعمائة رمح ، وخمسمائة سيف ، فصالحه النبي صلى الله عليه وآله .

بعث أبي عبيدة وزنباع

وبعث أبا عبيدة وزنباع بن روح الجذامي إلى جمع من جذام ، فأصاب منهم ، وكان آخر غزواته(1) صلى الله عليه وآله .

ص: 279


1- 603. إعلام الورى : 1/243 وما بعدها ، الإرشاد للمفيد : 1/154 ، المغازي للواقدي : 3/1025 ، الطبقات الكبرى : 2/165 ، تاريخ اليعقوبي : 2/68 ، دلائل النبوة للبيهقي : 5/252 .

ص: 280

فصل 32 : في اللطائف

اشاره

فصل 32 : في اللطائف(1)

ص: 281


1- ثمة مواضع كثيرة في هذا الفصل تركنا تخريجها ، لأنّنا قد خرّجناها فيما مضى أو يأتي تخريجها فيما بعد إن شاء اللَّه تعالى .

ص: 282

بين أبي الزهراء وباقي الأنبياء

آدم عليه السلام

إن كان لآدم عليه السلام سجود الملائكة مرّة ، فلمحمد صلى الله عليه وآله صلوات اللَّه عليه والملائكة والناس أجمعين كلّ ساعة إلى يوم القيامة .

وإن كان آدم عليه السلام قبلة الملائكة ، فقد جعله اللَّه إمام الأنبياء ليلة المعراج ، فصار إمام آدم عليه السلام .

وإن خلق آدم عليه السلام من طين ، فإنّه خلق من النور ، قوله : كنت نبياً وآدم عليه السلام بين الماء والطين(1) .

ص: 283


1- 605. فتوح الشام للواقدي : 2/81 ، تفسير الرازي : 6/213 .

وإن كان آدم عليه السلام أول الخلق ، فقد صار محمد صلى الله عليه وآله قبله ، قوله : إنّ اللَّه خلقني من نور ، وخلق ذلك النور قبل آدم عليه السلام بألف سنة(1) .

وإن كان آدم عليه السلام أبو البشر ، فمحمد صلى الله عليه وآله سيد النذر ، قوله صلى الله عليه وآله : آدم ومن دونه تحت لوائي يوم القيامة(2) .

وإن كان آدم عليه السلام أول الأنبياء ، فنبوة محمد صلى الله عليه وآله أقدم منه ، قوله : كنت نبياً وآدم منخول في طينته(3) .

وإن عجزت الملائكة عن آدم عليه السلام ، فأعطى القرآن الذي عجز عنه الأولون والآخرون .

وإن قيل لآدم عليه السلام « فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ » ، فقال له : « لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ » .

وإن دخل آدم عليه السلام في الجنة ، فقد عرج به إلى « قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى » .

إدريس عليه السلام

قوله : « وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا » أي السماء ، وللنبي صلى الله عليه وآله : « وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ » .

وناجى إدريس عليه السلام ربّه ، ونادى اللَّه محمداً صلى الله عليه وآله « فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ » .

وأطعم إدريس عليه السلام بعد وفاته ، وقد أطعمه اللَّه في حال حياته ، قوله : إنّي لست كأحدكم ، إنّي أبيت عند ربّي ويطعمني ويسقيني(4) .

نوح عليه السلام

جرت له السفينة على الماء ، وهي تجري للكافر والمؤمن ، ولمحمد صلى الله عليه وآله

ص: 284


1- 606. علل الشرائع : 1/134 ، الشفاء للقاضي عياض : 83 ، روضة الواعظين : 129 ، وفيها وفي غيرها : « بألفي عام » .
2- 607. الخصال : 415 ، الروضة في الفضائل لابن شاذان : 91 ، مسند أحمد : 1/281 ، سنن الترمذي : 4/370 .
3- 608. الإستيعاب : 4/1488 ، تفسير السلمي : 1/396 ، الطبقات الكبرى : 7/60 ، سنن الترمذي : 5/245 ، مسند أحمد : 5/379 ، وفيها وفي غيرها : « وآدم بين الماء والطين » ، « وآدم بين الروح والجسد » .
4- 609. مسند ابن راهويه : 2/464 ، مسند أحمد : 2/237 ، سنن الترمذي : 2/139 .

جرى الحجر على الماء ، وذلك أنّه كان على شفير غدير ، ووراء الغدير تلّ عظيم ، فقال عكرمة بن أبي جهل : يا محمد ، إن كنت نبياً فادع من صخور ذلك التلّ حتى يخوض الماء فيعبر ، فدعا بالصخرة ، فجعلت تأتي على وجه الماء ، حتى مثلت بين يديه ، فأمرها بالرجوع ، فرجعت كما جاءت .

وأجيبت دعوته على قومه « لا تَذَرْ عَلَى الأَْرْضِ » ، فهطلت له السماء بالعقوبة ، وأجيبت لمحمد صلى الله عليه وآله بالرحمة حيث قال : حوالينا ولا علينا(1) ، فنوح رسول العقوبة ، ومحمد صلى الله عليه وآله رسول الرحمة « وَما أَرْسَلْناكَ إِلّا رَحْمَةً » .

دعا نوح عليه السلام لنفسه ولنفر يسير « رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ » ، ومحمد صلى الله عليه وآله دعا لاُمّته ، من ولد منهم ومن لم يولد « وَاعْفُ عَنَّا » .

وقال له : « وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ » ، وقال لمحمد صلى الله عليه وآله « ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ » .

كانت سفينته سبب النجاة في الدنيا ، وذريّة محمد صلى الله عليه وآله سبب النجاة في العقبى ، قوله : مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح(2) . . الخبر .

ص: 285


1- 610. أمالي المفيد : 303 ، مسند أحمد : 4/236 .
2- 611. تفسير السمعاني : 3/472 : « . . من ركبها سلم ومن لم يركبها هلك » ، الثاقب في المناقب : 135 ، المستدرك للحاكم : 3/151 ، تاريخ بغداد : 2/91 : « . . من ركبها نجا ومن تخلّف عنها هلك » .

وقال نوح عليه السلام : « إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي » ، فقيل له : « إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ » ، ومحمد صلى الله عليه وآله لمّا أعلنت من قومه المعاندة شهر عليهم سيف النقمة ، ولم ينظر إليهم بعين المقة(1) .

* * *

قال حسان :

وإن كان نوح نجا سالماً

على الفلك بالقوم لمّا نجا

فإنّ النبي نجا سالماً

إلى الغار في الليل لمّا دجى

هود عليه السلام

انتصر من أعدائه بالريح ، قوله : « وَفِي عادٍ إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ » ، ومحمد صلى الله عليه وآله نصره اللَّه يوم الأحزاب والخندق بالريح والملائكة ، قوله : « بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها » ، فزاد اللَّه محمداً صلى الله عليه وآله على هود بثلاثة آلاف ملك .

وفضّله على هود عليه السلام بأنّ ريح عاد ريح سخط ، وريح محمد صلى الله عليه وآله ريح رحمة ، قوله : « اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ » الآية .

وصبر هود عليه السلام في ذات اللَّه ، وأعذر قومه إذ كذّب ، والنبي صلى الله عليه وآله صبر في ذات اللَّه ، وأعذر قومه إذ كذّب وشرّد وحصب بالحصاة ، وعلاه أبو جهل بسلا شاة ، فأوحى اللَّه إلى جاجائيل ملك الجبال أن شقّ الجبال وانته إلى

ص: 286


1- 612. في نسخة « النجف » : « المقت » . والمقة : من ومق يمق بمعنى أحبّ .

أمر محمد صلى الله عليه وآله ، فأتاه فقال له : قد أمرت لك بالطاعة ، فإن أمرت أطبقت عليهم الجبال فأهلكتهم بها ، قال : إنّما بعثت رحمة : اهد قومي فإنّهم لا يعلمون(1) .

صالح عليه السلام

خرجت لصالح عليه السلام ناقة عشراء من بين صخرة صماء ، وأخرج لنبينا صلى الله عليه وآله رجل من وسط الجبل يدعو له ، ويقول : اللّهم ارفع له ذكراً ، اللّهم أوجب له أجراً ، اللّهم احطط عنه(2) وزراً(3) .

وعقر ناقته ، وعقر أولاد محمد صلى الله عليه وآله .

قال أبو القاسم البارع :

لناقة صالح نادت أناس

وقد جسروا(4) على قتل الحسين

وكان صالح عليه السلام ينذر قومه ، فقيل له : يا صالح « ائْتِنا بِعَذابِ اللَّهِ » ، ومحمد صلى الله عليه وآله نبي الرحمة ، قوله « وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ رَحْمَةً » .

والناقة لم تناطقه ، ولم تشهد له بالنبوة ، وقد تكلّمت مع النبي صلى الله عليه وآله نوق كثيرة .

* * *

ص: 287


1- 613. الإحتجاج : 1/315 .
2- 614. في بعض المصادر : « به » .
3- 615. انظر سؤلات حمزة للدارقطني : 283 .
4- 616. في نسخة « النجف » : « خسروا » .

[ قال ] الحميري :

بعث الإله إلى ثمود صالحاً

منه بنور سلامة لا يشكل

قالوا له أخرج لنا من صخرة

عشراء نحلبها إذا ما تنزل

فتصدّعت عن ناقة فتنوا بها

وقضاء ربّك ليس عنه مرحل

في حفل(1) درّتها لقاح خلفها

سقب(2) ويقدمها هناك وينزل

لما رأوها حافلاً حفّوا بها

ودعوا بأوعية وقالوا احملوا

حتى عتوا فتمرّدوا وسطوا بها

بطراً فأسرع في شواها(3) المنصل(4)

خضبوا فراسنها بقان معجل

فرغا هنالك بكرها فاستوصلوا

قبل الصباح بصيحة أخذتهم

بعد الرقاد سرى إليهم منهل

لوط عليه السلام

قال حسان بن ثابت :

وإن كان لوط دعا ربّه

على القوم فاستؤصلوا بالبلا

فإنّ النبي ببدر دعا

على المشركين بسيف الفنا

فناداه جبريل من فوقه

بلبيك لبيك سل ماتشا

* * *

ص: 288


1- 617. حفل اللبن : تجّمع .
2- 618. السقب : ولد الناقة الذكر ساعة يولد .
3- 619. الشوى : أطراف الجسم .
4- 620. المنصل : السيف .

إبراهيم عليه السلام

نظر من الملك إلى الملكوت « وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ » ، والحبيب نظر من الملك إلى الملك « أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ » .

الخليل طالب ، قال : « إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي » ، والحبيب مطلوب « أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً » .

قال الخليل : « وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي » ، وقيل للحبيب : « لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ » .

وقال الخليل : «وَلا تُخْزِنِي » ، وللحبيب « يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ » .

وقال الخليل وسط النار : « حَسْبِيَ اللَّهُ » ، وقيل للحبيب « يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ » .

قال الخليل : « وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ » ، وقيل للحبيب : « وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ » .

قال الخليل : « وَأَرِنا مَناسِكَنا » ، وقيل للحبيب : « لِنُرِيَهُ » .

قال الخليل : « وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ » ، وللحبيب : « وَلَلآْخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ » .

الخليل : « وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي » ، وللحبيب : « أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ » لأجلك .

الخليل بخل على أعدائه بالرزق « وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الَّثمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ » ، والحبيب سخى بها على الأعداء حتى عوتب « وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ » .

ص: 289

الخليل : أقسم باللَّه « وَتَاللَّهِ لأََكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ » ، واقسم اللَّه بالحبيب « لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ » .

واتخذ مقام الخليل قبلة « وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ » ، وجعل أحوال الحبيب وأفعاله وأقواله قبلة « لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ » .

الخليل كسر أصنام قومه غضباً للَّه ، والحبيب كسر عن الكعبة ثلاثمائة وستين صنماً ، وأذلّ من عبدها بالسيف .

اصطفى الخليل بعد الابتلاء « وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ » ، واصطفى الحبيب قبل الابتلاء « اللَّهُ يَصْطَفِي » .

الخليل بذل ماله لأجل الجليل ، وخلق الجليل العالم لأجل الحبيب .

مقام الخليل مقام الخدمة « وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ » ، ومقام الحبيب مقام الشفاعة « عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ » ، والشفيع أفضل من الخادم .

الخليل طلب ابتداء الوصلة « قالَ هذا رَبِّي » ، والحبيب طلب بقاء الوصلة « وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ » ، والبقاء أفضل من الابتداء .

صيّر اللَّه حرّ النار على الخليل برداً وسلاماً ، وصيّر السمّ في جوفه سلاماً حين سمّته الخيبرية ! ثم سخّر له نار جهنم التي كانت نار الدنيا كلّها جزءاً منها .

كان الخليل منادياً بالحجّ والقربان « وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ » ، والحبيب منادياً بالإسلام والإيمان « مُنادِياً يُنادِي لِلإِْيمانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ » .

قال للخليل : « أَوَ لَمْ تُؤْمِنْ » ، وقال للحبيب : « آمَنَ الرَّسُولُ » .

قال الخليل: « فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي »، وقال للحبيب: لولاك لما خلقت الأفلاك.

ص: 290

وقيل للخليل : « وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ » ، والحبيب فُدي أبوه عبد اللَّه بمائه ناقة .

وبارك في أولاد الخليل حتى عفوا ، فأمر داود في أيامه باحصائهم ، فعجزوا عن ذلك ، فأوحى اللَّه - تعالى - إليه : لمّا أطاعني بذبح ولده كثّرت ذريّته ، والحبيب لمّا ابتلى أيضاً بذبح ابنه الحسين عليه السلام كثّرت أولاده .

وصل الخليل إلى الجليل بالواسطة « وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ » ، ووصل الحبيب بلا واسطة « ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى » .

أراد الخليل رضاء الملك في رفع الكعبة « وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ » ، وأراد اللَّه القبلة في رضاء الحبيب « فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها » .

كان الابتلاء للخليل أولاً ، والاجتباء آخراً « وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ » ، والحبيب ابتداؤه بشارة «لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ » .

سأل الخليل « وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَْصْنامَ » ، وقال للحبيب : «إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ » .

الخليل : من يخّاله ، والحبيب من تخّاله ، فلا جرم ( « وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى » .

الخليل : المريد ، والحبيب : المراد .

الخليل : عطشان ، والحبيب : ريّان .

* * *

قال صاحب العين : مخرج الحاء أقصى من مخرج الخاء بدرجة ، فإنّ الخاء من الحلق ، والحاء من الفؤاد .

ص: 291

فإذا ذكرت الخليل لم تملأ فاك ، لأنّه من الحلق ، وإذا ذكرت الحبيب ملأت فاك وقلبك ، لأنّه من الفؤاد .

* * *

قالوا : أظهر اللَّه الخليل ولم يظهر الحبيب ؟

الجواب : إنّه أظهر المحبّة لمتبعيه ، فكيف المتبوع ، قوله : « إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ » .

يعقوب عليه السلام

كان له إثنا عشر ابنا ، ومحمد صلى الله عليه وآله كان له إثنا عشر وصياً .

وجعل الأسباط من سلالة صلبه ، ومريم بنت عمران من بناته ، والهداية في ذريّته ، قوله « وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ » ، ومحمد صلى الله عليه وآله أرفع ذكراً من ذلك ، جعلت فاطمة عليها السلام سيدة نساء العالمين من بناته ، والحسن والحسين عليهما السلام من ذريّته ، وأتاه الكتاب المحفوظ لا يبدل ولا يغير .

وصبر يعقوب عليه السلام على فراق ولده حتى كاد يحرض ، وصبر محمد صلى الله عليه وآله على وفاة إبراهيم ، وعلى ما علم من فحوى ما يجري على ذريّته .

يوسف عليه السلام

إن كان له جمال ، فلمحمد صلى الله عليه وآله ملاحة وكمال ، قوله صلى الله عليه وآله : كان يوسف عليه السلام أحسن ، ولكنّني أملح .

ص: 292

وإن كان يوسف عليه السلام في الليل نورانياً ، فمحمد صلى الله عليه وآله في الدنيا والعقبى نوراني ، ففي الدنيا « يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ » ، وفي العقبى « انْظُرُونا نَقْتَبِسْ » .

يوسف عليه السلام دعا لمالك بن زعر ليكثر ماله وولده(1) ، قال النبي صلى الله عليه وآله : ستدرك ولداً لي يسمّى الباقر ، فإذا لقيته فاقرأه منّي السلام(2) .

وقال لأنس : اللّهم أطل عمره وأكثر ماله وولده(3) ، فبقي إلى أيام عمر بن عبد العزيز ، وله عشرون من الذكور ، وثمانون من الإناث ، وكانت شجراته كلّ حول ذوات ثمرتين(4) .

صبر يوسف عليه السلام في الجبّ والحبس والفرقة والمعصية ، ومحمد صلى الله عليه وآله قاسى من كثرة الغربة والفرقة ، وحبس في الشعب ثلاث سنين ، وفي الغار ثلاث ليال .

وكان ليوسف عليه السلام رؤياه ، ولمحمد صلى الله عليه وآله « لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ » .

موسى عليه السلام

أعطاه اللَّه إثنتا عشرة عيناً ، قوله : « فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً » ، ومحمد صلى الله عليه وآله أمر البراء بن عازب يغرس سهمه يوم الميضاة بالحديبية في قليب جافة ، فتفجّرت إثنتا عشرة عيناً حتى كفت ثمانية آلاف رجل .

ص: 293


1- 621. مجمع البيان : 5/378 .
2- 622. الثاقب في المناقب : 105 .
3- 623. المعجم الأوسط : 1/162 .
4- 624. سنن الترمذي : 5/347 ، التاريخ الكبير للبخاري : 2/228 ، الإستيعاب : 1/111 .

وكان لموسى عليه السلام انفجار الماء من الحجر ، ولمحمد صلى الله عليه وآله انفجار الماء من بين أصابعه ، وهذا أعجب .

وأنزل اللَّه لموسى عليه السلام عموداً من السماء يضي ء لهم ليلتهم ، ويرتفع نهارهم ، ورسول اللَّه صلى الله عليه وآله أعطى بعض أصحابه عصى تضي ء أمامه وبين يديه ، وأعطى قتادة بن النعمان عرجوناً ، فكان العرجون يضي ء أمامه عشراً .

قوله : « وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ » ، قال ابن عباس والضحاك : اليد ، والعصا ، والحجر ، والبحر ، والطوفان ، والجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم(1) .

* * *

يروى أنّ النبي صلى الله عليه وآله استتر للوضوء في بعض أسفاره إلى الشام ، فأحاط به اليهود بالسيوف ، فأثار اللَّه من تحت رجله جراداً ، فاحترشتهم(2) ، وجعلت تأكلهم حتى أتت على جميعهم ، وكانوا مائتي نفر(3) .

* * *

وقال صلى الله عليه وآله : إنّ بين الركن والصفا قبور سبعين نبياً ، ما ماتوا إلّا بضرّ الجوع والقمل .

* * *

ص: 294


1- 625. مجمع البيان : 6/299 ، تفسير الثعلبي : 6/137 .
2- 626. احترش الشي ء : جمعه .
3- 627. تفسير الإمام العسكري عليه السلام : 416 ح 283 .

وتبعه قوم يوماً خالياً ، فنظر أحدهم إلى ثياب نفسه وفيها قمل ، ثم جعل بدنه يحكّه ، فأنف من أصحابه ، وانسل وأبصر آخر وآخر مثل ذلك حتى وجد كلّهم من نفسه ، ثم زاد ذلك عليهم حتى استولى ذلك عليهم ، فماتوا كلّهم من خمسة أيام إلى شهرين(1) .

* * *

وهمّ جماعة بقتله ، فخرجوا نحو المدينة من مكة ، فسلّط اللَّه على مزاودهم ورواياهم وسطائحهم الجرذان ، فخرقتها ونقبتها ، وسالت مياهها .

فلمّا عطشوا شعروا ، فرجعوا القهقرى إلى الحياض التي كانوا تزوّدوا منها تلك المياه ، وإذا الجرذان قد سبقتهم إليها ، فنقبت أصولها ، فسال في الحرّة مياهها ، فتماوتوا ولم ينفك منهم إلّا واحد لا يزال يقول : يا ربّ محمد وآل محمد ، قد تبت من أذاه ففرج عنّي بجاه محمد وآل محمد ، فوردت عليه قافلة فسقوه وحملوه ، وأمتعه القوم بالنبي صلى الله عليه وآله ، فجعل رسول اللَّه صلى الله عليه وآله له تلك الجمال والأموال(2) .

* * *

واحتجم النبي صلى الله عليه وآله مرّة ، فدفع الدم الخارج منه إلى أبي سعيد الخدري وقال : غيّبه ، فذهب فشربه ، فقال : ما ذا صنعت به ؟ قال : شربته ،

ص: 295


1- 628. تفسير الإمام العسكري عليه السلام : 417 ح 284 .
2- 629. تفسير الإمام العسكري عليه السلام : 418 ح 285 .

قال : أو لم أقل لك غيّبه ! فقال : قد غيّبته في وعاء حريز ، فقال : إياك أن تعود لمثل هذا ، ثم اعلم أنّ اللَّه قد حرّم لحمك على النار ودمك لما اختلط بلحمي ودمي(1) .

* * *

واستهزأ به أربعون نفراً من المنافقين ، فقال صلى الله عليه وآله : أما إنّ اللَّه يعذبهم بالدم ، فلحقهم الرعاف الدائم ، وسيلان دماء من أضراسهم ، فكان طعامهم وشرابهم يختلط بدمائهم ، فبقوا كذلك أربعين صباحاً ، ثم هلكوا(2) .

* * *

قوله : « اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ » .

وأعطي أفضل منه ، وهو أنّ نوراً كان عن يمينه حيث ما جلس ، وكان يراه الناس كلّهم ، وقد بقي ذلك النور إلى قيام الساعة(3) .

وكان يحبّ أن يأتيه الحسنان عليهما السلام فيناديهما هلمّا إليّ ، فيقبلان نحوه من البعد قد بلغهما صوته ، فيقول بسبابته هكذا يخرجهما من الباب ، فتضي ء لهما أحسن من ضوء القمر والشمس ، فيأتيان ، ثم تعود الإصبع كما كانت ، وتفعل في انصرافهما مثل ذلك(4) .

* * *

ص: 296


1- 630. تفسير الإمام العسكري عليه السلام : 420 ح 286 .
2- 631. تفسير الإمام العسكري عليه السلام : 420 .
3- 632. الإحتجاج : 1/324 ، البداية النهاية : 6/309 .
4- 633. تفسير الإمام العسكري عليه السلام : 413 ح 281 .

قوله : « أَنْ أَلْقِ عَصاكَ » .

وله صلى الله عليه وآله ما روي أنّ الزبير بن العوام انكسر سيفه في بعض الغزوات ، فأخذ النبي صلى الله عليه وآله خشبته ، فمسحها من جانبيها ، فصارت سيفاً أجود ما يكون وأضربها ، فكان يقاتل به .

وإنّ اللَّه - تعالى - قلب جذوع سقوف يهود نازعوه أفاعي ، وهي أكثر من مائة جذع ، وقصدت نحوهم ، والتقمت متاع بيتهم ، فمات منهم أربعة ، وخبل جماعة ، وأسلم آخرون ، وقالوا : اللّهم بجاه محمد الذي اصطفيته ، وعلي الذي ارتضيته ، وأوليائهما الذين من سلّم لهم أمرهم اجتبيته ، فانشر اللَّه الأربعة .

* * *

قوله « اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ »(1) .

قال أمير المؤمنين عليه السلام : خرجنا معه - يعني النبي صلى الله عليه وآله - إلى خيبر ، فإذا نحن بواد يشخب ، فقدّرناه ، فإذا هو أربعة عشرة قامة ، فقالوا : يا رسول اللَّه ، العدو من ورائنا ، والوادي أمامنا ، كما قال أصحاب موسى « إِنَّا لَمُدْرَكُونَ » .

فنزل رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، ثم قال : اللّهم إنّك جعلت لكلّ مرسل دلالة ، فأرني قدرتك ، وركب ، فعبرت الخيل لا تندى حوافرها ، والإبل لا تندى أخفافها ، فرجعنا فكان فتحها(2) .

ص: 297


1- 634. تفسير الإمام العسكري عليه السلام : 411 .
2- 635. الثاقب في المناقب : 46 ح 11 ، الإحتجاج : 1/354 .

وفي رواية أنس : أنّه مطرت السماء ثلاثة أيام ولياليها بوادي الخزاز ، فقالوا : يا رسول اللَّه ، هول عظيم ! فقال : أيّها الناس ، اتبعوني ، وكنت آخر الناس ، ولقد رأيت الماء ما بلّ أخفاف الإبل .

* * *

قوله : « وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ » .

وروي أنّ النبي صلى الله عليه وآله قال : اللّهم العن رعلاً وذكوان ، اللّهم اشدد وطأتك على مضر ، اللّهم اجعل سنيّهم كسنيّ يوسف .

ففي الخبر : إنّ الرجل كان منهم يلحق صاحبه فلا يمكنه الدنو ، فإذا دنى منه لا يبصره من شدّة دخان الجوع ، وكان يجلب إليهم من كلّ ناحية ، فإذا اشتروه وقبضوه لم يصلوا به إلى بيوتهم حتى يتسوس وينتن، فأكلوا الكلاب الميتة والجيف والجلود ، ونبشوا القبور ، وأحرقوا عظام الموتى فأكلوها ، وأكلت المرأة طفلها ، وكان الدخان متراكماً بين السماء والأرض وذلك :

قوله : « فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ يَغْشَى النَّاسَ هذا عَذابٌ أَلِيمٌ » ، فقال أبو سفيان ورؤوساء قريش : يا محمد ! أتأمرنا بصلة الرحم ؟ فأدرك قومك فقد هلكوا ، فدعا لهم ، وذلك قوله : « رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ » ، فقال اللَّه تعالى : « إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عائِدُونَ » ، فعاد إليهم الخصب والدعة ، وهو قوله : « فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ »(1) .

* * *

ص: 298


1- 636. تفسير الإمام العسكري عليه السلام : 421 ح 287 .

انتقم اللَّه لموسى عليه السلام من فرعون ، وانتقم لمحمد صلى الله عليه وآله من الفراعنة(1) « سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ » .

كان لموسى عليه السلام عصا ، ولمحمد صلى الله عليه وآله ذو الفقار .

خلّف موسى هارون عليهما السلام في قومه ، وخلّف محمد صلى الله عليه وآله علياً عليه السلام في قومه : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى(2) .

وكان لموسى عليه السلام إثنا عشر نقيباً ، ولمحمد صلى الله عليه وآله إثنا عشر إماماً .

كان لموسى عليه السلام انفلاق البحر في الأرض « فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ » ، ولمحمد صلى الله عليه وآله انشقاق القمر في السماء ، وذلك أعجب « اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ » .

العصا بلغت البحر فانفلق « اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ » ، وأشار صلى الله عليه وآله بالإصبع إلى القمر فانشق .

وقال موسى عليه السلام : « رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي » ، وقال اللَّه له صلى الله عليه وآله : « أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ » .

ص: 299


1- 637. في بعض النسخ : « الأحزاب » .
2- 638. دعائم الإسلام : 1/20 ، عيون أخبار الرضا عليه السلام : 1/208 ، معاني الأخبار : 74 ، مسند أحمد : 1/179 و3/32 و6/369 ، مسلم : 7/120 ، سنن ابن ماجة : 1/45 ، سنن الترمذي : 5/304 ، فضائل الصحابة للنسائي : 13 ، مسند أبي داود : 29 ، المصنف لابن أبي شيبة : 7/496 ، مسند سعد بن أبي وقاص : 176 ، تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة : 13 ، كتاب السنة لابن أبي عاصم : 551 وما بعدها ، السنن الكبرى للبيهقي : 5/44 ، السنن الكبرى للنسائي : 5/121 وما بعدها ، مسند أبي يعلى : 2/87 ، وحديث المنزلة هذا من المتواترات المتفق عليها ، ولا يحتاج الى توثيق ، وما ذكرناه إنّما نوذج ليس إلّا .

وقال لموسى وهارون عليهما السلام : « فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً » ، وقال لمحمد صلى الله عليه وآله : « وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ » « وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَهِينٍ » .

وأعطى اللَّه موسى عليه السلام المنّ والسلوى ، وأحلّ الغنائم لمحمد صلى الله عليه وآله ولاُمّته ، ولم يحلّ لأحد قبله(1) .

وقال في حقّ موسى عليه السلام : « وَظَلَّلْنا عَلَيْهِمُ الْغَمامَ » يعني في التيه ، والنبي صلى الله عليه وآله كان يسير الغمام فوقه .

وكلّم اللَّه موسى عليه السلام تكليماً على طور سيناء ، وناجى اللَّه محمداً صلى الله عليه وآله عند سدرة المنتهى .

وكان واسطة بين الحقّ وبين موسى عليه السلام ، ولم يكن بين محمد صلى الله عليه وآله وربّه أحد « فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ » ، وليس من مشى برجليه كمن أسرى بسرّه ، وليس من ناداه كمن ناجاه ، ومن نودي من بعد كمن نوجي من قرب .

ولم يكلّم موسي عليه السلام إلّا بعد أربعين ليلة ، ومحمد صلى الله عليه وآله كان نائماً في بيت أم هاني ، فعرج به(2) .

ومعراج موسى عليه السلام بعد الموعود ، ومعراج محمد صلى الله عليه وآله بلا وعد .

واختار موسى عليه السلام قومه سبعين رجلاً ، واختير محمد صلى الله عليه وآله وهو فريد .

ولم يحتمل موسى عليه السلام ما رآه « وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً » ، واحتمل محمد صلى الله عليه وآله ذلك « لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ » .

معراج موسى عليه السلام نهاراً ، ومعراج محمد صلى الله عليه وآله ليلاً .

ص: 300


1- 639. المبسوط للطوسي : 2/65 .
2- 640. مجمع البيان : 6/217 ، تفسير الثعلبي : 6/55 .

معراج موسى عليه السلام على الأرض ، ومعراج محمد صلى الله عليه وآله فوق السماوات السبع .

أخبر بما جرى بينه وبين موسى عليه السلام ، وكتم ما جرى بينه وبين محمد صلى الله عليه وآله « فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى » .

قوله : « وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا » ، كأنّه جاء من عند فرعون ، « لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ » كأنّه جاء من عند اللَّه .

وقال لموسى عليه السلام : « وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً » ، وأخرج النبي صلى الله عليه وآله من مسجده ما خلا العترة ، وفي هذا تبيان قوله : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى .

* * *

قال حسان :

لئن كلّم اللَّه موسى على

شريف من الطور يوم الندا

فإنّ النبي أبا قاسم

حبي بالرسالة فوق السما

وقد صار بالقرب من ربّه

على قاب قوسين لمّا دنا

وإن فجّر الماء موسى لهم

عيوناًمن الصخر ضرب العصا

فمن كفّ أحمد قد فجّرت

عيون من الماء يوم الظما

وإن كان هارون من بعده

حبي بالوزارة يوم الملا

فإنّ الوزارة قد نالها

علي بلا شكّ يوم الفدا(1)

* * *

ص: 301


1- 641. في بعض النسخ : « الندا » .

وقال كعب بن مالك الأنصاري :

فإن يك موسى كلّم اللَّه جهرة

على جبل الطور المنيف المعظم

فقد كلّم اللَّه النبي محمداً

على الموضع الأعلى الرفيع المسوم

داود عليه السلام

كان له سلسلة الحكومة ليميز الحقّ من الباطل ، ولمحمد صلى الله عليه وآله القرآن « ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْ ءٍ » ، وليست السلسلة كالكتاب ، والسلسلة قد فنيت ، والقرآن بقي إلى آخر الدهر .

وكان له النغمة ، ولمحمد صلى الله عليه وآله الحلاوة «وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ » .

وكان له ثلاثون ألف حرس ، وكان حارس محمد صلى الله عليه وآله هو اللَّه - تعالى - «وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ » .

وسبّحت له الوحوش والطيور والجبال ، فاللَّه - تعالى - وملائكته يشهدون بمحمد صلى الله عليه وآله ، « وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً » : « مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ » .

وقال له : « وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ » ، وألان قلب محمد صلى الله عليه وآله بالرحمة والشفاعة « فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ » ، وألان لهم الصمّ الصخور الصلاب وجعلها غاراً ، وكان يحلب الشاة المجهودة ، ويمسح ضرعها فيحلب منها كيف شاء .

وسخّر له الجبال فكنّ يسبّحنّ ، وأخذ النبي صلى الله عليه وآله أحجاراً فأمسكها فسبّحنّ في كفّه .

ص: 302

وله « . . الطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ » ، ولمحمد صلى الله عليه وآله البراق .

وقال له : «وَشَدَدْنا مُلْكَهُ » ، وشدّد ملك محمد صلى الله عليه وآله حتى نسخ بشريعته سائر الشرائع .

وقال لداود عليه السلام : «لا تَتَّبِعِ الْهَوى » ، وقال لمحمد صلى الله عليه وآله : « ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ » .

* * *

[ قال ] حسان :

وإن كان داود قد أوّبت

جبال لديه وطير الهوا

ففي كفّ أحمد قد سبّحت

بتقديس ربّي صغار الحصى

سليمان عليه السلام

سخّرت له « الرِّيحَ غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ » ، يقال : إنّه غدا من العراق ، وقال(1) بمرو ، وأمسى ببلخ(2) ، وأكرم محمداً صلى الله عليه وآله بالبراق خطوته مدّ البصر(3) .

وقال « عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ » ، وروي أنّ الحمرة(4) فجعت بأحد ولدها ، فجاءت إلى النبي صلى الله عليه وآله ، وجعلت تدفّ على رأس رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ،

ص: 303


1- 642. قال : من القيلولة ، وهي الاستراحة والنوم عند الظهيرة .
2- 643. تفسير الثعلبي : 8/73 .
3- 644. تفسير العياشي : 276 ح 2 .
4- 645. الحمرة : ضرب من الطير كالعصافير .

فقال : أيّكم فجع هذه ؟ فقال رجل من القوم : أنا أخذت بيضها ، فقال النبي صلى الله عليه وآله : ارددها(1) .

ومنه كلام البعير والعجل والظبي والشاة والذئب والضبّ .

وسخّرت له الجنّ والشياطين ، وقال للنبي صلى الله عليه وآله : « قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ » ، وقوله : « وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ » ، وهم التسعة من أشراف الجنّ بنصيبين واليمن من بني عمرو بن عامر ، منهم : شصاه ، ومصاه ، والهملكان ، والمرزبان ، والمازمان ، ونضاه ، وهاضب ، وعمرو، وبايعوه على العبادات واعتذروا بأنّهم قالوا « عَلَى اللَّهِ شَطَطاً »(2).

وسليمان عليه السلام كان يصفدهم لعصيانهم ، ونبينا أتوه طائعين راغبين .

وسأل سليمان عليه السلام ملك دنيا « هَبْ لِي مُلْكاً » ، وعرض مفاتيح خزائن الدنيا على محمد صلى الله عليه وآله فردّها(3) ، فشتّان بين من يسأل وبين من يعطى فلا يقبل ، فأعطاه اللَّه الكوثر والشفاعة والمقام المحمود « وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى » .

وقال لسليمان عليه السلام : « فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ » ، وقال لنبينا : « وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا » .

* * *

ص: 304


1- 646. مسند أحمد : 1/404 ، الأدب المفرد للبخاري : 88 رقم 387 .
2- 647. الإحتجاج : 1/330 .
3- 648. الكافي : 8/331 ح 101 ، التمهيد لابن عبد البر : 20/111 ، تفسير الثعلبي : 7/124 .

[ قال ] حسان بن ثابت :

وإن كانت الجنّ قد ساسها

سليمان والريح تجري رخا

فشهر غدو به رابيا

وشهر رواح به إن يشا

فإنّ النبي سرى ليلة

من المسجدين إلى المرتقى

* * *

[ وقال ] كعب بن مالك :

وإن تك نمل البر بالوهم كلّمت

سليمان ذا الملك الذي ليس بالعمى

فهذا نبي اللَّه أحمد سبحت

صغار الحصى في كفّه بالترنم

يحيى عليه السلام

قال اللَّه - تعالى - له : « وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا » وكان في عصر لا جاهلية فيه ، ومحمد صلى الله عليه وآله أوتي الحكم والفهم صبياً بين عبدة الأوثان وحزب الشيطان(1) .

وكان يحيى أعبد أهل زمانه وأزهدهم ، ومحمد صلى الله عليه وآله أزهد الخلائق وأعبدهم حتى قيل : «طه ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ »(2) .

* * *

ص: 305


1- 649. الإحتجاج : 1/331 .
2- 650. الإحتجاج : 1/326 ، مجمع البيان : 7/7 ، الشفاء للقاضي عياض : 41 .

[ قال ] حسان بن ثابت :

وإن كان يحيى بكت عينه

صغيراً وطهّره في الصبى

فإنّ النبي بكى قائماً

حزيناً على الرجل خوف الرجا

فناداه أن طه أبا قاسم

ولا تشق بالوحي لما أتى

عيسى عليه السلام

« وَأُبْرِئُ الأَْكْمَهَ وَالأَْبْرَصَ » ، ونبينا أتاه معاذ بن عفر فقال : يا رسول اللَّه ، إنّي قد تزوّجت وقالوا للزوجة : إنّ بجنبي بياضاً ، فكرهت أن تزفّ إليّ .

فقال : اكشف لي عن جنبك ، فكشف له عن جنبه ، فمسحه بعود فذهب ما به من البرص .

* * *

ولقد أتاه من جهينة أجذم يتقطّع من الجذام ، فشكا إليه ، فأخذ قدحاً من ماء ، فتفل فيه ثم قال : امسح به جسدك ، ففعل فبرأ .

وبرأ صاحب السلعة(1) .

* * *

وأتته امرأة ، فقالت : يا رسول اللَّه ، إنّ ابني قد أشرف على حياض الموت كلّما أتيته بطعام وقع عليه التثاؤب ، فقام وقمنا معه .

ص: 306


1- 651. الإحتجاج : 1/332 .

فلمّا أتيناه قال له : جانب يا عدو اللَّه ولي اللَّه ، فأنا رسول اللَّه ، فجانبه الشيطان ، فقام صحيحاً(1) .

* * *

وأتاه رجل وبه أدرة(2) عظيمة ، فقال : هذه الأدرة تمنعني من التطهير والوضوء ، فدعا بماء ، فبرك فيه ودعا وتفل فيه ، ثم أمره أن يفيض عليه ، ففعل الرجل ، وأغفى إغفاءة وانتبه ، فإذا هي قد تقلّصت .

* * *

وجاءت إمرأة ومعها عكّة سمن وأقطّ ، ومعها ابنة لها ، فقالت : يا رسول اللَّه ، ولدت هذه كمهاء ، فأخذ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله عوداً ، فمسح به عينيها فأبصرتا .

* * *

ومنه حديث قتادة بن ربعي ومحمد بن مسلمة وعبد اللَّه بن أنيس قوله : « وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللَّهِ » ، قال الكلبي : كان عيسى يحيي الأموات ب« يا حي يا قيوم » .

وقيل : إنّه أحيى أربعة أنفس ، وهم : عاذر(3) ، وابن العجوز ، وابنة العاشر ، وسام بن نوح(4) .

ص: 307


1- 652. الإحتجاج : 1/332 .
2- 653. الأدرة ، وزان غرفة : وهي انتفاخ الخصية .
3- 654. في بعض النسخ : « عازر » ، وفي بعضها : « عازد » ، وفي أخرى : « غازد » .
4- 655. مجمع البيان : 2/299 .

قال الرضا عليه السلام : لقد اجتمعت قريش إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، فسألوه أن يحيي لهم موتاهم ، فوجّه معهم علي بن أبي طالب عليه السلام ، فقال : اذهب إلى الجبانة ، فناد باسم هؤلاء الرهط الذين يسألون عنهم بأعلى صوتك : يا فلان ، ويا فلان ، يقول لكم رسول اللَّه صلى الله عليه وآله قوموا بإذن اللَّه .

فقاموا ينفضون التراب عن رؤوسهم .

فأقبلت قريش تسألهم عن أمورهم ، ثم أخبروهم أنّ محمداً صلى الله عليه وآله قد بعث نبياً ، فقالوا : وددنا أنّا أدركناه فنؤمن به(1) .

* * *

وأحيى صلى الله عليه وآله النفر الذين قتلوا يوم بدر ، فخاطبهم وكلّمهم وعيّرهم بكفرهم .

* * *

قوله : « وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ » ، ومحمد صلى الله عليه وآله كان ينبي ء بأشياء كثيرة .

منها : قصّة خاطب بن أبي بلتعة ، وانفاد كتابه إلى مكّة .

ومنها : قصّة عباس وسبب إسلامه .

* * *

ابن جريح في قوله « وَيُعَلِّمُهُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ » إنّ اللَّه - تعالى - أعطى عيسى عليه السلام تسعة أشياء من الحظّ ، والسائر الناس جزءاً .

ص: 308


1- 656. الإحتجاج : 2/205 ، عيون أخبار الرضا عليه السلام : 2/144 .

وروي عن النبي صلى الله عليه وآله : أوتيت القرآن ومثليه(1) .

أنشد :

وإن كان من مات يحيى لكم

يناديه عيسى بربّ العلى

فإنّ الذراع لقد سمّها

يهود لأحمد يوم القرى

فنادته إنّي مسمومة

فلا تقربنّي وقيت الأذى

* * *

ص: 309


1- 657. مجمع البيان : 2/298 .

ص: 310

فصل 33 : في النكت والإشارات

اشاره

ص: 311

ص: 312

أسماؤه

أسماؤه المختارة

اختير من أسمائه إثنا عشر اسماً :

اسمان عبارة : المزمّل والمدثّر .

واسمان إشارة : المذكّر والمنذر .

واسمان إشارة : البشير والنذير .

واسمان كرامة : النبي والرسول .

واسمان كناية : طه ويس .

واسمان علامة : محمد صلى الله عليه وآله وأحمد .

أربع أسماء مختارة أيضاً

واختير أيضاً أربع :

الأول : « الشمس» :

لأنّ من أيام عيسى عليه السلام إلى أيامه كان العالم ظلمانياً من الكفر ، فبلغ شريعته شرقاً وغرباً أشرق من الشمس .

ص: 313

والثاني : « النجم » :

وهو هداية على البلاد ، والنبي صلى الله عليه وآله هداية إلى الرشاد .

والثالث : « السراج » :

فالبيت الظلماني يضي ء بنوره ، فكذلك محبّته تنوّر القلب ، وتوقد من سراج ألف سراج ، ولا تنتقص ، وكذلك استنار العالم من نوره ولم تنقص منه ، والضال في الظلمة يهدى به ، ويأمن أهل الدار .

والرابع : « طه » :

قيل : الطاء طوله ، والهاء هدايته(1) .

الحسن وقتادة قالا : طاء ابتداء اسمه طاهر ، هاء اسمه هادي(2) ، فوضع في ابتداء السورة حرفان من أسمائه حتى إذا قلت : طه ، جرى على لسانك اسمان من أسمائه .

وقالوا : الطاء تسعة ، والهاء خمسة ، فجعلها أربعة عشر كالبدر(3) ، والبدر إذا طلع تشرق الدنيا ، وتسمّى الليالي البيض ، والنبي صلى الله عليه وآله أشرقت به قلوب المؤمنين ووجوههم « يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ » ، وقالت الأنصار :

طلع البدر علينا

من ثنيّات الوداع

وجب الشكر علينا

ما دعا للَّه داع(4)

ص: 314


1- 658. تفسير الثعلبي : 6/236 .
2- 659. تفسير الثعلبي : 6/237 .
3- 660. ...
4- 661. إعلام الورى : 1/151 ، المبسوط للطوسي : 8/226 ، الثقات لابن حبان : 1/131 ، المتهيد لابن عبد البر : 14/82 .

المواضع التي سمّاه « النبي » في القرآن

وسمّاه « النبي » في ثلاثة عشر موضعاً :

[ 1 ] « يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ » .

[ 2 ] « يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ » .

[ 3 ] « يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ » .

[ 4 ] « يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ » .

[ 5 ] « يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ » .

[ 6 ] « يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَِزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ » .

[ 7 ] « يا أَيُّهَا النَّبِيُّ » « إِنَّا جَعَلْناكَ »(1) .

[ 8 ] « يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ » .

[ 9 ] « يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ » .

[ 10 ] « يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ » .

[ 11 ] « يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ » .

[ 12 ] « يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَِزْواجِكَ » .

[ 13 ] « يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ » .

ص: 315


1- 662. كذا في المخطوطة ونسخة النجف والنسخ الأخرى المطبوعة المتوفرة لدينا ، إلّا أنّ قوله تعالى : « إِنَّا جَعَلْناكَ » ، خطاب لداود عليه السلام ، ويبدو أنّ الموضع الثالث عشر هو قوله تعالى : « يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ » الواردة في سورة التحريم ، حيث وردت هذه الآية الشريفة في موضعين من الكتاب الكريم أحدهما في سورة التوبة ، والآخر في سورة التحريم .

مدح اللَّه لإثني عشر من الأنبياء بإثني عشر نوعاً من الطاعة

وقد مدح اللَّه لإثني عشر من الأنبياء بإثني عشر نوعاً من الطاعة :

مدح إسحاق ويعقوب عليهما السلام بالطاعة « وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ » .

ولعيسى عليه السلام بالزهادة ، قيل له : لو اتخذت منزلاً ، أو اشتريت دابة ، فقال ما قال .

ولسليمان عليه السلام بالسخاء ، وكان يطعم كلّ يوم سبعمائة جريب من الحواري(1) ، وهو يأكل الحسكل(2) .

ولإبراهيم عليه السلام بالرحمة « إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ » ، وفيه قصّة المجوس الذين أسلموا من ضيافته .

لنوح عليه السلام بالصلابة « رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً » ، وأيضاً من موسى وهارون عليهما السلام « رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ » .

فبالغ نبينا صلى الله عليه وآله في هذه الخصال حتى نهاه عن ذلك :

الاستغفار « اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ » .

المجاهدة « وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ » .

العبادة «طه ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ » .

الزهد « لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ » ، وفيه حديث مارية ، وعرض عليه مفاتيح الدنيا فأبى .

ص: 316


1- 663. الحواري : الدقيق الأبيض ، وهو لباب الدقيق .
2- 664. الحسكل : الردي ء من كلّ شي ء .

السخاء « وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً » .

الرحمة « وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ » ، وقال « فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ » .

الصلابة « لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ » « يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ » ، وفيه قصّة ابن مكتوم .

الإنذار « نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ » .

عيب آلهتهم « وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ » .

أقسم لأجله بخمسة عشر قسماً

وإنّه - تعالى - أقسم لأجله بخمسة عشر قسماً :

[ 1 ] بهدايته «وَالنَّجْمِ إِذا هَوى » .

[ 2 ] برسالته « يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ » .

[ 3 ] بوليّ عهده « وَالْعادِياتِ ضَبْحاً » .

[ 4 ] بمعراجه « لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ » .

[ 5 ] بشريعته « إِنَّ الإِْنْسانَ لَفِي خُسْرٍ » .

[ 6 ] بكتابه « ق وَالْقُرْآنِ الَْمجِيدِ » .

[ 7 ] بخلقه « لَقَدْ خَلَقْنَا الإِْنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ » .

[ 8 ] بخلقه « ن وَالْقَلَمِ » .

[ 9 ] بزيادة نوافله «طه ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ » .

[ 10 ] بطهارته « فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ » .

ص: 317

[ 11 ] ببلده « لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ » .

[ 12 ] بمحبّته « وَالضُّحى وَاللَّيْلِ » .

[ 13 ] بتهديد مؤذيه « كَلاَّ لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ » .

[ 14 ] بعقوبة أعدائه « كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ » .

[ 15 ] بعمره « لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ » ، ومن شدّة فرط المحبّة أن يحلف بعمر حبيبه .

كلّ ما سأل الأنبياء من اللَّه أعطاه بلا سؤال

وكلّ ما سأل الأنبياء من اللَّه - تعالى - أعطاه بلا سؤال :

آدم عليه السلام « وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا » ، وله صلى الله عليه وآله « لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ » .

نوح عليه السلام « لا تَذَرْ عَلَى الأَْرْضِ » ، وله صلى الله عليه وآله « إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ » .

إبراهيم عليه السلام « وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ » ، وله صلى الله عليه وآله « يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ » .

شعيب عليه السلام « رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا » ، وله صلى الله عليه وآله « إِنَّا فَتَحْنا لَكَ » .

لوط عليه السلام « رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ » ، وله صلى الله عليه وآله « وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ » .

موسى عليه السلام « قالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي » ، وله صلى الله عليه وآله « أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ » .

موسى عليه السلام « اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي » ، وله صلى الله عليه وآله « إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ » .

ص: 318

كان له إثنتان وعشرون خاصّية

وكان له إثنتان وعشرون خاصّية :

[ 1 ] كان أحسن الخلائق « الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ » .

[ 2 ] وأجملهم « لَقَدْ خَلَقْنَا الإِْنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ » .

[ 3 ] وأطهرهم «طه ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ » .

[ 4 ] وأفضلهم « وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً » .

[ 5 ] وأعزّهم « لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ » .

[ 6 ] وأشرفهم « إِنَّا أَرْسَلْناكَ » .

[ 7 ] وأظهر(1) المعجزة « قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِْنْسُ وَالْجِنُّ » .

[ 8 ] وأهيب الناس «سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ » .

[ 9 ] وأكملهم سعادة « عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ » .

[ 10 ] وأكرمهم كرامة «سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى » .

[ 11 ] وأقربهم منزلة « ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى » .

[ 12 ] وأقواهم نصرة « وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً » .

[ 13 ] وأصحّهم رؤيا « لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا » .

[ 14 ] وأكملهم رسالة « اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ » .

[ 15 ] وأحسنهم دعوة « فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِينَ » .

[ 16 ] وأعصمهم عصمة « وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ » .

[ 17 ] وأبعدهم صيتاً « وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ » .

ص: 319


1- 665. في نسخة « النجف » : « إظهار » .

[ 18 ] وأحسنهم خلقاً « وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ » .

[ 19 ] وأبقاهم ولاية « لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ » .

[ 20 ] وأعلاهم خاصّية « لَعَمْرُكَ » .

[ 21 ] وأجلّهم خليفة « إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا » .

[ 22 ] وأطهرهم أولاداً «إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ » .

[ وضع اللَّه ثلاثة أشياء على هوى الرسول صلى الله عليه وآله ]

وإنّ اللَّه - تعالى - وضع ثلاثة أشياء على هوى الرسول صلى الله عليه وآله :

[ 1 ] الصلاة «وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرافَ النَّهارِ » .

[ 2 ] والشفاعة « وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ » .

[ 3 ] والقبلة « فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً » ، كقول الناس : من حبّ فلان لفلان إنّه إن أمره بتحويل القبلة لحوّلها .

القرآن مكان الكتب السابقة

وأعطى التوراة لموسى عليه السلام ، والإنجيل لعيسى عليه السلام ، والزبور لداود عليه السلام .

وقال النبي صلى الله عليه وآله أوتيت السبع الطوال مكان التوراة ، والمئين مكان الإنجيل ، والمثاني مكان الزبور ، وفضّلني ربّى بالمفصّل(1)(2) .

ص: 320


1- 666. في نسخة « النجف » : « الفضل » وفي بعض النسخ : « بالمفضل » .
2- 667. تفسير الثعلبي : 9/68 ، جامع البيان للطبري : 1/68 .

شاركه مع نفسه في عشرة مواضع

وإنّه شاركه مع نفسه في عشرة مواضع :

[ 1 ] « وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ » .

[ 2 ] « أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ » .

[ 3 ] « وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ » .

[ 4 ] « إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ » .

[ 5 ] «اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ » .

[ 6 ] « وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ » .

[ 7 ] « إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ » .

[ 8 ] « فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ » .

[ 9 ] « فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ » .

[ 10 ] « وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ » .

جلالة قدره

ومن جلالة قدره : إنّ اللَّه نسخ بشريعته سائر الشرائع ، ولم ينسخ شريعته .

ونهى الخلق أن يدعوه باسمه « لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً » .

وإنّما كان ينبغي أن يدعو له : « يا أَيُّهَا الرَّسُولُ » « يا أَيُّهَا النَّبِيُّ » .

ص: 321

ولم يأذن بالجهر عليه « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ » .

أرسل نبينا الى الناس كافة

وإنّ اللَّه - تعالى - أرسل سائر الأنبياء إلى طائفة دون أخرى قوله : « وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسانِ قَوْمِهِ » .

كما قال : « إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ » « وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً » ، « وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً » قرية واحدة لم تكمل أربعين بيتاً ، « وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً » ، ولم تكمل أربعين بيتاً ، « ثُمَّ أَرْسَلْنا مُوسى وَأَخاهُ هارُونَ » إلى مصر وحدها ، وأرسل إبراهيم عليه السلام بكوثى ، وهي قرية من السواد ، وكان بعده لإسحاق ويعقوب عليهما السلام في أرض كنعان ، ويوسف عليه السلام في أرض مصر ، ويوشع عليه السلام إلى بني إسرائيل في البريّة ، وإلياس في الجبال(1) .

وأرسل نبينا صلى الله عليه وآله إلى الناس كافة قوله : « نَذِيراً لِلْبَشَرِ » ، والى الجنّ أيضاً .

قوله : « وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ » ، والى الشياطين أيضاً قال صلى الله عليه وآله : إنّ اللَّه أعانني على شيطان حتى أسلم على يدي(2) .

ص: 322


1- 668. تفسير أبي حمزة الثمالي : 131 ، كمال الدين : 220 .
2- 669. تاريخ بغداد : 4/101 ، والخبر عامي لم نجده في طرق الخاصة ولا مصادرهم .

قوله : « وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ كَافَّةً » ، وقال صلى الله عليه وآله : بعثت إلى الأحمر والأسود والأبيض(1) ، وقال صلى الله عليه وآله : بعثت إلى الثقلين(2) .

علّق خمسة أشياء باتباعه

وإنّه علّق خمسة أشياء باتباعه :

[ 1 ] المحبّة « فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ » .

[ 2 ] [ المغفرة ] « وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ » .

[ 3 ] والفلاح « وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ »(3) « تُفْلِحُونَ » .

[ 4 ] والهداية « فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى » .

[ 5 ] والرحمة « فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ » . . الآية .

له مقام المحبّة

المقام أربعة :

مقام الشوق لشعيب عليه السلام حيث بكى من خوف اللَّه .

ومقام السلام لإبراهيم عليه السلام « إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ » .

ص: 323


1- 670. مسند أحمد : 3/304 ، سنن الدارمي : 2/224 ، المصنف لابن أبي شيبة : 7/410 ، مجمع البيان : 8/218 ، المبسوط للطوسي : 4/154 .
2- 671. إمتاع الأسماع : 10/275 .
3- 672. في سورة الأعراف الآية : 158 « فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُْمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَ كَلِماتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ »

ومقام المناجاة لموسى عليه السلام « وَقَرَّبْناهُ نَجِيًّا » .

ومقام المحبّة للنبي صلى الله عليه وآله « فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ » .

خصّ الأنبياء بخصال وجمع للنبي ما جمع لنفسه

وسمّى اللَّه - تعالى - نوحاً عليه السلام شكوراً « إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً » ، وإبراهيم عليه السلام حليماً « إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ » ، وموسى عليه السلام كليماً « وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً » .

وجمع له كما جمع لنفسه : فقال : « إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ » ، وله « بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ » .

قيل : هما واحد .

وقيل : الرؤوف شدّة الرحمة ، رؤوف بالمطيعين ، رحيم بالمذنبين ، رؤوف بأقربائه ، رحيم بأصحابه ، رؤوف بعترته ، رحيم بأمّته ، رؤوف بمن رآه ، رحيم بمن لم يره(1) .

مدح كلّ عضو من أعضائه

وإنّه مدح كلّ عضو من أعضائه :

نفسه « لا تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ » .

رأسه « يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ » .

ص: 324


1- 673. مجمع البيان : 5/149 ، تفسير الثعلبي : 5/114 .

شعره « وَاللَّيْلِ إِذا سَجى » .

عينه « لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ » .

بصره « ما زاغَ الْبَصَرُ » .

اُذنه « وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ » .

لسانه « فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ » .

كلامه « وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى » .

وجهه « قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ » .

خدّه «وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ » .

فؤاده « ما كَذَبَ الْفُؤادُ » .

قلبه « عَلى قَلْبِكَ » .

صدره « أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ » .

ظهره « الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ » .

يده « وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ » .

قيامه « حِينَ تَقُومُ » .

صوته « فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ » .

رجله «طه ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ » يعني : طأ الأرض بقدميك(1) .

روحه « لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ » .

خلقه « وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ » .

ثوبه « وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ » .

ص: 325


1- 674. مجمع البيان : 7/6 ، تفسير السمرقندي : 389 ، تفسير الثعلبي : 6/236 .

علمه « وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ » .

صلاته « فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ » .

صومه «إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ » .

كتابه « وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ » .

دينه « دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ » .

أمّته « كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ » .

قبلته « فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً » .

بلده « لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ » .

قضاياه « إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً »

جنده « وَالْعادِياتِ ضَبْحاً » .

عزّته « وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ » .

عصمته «وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ »

شفاعته « لَعَلَّكَ تَرْضى » .

صلابته « بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ » .

وصيّه « إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ » .

أهل بيته « لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ » .

سمّاه نوراً وظلاً

وإنّما سمّاه نوراً « قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ » ، وسمّاه ظلّا « أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ » ، فبنوره يضي ء البلاد ، وبظلّه يعيش العباد .

ص: 326

بينه وبين سائر الأنبياء

وقال لسائر الأنبياء : « فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ » ، وقال له : « وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا » .

عيش الملوك ودين الملائكة

قوله : « وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ » ، الملوك لهم عيش بلا دين ، والملائكة لهم دين بلا عيش ، فأعطاه اللَّه عيش الملوك ودين الملائكة .

معنى طسم

قوله : « طسم » يقال : طا شجرة طوبى ، وسين سدرة المنتهى ، وميم محمد المصطفى(1) صلى الله عليه وآله .

سمّاه سراجاً منيراً

وسئل : إنّ اللَّه - تعالى - سمّاه سراجاً منيراً ، والشمع أنور .

الجواب : إنّ الشمع للأغنياء ، والسراج للفقراء ، فلم يحرمهم من نوره .

والشمس للظاهر لا للباطن ، وتضي ء بالنهار دون الليل ، وتخفى يوم الغيم ، والسراج تعمّ ذلك .

ص: 327


1- 675. مجمع البيان : 7/320 ، تفسير السمعاني : 549 ، تفسير السلمي : 2/71 .

تعويض اليتم

قوله : « أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى » من كنت له أميناً فلا يكون يتيماً .

« أَلَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ » ، وإن مات أبواك فأنا الحي الذي لا أموت ، أربيك كما "لا" يربيان « قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ » .

وأرزقك كما "لا" يرزقان « نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعاقِبَةُ » .

وهكذا للحفظ « وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ » .

وللمدح « وَسِراجاً مُنِيراً » .

وللنصرة « هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ » .

وللتزويج « يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ » .

وللمحبّة « ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ » .

وللقربة « ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى » .

وللعفو « لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ » .

وللآخرة « وَلَلآْخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأُْولى » .

فأيّ الأبوين يقيم بجميع ذلك ؟ ومع هذا جعلت الدارين تحت ختمك « لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ » في الدنيا و « عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ » في العقبى .

خاتم النبيين

قوله : « وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ » ، جابر وأبو هريرة : إنّ النبي صلى الله عليه وآله قال : وإنّما مثلي ومثل الأنبياء كرجل بنى داراً فأكملها وأحسنها إلّا موضع لبنة ،

ص: 328

فجعل الناس يدخلونها ويعجبون بها، ويقولون: هلّا وضعت هذه اللبنة ؟ فأنا اللبنة ، وأنا خاتم النبيين(1) .

جاء الأنبياء بالعقوبة وجاء بالرحمة

قوله : « وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ » ، لأنّ كلّ نبي جاء بعقوبة ، كنوح وهود وشعيب وصالح عليهم السلام ، وإنّه جاء بالرحمة .

فبحرمته سلم الكافر من العقوبة ، والمنافق من السيف في الدنيا ، فلا غرو أن ينجو المؤمن من النار في العقبى « وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ » .

النبي الأمّي

قوله : « النَّبِيَّ الأُْمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ » ، وقال صلى الله عليه وآله : نحن أمّة أميّة لا نكتب ولا نحسب .

وقيل : أمّي منسوبة إلى أمّته ، يعني جماعة عامّة ، والعامّة لا تعلم الكتابة .

ويقال : سمّى بذلك لأنّه من العرب ، وتدعى العرب الأمّيون ، قوله : « هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُْمِّيِّينَ » .

وقيل : لأنّه يقول يوم القيامة : أمّتي أمّتي .

ص: 329


1- 676. البخاري : 4/163 ، مسلم : 7/65 ، تفسير السمعاني : 4/290 .

وقيل : لأنّه الأصل ، وهو بمنزلة الاُم "التي" يرجع الأولاد إليها ، ومنه أمّ القرى .

وقيل : لأنّه لاُمّته بمنزلة الوالدة الشفيقة بولدها ، فإذا نودي في القيامة يوم « يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ » تمسّك بأمّته .

وقيل : منسوبة إلى أمّ ، وهي لا تعلم الكتابة ، لأنّ الكتابة من أمارات الرجال .

وقالوا : نسب إلى أمّه يعني الخلقة .

قال الأعشى :

وإنّ معاوية الأكرمين

حسان الوجوه طوال الأمم(1)

قال المرتضى في قوله : « وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ » . . الآية ، ظاهر الآية يقتضي نفي الكتابة والقراءة بما قبل النبوة دون ما بعدها ، ولأنّ التعليل في الآية يقتضي اختصاص النفي بما قبل النبوة ، لأنّهم إنّما يرتابون في نبوته لو كان يحسنها قبل النبوة ، فأمّا بعدها فلا تعلّق له بالريبة ، فيجوز أن يكون تعلّمها من جبرئيل عليه السلام بعد النبوة ، ويجوز أن لا يتعلّم فلا يعلم(2) .

قال الشعبي وجماعة من أهل العلم : ما مات رسول اللَّه صلى الله عليه وآله حتى كتب وقرأ(3) .

ص: 330


1- 677. تفسير السمعاني : 5/430 و1/98 ، التبيان للطوسي : 1/317 ، مجمع البيان : 10/6 .
2- 678. رسائل المرتضى : 1/107 ، مجمع البيان : 8/33 .
3- 679. السنن الكبرى للبيهقي : 7/42 ، تفسير السمعاني : 4/186 .

وفي حديث محمد بن علي الرضا عليه السلام في قوله : « هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُْمِّيِّينَ » ، فكيف كان يعلّمهم ما لا يحسن ؟ واللَّه لقد كان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يقرأ ويكتب بإثنين وسبعين - أو قال : ثلاثة وسبعين - لساناً(1) .

وقد شهر في الصحاح والتواريخ قوله صلى الله عليه وآله : ائتوني بدواة وكتف أكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده أبداً .

سمّي محمداً في أربعة مواضع من القرآن

قوله : « مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ » ، قد سمّاه بهذا الاسم في أربعة مواضع :

« وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ » .

« ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ » .

« وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ » .

و« مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ » .

آثار اسم محمد

النبي صلى الله عليه وآله : إذا سمّيتم ولدكم محمداً فلا تسبّوه ولا تضربوه(2) ، بورك في بيت فيه محمد ، ومجلس فيه محمد ، ورفقة فيها محمد(3) .

ص: 331


1- 680. معاني الأخبار : 54 ، الإختصاص للمفيد : 263 .
2- 681. الكامل لابن عدي : 3/18 .
3- 682. مكارم الأخلاق : 25 .

وما اجتمع قوم قطّ في مشورة وفيهم رجل اسمه محمد فلم يدخلوه في مشورتهم إلّا لم يبارك فيهم(1) .

لفظ « محمد » عند أهل الإشارات

قال أهل الإشارات : « الميم » ميثاق اللَّه على الأنبياء لأجله ، قوله : « وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ » .

و« الحاء » حبّه في قلوب المرسلين ، وتقلّبه في أصلاب الطاهرين « الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ » .

و« الميم الثاني » مرتبته في كتب الأنبياء « النَّبِيَّ الأُْمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَ الإِْنْجِيلِ » .

و« الدال » دولته إلى الأبد .

قوله : أنا دعوة إبراهيم ، وبشارة عيسى ، ورؤيا أمّي(2) .

* * *

وقيل : « الميم الأول » فإنّه المعرفة ، أعطاه اللَّه المعرفة بعلم الأولين والآخرين .

وأمّا « الحاء » فإنّ اللَّه - تعالى - أحيى المسلمين على يديه من الكفر بالإسلام حيث قال : « وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ » .

ص: 332


1- 683. الكامل لابن عدي : 1/168 .
2- 684. مسند أحمد : 4/127 ، المعجم الكبير : 18/252 ، تفسير الثعلبي : 1/278 .

و« الميم الثاني » أعطاه اللَّه مملكة لم يعط أحداً مثل ذلك .

وأمّا « الدال » فهو الدليل لجميع الخلائق إلى الفردوس .

* * *

وقيل : امح الشرائع ، ومدّ شريعتك .

و"قيل :" محى الشرك ومدّ الإسلام .

* * *

وقيل : « ميم » ملكه الممدود ، « حاء » حوضه المورود ، « ميم » مقامه المحمود ، « دال » دينه المشهود .

* * *

وقيل : لم يكن لموسى عليه السلام من اسمه إلّا حرفاً ، فسلم من الغرق ، ولا لنوح عليه السلام إلّا حرفاً ، فسلم من الطوفان ، ولا لسليمان عليه السلام إلّا حرفاً ، فوجد الملك ، ولا لداود عليه السلام إلّا حرفاً ، فوجد الملك ، فمن له كذا اسماً ألا ينجو من النار ، ولا يصل إلى الجنة ؟

* * *

الأمّة بأسرها وجدوا حرفاً من اسمه ، والإمامية وجدوا حرفين ، فأخذوا الشريعة بطرفيها .

* * *

وإنّ اللَّه خلق صورة بني آدم على صورة اسمه :

فالميم بمنزلة الرأس .

والحاء بمنزلة اليدين .

ص: 333

والميم بمنزلة البطن .

والدال بمنزلة الرجلين .

فلمّا خلق الخلق على صورة اسمه اليوم ، فيرجى أن يحشرهم في زمرته غداً ، ويرحمهم بشفاعته « وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى » .

* * *

قال سيبويه : أحمد على وزن « أفعل » يدلّ على فضله على سائر الأنبياء ، لأنّه ألف التفضيل(1) .

ومحمد على وزن « مفعل » ، والأنبياء محمودون ، فهو أكثر حمداً من المحمود ، والتشديد للمبالغة يدلّ على أنّه كان أفضلهم .

النهي عن جمع الاسم والكنية في غيره

أنس : قال رجل في السوق : يا أبا القاسم ، فالتفت إليه رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، فقال الرجل : إنّما أدعو ذلك الرجل ، فقال صلى الله عليه وآله : سمّوا باسمي ، ولا تكنّوا بكنيتي(2) .

أبو هريرة : إنّه قال : لا تجمعوا بين اسمي وكنيتي ، أنا أبو القاسم ، اللَّه يعطي(3) وأنا أقسم(4) .

ص: 334


1- 685. نهج الحقّ لابن جبر : 292 .
2- 686. مسند أحمد : 3/170 ، البخاري : 3/20 ، مسلم : 6/170 .
3- 687. في نسخة « النجف » : « يؤتي القسم » .
4- 688. مسند أحمد : 2/433 ، المصنف لابن أبي شيبة : 6/162 ، المعجم الكبير : 22/329 .

اسمه الأمين

وروي أنّ قريشاً لمّا بنت البيت ، وأرادت وضع الحجر ، تشاجروا في وضعه حتى كاد القتال يقع ، فدخل رسول اللَّه صلى الله عليه وآله فقالوا : يا محمد الأمين قد رضينا بك .

فأمر بثوب فبسط ، ووضع الحجر في وسطه ، ثم أمر من كلّ فخذ من أفخاذ قريش أن يأخذ جانب الثوب ، ثم رفعوا ، فأخذه رسول اللَّه صلى الله عليه وآله بيده فوضعه(1) .

ويروى أنّه كان يسمّى الأمين قبل ذلك بكثير(2) ، وهو الصحيح .

في الحساب

وفي الحساب : سيد النبيين صلى الله عليه وآله : وزنه المصطفى محمد رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، لأنّ عدد كلّ واحد منهما استويا في سبعمائة وأربعة عشر .

ص: 335


1- 689. و 2. المستدرك للحاكم : 1/458 .
2- 690. ...

ص: 336

فصل 34 : في وفاته صلى الله عليه وآله

اشاره

ص: 337

ص: 338

نعيت اليه نفسه

ابن عباس والسدي : لمّا نزل قوله تعالى : « إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ » قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : ليتني أعلم متى يكون ذلك ، فنزلت سورة النصر ، فكان يسكت بين التكبير والقراءة بعد نزولها فيقول : سبحان اللَّه وبحمده أستغفر اللَّه وأتوب إليه ، فقيل له في ذلك فقال : أما أنّ نفسي نعيت إليّ .

ثم بكى بكاءاً شديداً ، فقيل : يا رسول اللَّه ، أو تبكي من الموت وقد غفر اللَّه لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخر ؟ قال : فأين هول المطلع ؟! وأين ضيقة القبر وظلمة اللحد ؟! وأين القيامة والأهوال ؟!

فعاش بعد نزول هذه السورة عاماً(1) .

آخر ما نزل عليه من آيات القرآن

الأسباب والنزول عن الواحدي : أنّه روى عكرمة عن ابن عباس قال : لمّا أقبل رسول اللَّه صلى الله عليه وآله من غزوة حنين ، وأنزل اللَّه سورة الفتح ، قال : يا علي بن أبي طالب ويا فاطمة « إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَ الْفَتْحُ » إلى آخر السورة(2) .

ص: 339


1- 691. مجمع البيان : 2/214 ، تفسير الثعلبي : 2/289 .
2- 692. أسباب النزول للواحدي : 308 .

وقال السدي وابن عباس : ثم نزلت « لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ » الآية ، فعاش بعدها ستة أشهر .

فلمّا خرج إلى حجّة الوداع نزلت عليه في الطريق : « يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ » الآية ، فسمّيت آية الصيف .

ثم نزلت عليه وهو واقف بعرفة : « الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ » ، فعاش بعدها واحداً وثمانين يوماً .

ثم نزلت عليه آيات الربا .

ثم نزلت بعدها : «وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ » ، وهي آخر آية نزلت من السماء ، فعاش بعدها واحداً وعشرين يوماً .

قال ابن جريج : تسع ليال .

وقال ابن جبير ومقاتل : سبع ليال(1) .

تسلية النبي صلى الله عليه وآله

وقال اللَّه - تعالى - تسلية للنبي صلى الله عليه وآله : « وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ » .

وقال : « وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ » .

خروجه الى البقيع

ولمّا مرض النبي صلى الله عليه وآله مرضه الذي توفي فيه ، وذلك يوم السبت - أو يوم

ص: 340


1- 693. مجمع البيان : 2/214 ، تفسير البغوي : 1/504 .

الأحد - من صفر ، أخذ بيد علي عليه السلام ، وتبعه جماعة من أصحابه ، وتوجه إلى البقيع ، ثم قال :

السلام عليكم أهل القبور ، وليهنكم ما أصبحتم فيه ممّا فيه الناس ، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم ، يتبع آخرها أوّلها ، إنّ جبرئيل كان يعرض عليّ القرآن كلّ سنة مرّة ، وقد عرضه عليّ العام مرّتين ، ولا أراه إلّا لحضور أجلي .

خطبته يوم الأربعاء

ثم خرج يوم الأربعاء معصوب الرأس ، متكئاً على علي عليه السلام بيمنى يديه ، وعلى الفضل باليد الأخرى ، فصعد المنبر ، فحمد اللَّه وأثنى عليه ، ثم قال :

أمّا بعد ، أيّها الناس ، فإنّه قد حان منّي خفوق من بين أظهركم ، فمن كانت له عندي عدة فليأتني أعطه إياها ، ومن كان له عليّ دين فليخبرني به .

فقام رجل ، فقال : يا رسول اللَّه ، إنّ لي عندك عدة ، إنّي تزوّجت فوعدتني أن تعطيني ثلاثة أواقي .

فقال إيماء : انحلها يا فضل ، ثم نزل(1) .

ص: 341


1- 694. إعلام الورى : 1/264 ، الإرشاد للمفيد : 1/181 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 10/183 .

خطبة الجمعة ومطالبة سوادة بالقصاص والوصية بالثقلين

فلمّا كان يوم الجمعة صعد المنبر فخطب ، ثم قال :

معاشر أصحابي ، أيّ نبي كنت لكم ؟ ألم أجاهد بين أظهركم ؟ ألم تكسر رباعيتي ؟ ألم يعفر جبيني ؟ ألم تسل الدماء على حرّ وجهي ؟ ألم أكابد الشدّة والجهد مع جهال قومي ؟ ألم أربط حجر المجاعة على بطني ؟ .

فقالوا : بلى يا رسول اللَّه .

قال : إنّ ربّي حكم ، وأقسم ألا يجوزه ظلم ظالم ، فأنشدكم اللَّه أيّ رجل كانت له قبل محمد مظلمة إلّا قام ، فالقصاص في دار الدنيا أحبّ إليّ من القصاص في دار الآخرة على رؤوس الملائكة والأنبياء .

فقام إليه رجل يقال له « سوادة بن قيس » ، فقال : إنّك لمّا أقبلت من الطائف استقبلتك ، وأنت على ناقتك العضباء ، وبيدك القضيب الممشوق ، فرفعت القضيب ، وأنت تريد الراحلة ، فأصاب بطني ، فقال صلى الله عليه وآله لبلال : قم إلى منزل فاطمة عليها السلام ، فأتيني بالقضيب الممشوق .

فلمّا مضى إليها سألت فاطمة عليها السلام : وما يريد به ؟ قال : أما علمت أنّه يودّع أهل الدين والدنيا ، فصاحت وهي تقول : وا غمّاه لغمّك يا أبتاه .

فلمّا ورد إليه قال : أين الشيخ ؟ قال : ها أنا ذا يا رسول اللَّه ، بأبي أنت وأمّي ، فقال : فاقتص حتى ترضى ، فقال الشيخ : فاكشف لي عن بطنك ، ثم قال : أتأذن لي أن أضع فمي على بطنك ؟ فأذن له ، فقال : أعوذ بموضع القصاص من بطن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله .

فقال : اللّهم اعف عن سوادة بن قيس كما عفى عن نبيك محمد .

ص: 342

وقال صلى الله عليه وآله : لم يمت نبي قطّ إلّا خلّف تركة ، وقد خلّفت فيكم الثقلين : كتاب اللَّه ، وعترتي .

ثم دخل بيت أم سلمة قائلاً : ربّ سلّم أمّة محمد صلى الله عليه وآله من النار ، ويسّر عليهم الحساب(1) .

ارتداد القوم ومنعهم من كتابة الوصية

ابن بطّة والطبري ومسلم والبخاري واللفظ له : أنّه سمع ابن عباس يقول : يوم الخميس ! وما يوم الخميس ! ثم بكى حتى بلّ دمعه الحصى .

فقيل له : وما يوم الخميس ؟!

فقال : اشتدّ برسول اللَّه صلى الله عليه وآله وجعه يوم الخميس ، فقال : ائتوني بداوة وكتف أكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده أبداً .

فتنازعوا - ولا ينبغي عند نبي تنازع - فقالوا : هجر رسول اللَّه صلى الله عليه وآله !!!

وفي رواية مسلم والطبري قالوا : إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يهجر(2) !!!

[ وقال ] يونس الديلمي(3) :

وصّى النبي فقال قائلهم

قد ظلّ يهجر سيد البشر(4)

ص: 343


1- 695. الأمالي للصدوق : 733 ح 1004 ، روضة الواعظين : 73 ، المعجم الكبير : 3/59 .
2- 696. مسند أحمد : 1/222 ، البخاري : 4/31 و65 و5/137 ، مسلم : 5/75 ، السنن الكبرى للبيهقي : 9/207 ، مسند أبي يعلى : 4/298 ، المعجم الكبير : 11/352 ، الطبقات الكبرى : 2/242 ، تاريخ الطبري : 2/436 ، مسند الحميدي : 242 .
3- 697. عدّه ابن شهرآشوب في معالم العلماء في الشعراء المجاهرين بالولاء لأهل البيت عليهم السلام .
4- 698. كشف الغمة : 1/155 ، الصراط المستقيم : 7 .

البخاري ومسلم في خبر أنّه قال عمر : النبي صلى الله عليه وآله قد غلب عليه الوجع ، وعندكم القرآن ، حسبنا كتاب اللَّه !!

فاختلف أهل ذلك البيت واختصموا ، منهم من يقول : قرّبوا يكتب لكم رسول اللَّه صلى الله عليه وآله كتاباً لن تضلّوا بعده أبداً .

ومنهم من يقول : القول ما قال عمر !!

فلمّا كثر اللغظ والاختلاف عند النبي صلى الله عليه وآله ، فقال : قوموا .

فكان ابن عباس يقول : إنّ الرزية كلّ الرزية ما حال بين رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم(1) .

آخر الناس عهداً برسول اللَّه صلى الله عليه وآله علي عليه السلام

مسند أبي يعلى وفضائل أحمد عن أم سلمة في خبر : والذي تحلف به أم سلمة ، إنّه كان آخر الناس عهداً برسول اللَّه صلى الله عليه وآله علي عليه السلام ، وكان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله بعثه في حاجة غداة قبض ، فكان يقول : جاء علي ؟ ثلاث مرات .

قال : فجاء قبل طلوع الشمس ، فخرجنا من البيت لمّا عرفنا أنّ له إليه حاجة ، فأكبّ عليه علي عليه السلام ، فكان آخر الناس به عهداً ، وجعل يسارّه ويناجيه(2) .

ص: 344


1- 699. البخاري : 7/9 كتاب المرضى والطب ، مسلم : 5/76 ، السنن الكبرى للنسائي : 3/433 ، ابن حبان : 14/562 .
2- 700. مسند أبي يعلى : 12/404 ، المستدرك للحاكم : 3/138 ، مسند ابن راهويه : 4/129 رقم 1896 ، السنن الكبرى للنسائي : 4/261 ، المعجم الكبير : 23/375 .

ادعوا لي حبيبي

الطبري في الولاية ، والدار قطني في الصحيح ، والسمعاني في الفضائل ، وجماعة من رجال الشيعة عن الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن ، وعبد اللَّه بن العباس ، وأبي سعيد الخدري ، وعبد اللَّه بن الحارث ، واللفظ للصحيح :

إنّ عائشة قالت : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله - وهو في بيتها - لمّا حضره الموت : ادعوا لي حبيبي ، فدعوت له أبا بكر ، فنظر إليه ، ثم وضع رأسه .

ثم قال : ادعوا لي حبيبي ، فدعوت له عمر ، فلمّا نظر إليه قال : ادعوا لي حبيبي .

فقلت : ويلكم ادعوا له علي بن أبي طالب ، فواللَّه ما يريد غيره .

فلمّا رآه أفرج له الثوب الذي كان عليه ، ثم أدخله فيه ، ولم يزل يحتضنه حتى قبض ، ويده عليه(1) .

أحمد في مسنده عن ابن عباس : لمّا مرض رسول اللَّه صلى الله عليه وآله مرضه الذي مات فيه ، قال : ادعوا لي علياً .

قالت عائشة : ندعوا لك أبا بكر ؟

قالت حفصة : ندعوا لك عمر ؟

قالت أم الفضل : ندعوا لك العباس ؟

ص: 345


1- 701. الأمالي للطوسي : 332 ح 665 ، تاريخ دمشق : 42/393 ، مناقب الإمام علي عليه السلام لابن مردويه : 70 ، المناقب للخوارزمي : 68 رقم 41 ، ذخائر العقبى : 72 ، بشارة المصطفى : 373 .

فلمّا اجتمعوا رفع رأسه ، فلم ير علياً عليه السلام ، فسكت .

فقال عمر : قوموا عن رسول اللَّه(1) . . الخبر .

ومن طريقة أهل البيت عليهم السلام : إنّ عائشة دعت أباها ، فأعرض عنه ، ودعت حفصة أباها ، فأعرض عنه ، ودعت أم سلمة علياً عليه السلام ، فناجاه طويلاً ، ثم أغمي عليه .

فجاء الحسن والحسين عليهما السلام يصيحان ويبكيان حتى وقعا على رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، وأراد علي عليه السلام أن ينحّيهما عنه ، فأفاق رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، ثم قال : يا علي ، دعهما أشمّهما ويشمّاني ، وأتزوّد منهما ويتزوّدان منّي .

ثم جذب علياً عليه السلام تحت ثوبه ، ووضع فاه على فيه ، وجعل يناجيه(2) .

فاضت نفسه صلى الله عليه وآله في يد علي عليه السلام

فلمّا حضره الموت قال له : ضع رأسي - يا علي - في حجرك ، فقد جاء أمر اللَّه ، فإذا فاضت نفسي فتناولها بيدك ، وامسح بها وجهك ، ثم وجّهني إلى القبلة ، وتولّ أمري ، وصلّ عليّ أول الناس ، ولا تفارقني حتى تواريني في رمسي ، واستعن باللَّه - عزّ وجلّ - .

وأخذ علي عليه السلام برأسه فوضعه في حجره ، وأغمي عليه ، فبكت فاطمة عليها السلام ، فأومى إليها بالدنو منه، فأسرّ إليها شيئاً تهلّل وجهها .. القصّة.

ص: 346


1- 702. مسند أحمد : 1/356 .
2- 703. روضة الواعظين : 75 ، الأمالي للصدوق : 736 .

ثم قضى ، ويد أمير المؤمنين عليه السلام(1) اليمنى تحت حنكه ، ففاضت نفسه فيها ، فرفعها إلى وجهه ، فمسحه بها ، ثم وجّهه ، ومدّ عليه أزاره ، واستقبل بالنظر في أمره(2) .

ملك الموت يستأذن النبي

وروى أنّه قال جبرئيل عليه السلام : إنّ ملك الموت يستأذن عليك ، وما استأذن أحداً قبلك ولا بعدك .

فأذن له ، فدخل وسلّم عليه ، وقال : يا أحمد ، إنّ اللَّه - تعالى - بعثني إليك لأطيعك ، أقبض أو أرجع ؟ فأمره فقبض(3) .

جبرائيل يخيّر النبي ويعلن انقطاعه عن الأرض

الباقر عليه السلام : لمّا حضرت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله الوفاة نزل جبرئيل عليه السلام ، فقال : يا رسول اللَّه ، تريد الرجوع إلى الدنيا ؟ قال : لا ، وقد بلّغت .

ثم قال له : يا رسول اللَّه ، تريد الرجوع إلى الدنيا ؟ قال : لا ، الرفيق الأعلى(4) .

ص: 347


1- 704. في النسخ المطبوعة ، ونسخة البحار عن المناقب : « ومدّ أمير المؤمنين عليه السلام يده اليمنى » .
2- 705. الإرشاد للمفيد : 1/187 ، إعلام الورى : 1/267 ، قصص الأنبياء للراوندي : 357 .
3- 706. الأمالي للصدوق : 349 ، روضة الواعظين : 72 ، المعجم الكبير : 3/29 ، الطبقات الكبرى : 2/259 .
4- 707. إعلام الورى : 1/269 ، أمالي المفيد : 53 .

الصادق عليه السلام : قال جبرئيل عليه السلام : يا محمد ، هذا آخر نزولي إلى الدنيا ، إنّما كنت أنت حاجتي منها(1) .

علّمني ألف باب من العلم

وروي : أنّه انسلّ(2) علي عليه السلام من تحت ثيابه ، وقال : عظّم اللَّه أجوركم في نبيكم .

فقيل له : ما الذي ناجاك به رسول اللَّه صلى الله عليه وآله تحت ثيابه ؟ فقال : علّمني ألف باب من العلم ، فتح لي من كلّ باب ألف باب ، وأوصاني بما أنا به قائم إن شاء اللَّه(3) .

فاطمة عليها السلام تندب أباها

أبو عبد اللَّه بن ماجة في السنن ، وأبو يعلى الموصلي في المسند : قال أنس : كانت فاطمة عليها السلام تقول لمّا ثقل النبي صلى الله عليه وآله : أتاه جبرئيل ينعاه ، فقالت فاطمة : يا أبتاه ! من ربّه ما أدناه ، يا أبتاه ! جنّة الفردوس مأواه ، يا أبتاه ! أجاب ربّاً دعاه(4) .

ص: 348


1- 708. إعلام الورى : 1/269 ، المعجم الكبير : 3/129 رقم 2890 .
2- 709. في نسخة : « أسلّ » : أي انتزع وأخرج برفق ، وفي نسخة : « استل » والمعنى واحد .
3- 710. الإرشاد للمفيد : 1/186 ، إعلام الورى : 1/267 ، الأمالي للصدوق : 737 ، روضة الواعظين : 75 .
4- 711. مسند أبي يعلى : 6/111 ، مسند أحمد : 3/197 ، سنن الدارمي : 1/41 ، مسند ابن راهويه : 5/14 .

الكافي : اجتمعت نسوة بني هاشم ، وجعلن يذكرن النبي صلى الله عليه وآله ، فقالت فاطمة عليها السلام : اتركن التعداد ، وعليكن بالدعاء(1) .

مصيبة النبي سلوة لكلّ مصيبة

وقال النبي صلى الله عليه وآله : يا علي ، من أصيب بمصيبة فليذكر مصيبته بي ، فإنّها من أعظم المصائب(2) .

رثاء النبي

وأنشأ أمير المؤمنين عليه السلام :

الموت لا والد يبقي ولا ولدا

هذا السبيل إلى أن لا ترى أحدا

هذا النبي ولم يخلد لأمّته

لو خلّد اللَّه خلقاً قبله خلدا

للموت فينا سهام غير خاطئة

من فاته اليوم سهم لم يفته غدا(3)

* * *

[ وقالت ] الزهراء عليها السلام :

إذا مات قرم(4) قلّ واللَّه ذكره

وذكر أبي مذ مات واللَّه أزيد

تذكرت لمّا فرّق الموت بيننا

فعزّيت نفسي بالنبي محمد

فقلت لها إنّ الممات سبيلنا

ومن لم يمت في يومه مات في غد

ص: 349


1- 712. الكافي : 3/218 .
2- 713. قرب الإسناد : 94 ، سنن الدارمي : 1/40 ، الإستيعاب : 2/682 ، الطبقات الكبرى : 2/275 ، الكامل لابن عدي : 6/31 .
3- 714. الدر النظيم : 197 .
4- 715. القرم : السيد العظيم .

[وقال ] ديك الجن(1) :

تأمّل إذا الأحزان فيك تكاثرت

أعاش رسول اللَّه أم ضمّه القبر

* * *

[ وقال ] إبراهيم بن المهدي(2) :

اصبر لكلّ مصيبة وتجلّد

واعلم بأنّ المرء غير مخلّد

أو ما ترى أنّ الحوادث جمّة

وترى المنية للرجال بمرصد

فإذا ذكرت مصيبة تشجى بها

فاذكر مصابك بالنبي محمد(3)

* * *

ولغيره :

فلو كانت الدنيا يدوم بقاؤها

لكان رسول اللَّه فيها مخلّدا

ص: 350


1- 716. في الكنى والألقاب للشيخ عباس القمي : 2/237 : ديك الجن ، أبو محمد عبد السلام بن رغبان بفتح الراء المهملة وسكون الغين المعجمة ، أصله من مؤتة ، وولد في حمص ، وهو شاعر مشهور مجيد يذهب مذهب أبي تمام في شعره ، وكان مقيماً في حمص ، ولم يبرح نواحي الشام ، وكان يتشيع ، له مراث كثيرة للحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام . وله قصة لطيفة مع الرشيد مشهورة ذكرها الشيخ يوسف البحراني في كشكوله وشيخنا المتبحر النوري - نور اللَّه مرقده - في كتاب ظلمات الهاوية ، قيل : إنّه لمّا كان شيعياً نسبوه إلى الإلحاد ، توفى سنة ( 235 ه ) ، وله أخبار في الأغاني وابن خلكان وحياة الحيوان . قال صاحب مجمع البحرين : ديك الجن دويبة توجد في البساتين ، وكنيته أبو اليقظان .
2- 717. إبراهيم بن محمد المهدي بن عبد اللَّه المنصور ، العباسي ، أبو إسحاق ، ويقال له : ابن شكلة ، الأمير ، أخو هارون العباسي ، كان حاذقاً في صنعة الغناء ، مات في سر من رأى سنة 224 ه .
3- 718. التمهيد لابن عبد البر : 19/323 .

تجهيز النبي صلى الله عليه وآله

تغسيل النبي صلى الله عليه وآله

تاريخ الطبري ، وإبانة العكبري ، قال ابن مسعود : قيل للنبي صلى الله عليه وآله : من يغسلك يا رسول اللَّه ؟ قال : أهلي الأدنى(1) .

حلية الأولياء ، وتاريخ الطبري : إنّ علي بن أبي طالب عليهما السلام كان يغسل النبي صلى الله عليه وآله ، والفضل يصبّ الماء عليه ، وجبرئيل يعينهما ، وكان علي عليه السلام يقول : ما أطيبك حيّاً وميتاً(2) .

مسند الموصلي في خبر عن عائشة : ثم خلّوا بينه وبين أهل بيته ، فغسله علي بن أبي طالب عليه السلام ، وأسامة بن زيد(3) .

الصفواني في الإحن والمحن بإسناده عن إسماعيل بن عبد اللَّه عن أبيه عن علي عليه السلام قال : أوصاني رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : إذا أنا متّ ، فاغسلني بسبع قرب من بئري - بئر غرس(4) - .

إبانة ابن بطّة قال يزيد بن بلال : قال علي عليه السلام : أوصى النبي صلى الله عليه وآله أن لا يغسله أحد غيري ، فإنّه لا يرى أحد عورتي إلّا طمست عيناه .

ص: 351


1- 719. المعجم الأوسط : 4/209 ، تاريخ الطبري : 2/435 .
2- 720. تاريخ الطبري : 2/451 .
3- 721. مسند أبي يعلى : 8/371 .
4- 722. الكامل لابن عدي : 2/351 ، الإستبصار للطوسي : 1/196 ، التهذيب للطوسي : 1/435 ح 1398 .

قال : فما تناولت عضواً إلّا كأنّما كان يقلبه معي ثلاثون رجلاً حتى فرغت من غسله(1) .

وروي : أنّه لمّا أراد علي عليه السلام غسله استدعى الفضل بن عباس ليعينه ، وكان مشدود العينين ، وقد أمره علي عليه السلام بذلك إشفاقاً عليه من العمى(2) .

* * *

[ قال ] الحميري :

هذا الذي وليّته عورتي

ولو رأى عورتي سواه عمى

* * *

وله [ أيضاً ] :

من ذا تشاغل بالنبي وغسله

ورأى عن الدنيا بذاك عزاء

* * *

[ وقال ] العبدي(3) :

من ولى غسل النبي ومن

لفّفه من بعده في الكفن

* * *(4)

ص: 352


1- 723. الطبقات الكبرى : 2/287 ، الشفاء للقاضي عياض : 66 .
2- 724. الطبقات الكبرى : 2/278 ، الدر النظيم : 195 .
3- 3. المصمت : المغلق المبهم الذي لا فرجة فيه .
4- 725. 3. في أعيان الشيعة : 7/268 : ما أورده في المناقب للعبدي فالظاهر أنّ المراد به سفيان بن مصعب ، أبو محمد أو أبو عبد اللَّه سفيان أو سيف بن مصعب الشاعر المعروف بالعبدي الكوفي ، توفي حدود سنة 120 بالكوفة ، ذكره الشيخ في رجاله في ر؛ أصحاب الصادق عليه السلام فقال : سفيان بن مصعب العبدي الشاعر كوفي ، وقال الكشي : سفيان بن مصعب العبدي أبو محمد ، كما عن بعض النسخ ، وعن أكثر النسخ سيف بن مصعب ، وهو المطابق للنسخة المطبوعة . محمد بن مسعود : حدّثني حمدان بن أحمد الكوفي حدّثني أبو داود سليمان بن سفيان المسترق عن سيف بن مصعب العبدي قال : قال أبو عبد اللَّه عليه السلام : قل شعراً تنوح به النساء . نصر بن الصباح حدّثنا إسحاق بن محمد البصري حدّثني محمد بن جمهور حدّثني أبو داود المسترق عن علي بن النعمان عن سماعة قال : قال أبو عبد اللَّه عليه السلام : يا معشر الشيعة ، علّموا أولادكم شعر العبدي ، فإنّه على دين اللَّه . وعن روضة الكافي عن سهل بن زياد عن محمد بن الحسين عن أبي داود المسترق عن سفيان بن مصعب العبدي : دخلت على أبي عبد اللَّه عليه السلام فقال : قولوا لاُمّ فروة تجئ وتسمع ما صنع بجدّها ، فجاءت فقعدت خلف الستر ، ثم قال : أنشدنا ، فقلت : فرو جودي بدمعك المسكوب ، فصاحت وصحن النساء ، وقال أبو عبد اللَّه عليه السلام : الباب الباب ، فاجتمع أهل المدينة على الباب ، فبعث إليهم أبو عبد اللَّه عليه السلام صبي لنا غشي عليه ، فصحن النساء . . وله أخبار كثيرة .

[ وقال ] السروجي(1) :

غسّله إمام صدق طاهر

من دنس الشرك وأسباب الغير

فأورث اللَّه علياً علمه

وكان من بعد إليه يفتقر

* * *

[ وقال ] غيره :

كان بغسل النبي مشتغلاً

فافتتنوا والنبي لم يقبر

ص: 353


1- 726. في أعيان الشيعة : 9/29 : كشواذ بن ايلاس السروجي ذكره ابن شهرآشوب في معالم العلماء في شعراء أهل البيت المجاهرين .

الصلاة عليه صلى الله عليه وآله

وقال أبو جعفر عليه السلام : قال الناس : كيف الصلاة عليه ؟

فقال علي عليه السلام : إنّ رسول اللَّه إمام حيّاً وميتاً ، فدخل عليه عشرة عشرة .

فصلّوا عليه يوم الإثنين ، وليلة الثلاثاء حتى الصباح ، ويوم الثلاثاء ، حتى صلّى عليه الأقرباء والخواص(1) .

ولم يحضر أهل السقيفة !! وكان علي عليه السلام أنفذ إليهم بريدة ، وإنّما تمّت بيعتهم بعد دفنه(2) .

وقال أمير المؤمنين عليه السلام : سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يقول : إنّما نزلت هذه الآية في الصلاة عليّ بعد قبض اللَّه لي : « إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ »(3) . . الآية .

وسئل الباقر عليه السلام : كيف كانت الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله ؟ فقال : لمّا غسله أمير المؤمنين عليه السلام وكفّنه سجّاه ، وأدخل عليه [ عشرة ] عشرة ، فداروا حوله ، ثم وقف أمير المؤمنين عليه السلام في وسطهم ، فقال : « إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ » . . الآية ، فيقول القوم مثل ما يقول ، حتى صلّى عليه أهل المدينة وأهل العوالي(4) .

ص: 354


1- 727. إعلام الورى : 1/270 ، الإرشاد للمفيد : 1/188 ، قصص الأنبياء للراوندي : 357 .
2- 728. الدر النظيم : 195 .
3- 729. الكافي : 1/451 ح 38 .
4- 730. الكافي : 1/450 ح 35 .

موضع دفنه صلى الله عليه وآله

واختلفوا أين يدفن ؟

فقال بعضهم : في البقيع .

وقال آخرون : في صحن المسجد .

فقال أمير المؤمنين عليه السلام : إنّ اللَّه لم يقبض نبيه إلّا في أطهر البقاع ، فينبغي أن يدفن في البقعة التي قبض فيها .

فاتفقت الجماعة على قوله ، ودفن في حجرته(1) .

دفنه صلى الله عليه وآله

تاريخ الطبري في حديث ابن مسعود : قلنا : فمن يدخلك قبرك يا نبي اللَّه ؟ قال : أهلي(2) .

وقال الطبري وابن ماجة : الذي نزل في قبر رسول اللَّه صلى الله عليه وآله علي بن أبي طالب ، والفضل ، وقثم ، وشقران(3) .

ولهذا قال أمير المؤمنين عليه السلام : أنا الأول ، أنا الآخر(4) .

* * *

ص: 355


1- 731. التهذيب للطوسي : 6/3 ، روضة الواعظين : 71 .
2- 732. تاريخ الطبري : 2/436 ، الطبقات الكبرى : 2/257 .
3- 733. تاريخ الطبري : 2/452 ، المعجم الكبير : 1/229 .
4- 734. الإختصاص للمفيد : 163 .

[ قال ] الحميري :

وكفاه تغسيله وحده أحمد

ميتاً ووضعه في اللحد

* * *

[ وقال ] العبدي :

من كان صنو النبي غير علي

من غسّل الطهر ثم واراه

* * *

[ وقال ] العوني(1) :

من غسل المرسل من أنزله

في لحده وعنه للدين قضى

* * *

وأنشأ أمير المؤمنين عليه السلام :

نفسي على زفراتها محبوسة

يا ليتها خرجت مع الزفرات

لا خير بعدك في الحياة وإنّما

أخشى مخافة أن تطول حياتي(2)

* * *

وله عليه السلام :

أمن بعد تكفين النبي ودفنه

بأثوابه آسى على هالك ثوى

ص: 356


1- 735. في أعيان الشيعة : 1/172 : العوني طلحة بن عبيد اللَّه بن محمد بن عون الغساني المصري ، عدّه ابن شهرآشوب في شعراء أهل البيت المجاهرين ، قال : ونظم أكثر المناقب ويتهمونه بالغلو ، حدود 350 .
2- 736. تنبيه الغافلين لابن كرامة ( ت 494 ) : 41 قال : إنّه عليه السلام أنشدها عند شهادة الصديقة فاطمة عليها السلام .

رزئنا رسول اللَّه فينا فلن نرى

بذاك عديلاً ما حيينا من الورى

وكان لنا كالحصن من دون أهله

لهم معقل حرز حريز من العدى

وكنّا به شمّ الأنوف بنحوه

على موضع لا يستطاع ولا يرى

فيا خير من ضمّ الجوانح والحشا

ويا خير ميت ضمّه الترب والثرى

كأنّ أمور الناس بعدك ضمّنت

سفينة موج البحر والبحر قد طمى

وضاق فضاء الأرض عنهم برحبه

لفقد رسول اللَّه إذ قيل قد قضى

فيا حزناً أنّا رأينا نبينا

على حين تمّ الدين واشتدّت القوى

وكان الألى شبهته سفر ليلة

أضلّ الهدى لا نجم فيها ولا ضوى(1)

* * *

[ وله عليه السلام عند زيارة سيد الأنام :

ما غاض دمعي عند نائبة

إلّا جعلتك للبكا سببا

ص: 357


1- 737. الدر النظيم : 197 ، ديوان الإمام علي عليه السلام : 28 ، مطالب السؤول : 304 .

وإذا ذكرتك سامحتك به

منّي الجفون ففاض وانسكبا

إنّي أجلّ ثرى حللت به

عن أن أرى بسواه مكتئبا ]

* * *

[ وله عليه السلام :

فقد نزلت بالمسلمين مصيبة

كصدع الصفا لا شعب للصدع في الصفا

فلن يستقلّ الناس تلك مصيبة

ولن يجبر العظم الذي منهم وهى

وفي كلّ وقت للصلاة يهيجه

بلال ويدعو باسمه كلّما دعا

ويطلب أقوام مواريث هالك

وفينا مواريث النبوة والهدى ]

* * *

وله عليه السلام :

إلى اللَّه أشكو لا إلى الناس اشتكي

أرى الأرض تبقى والأخلاء تذهب

أخلاي لو غير الحمام أصابكم

عتبت ولكن ما على الموت معتب

* * *

ص: 358

وله [ أيضاً ] عليه السلام :

ألا طرق الناعي بليل فراعني

وأرّقني لمّا استقل مناديا

فقلت له لمّا سمعت الذي نعي

أغير رسول اللَّه إن كنت ناعيا

فخفق ما أشفقت منه فلم أجد

وكان خليلي عزّتي وجماليا

فواللَّه ما أنساك أحمد ما مشت

بي العيس في أرض وجاوزت واديا

وكنت متى اهبط من الأرض تلعة

أجد أثراً منه جديداً وباليا

شجاعاً تشطّ(1) الخيل عنه كأنّما

يزين به ليثاً عليهن عاديا

* * *

وله [ أيضاً ] عليه السلام :

ألا يا رسول اللَّه كنت رجائيا

وكنت بنا برّاً ولم تك جافيا

كأنّ على قلبي لذكر محمد

وما جاء من بعد النبي المكاويا

ص: 359


1- 738. تشط : تبعد .

أفاطم صلّى اللَّه ربّ محمد

على جدث أمسى بيثرب ثاويا

فدى لرسول اللَّه أمّي وخالتي

وعمّي وزوجي ثم نفسي وخاليا

فلو أنّ ربّ العرش أبقاك بيننا

سعدنا ولكن أمره كان ماضيا

عليك من اللَّه السلام تحيّة

وأدخلت جنات من العدن راضيا

* * *

وقالت الزهراء عليها السلام:

قل للمغيّب تحت أطباق الثرى

إن كنت تسمع صرختي وندائيا

صبّت عليّ مصائب لو أنّها

صبّت على الأيام صرن لياليا

قد كنت ذات حمى بظلّ محمد

لا أخش من ضيم وكان جماليا

فاليوم أخشع للذليل واتقي

ضيمي وادفع ظالمي بردائيا

فإذا بكت قمرية في ليلها

شجناً على غصن بكيت صباحيا

فلأجعلن الحزن بعدك مؤنسي

ولأجعلن الدمع فيك وشاحيا

ماذا على من شمّ تربة أحمد

أن لا يشمّ مدى الزمان غواليا(1)

* * *

ص: 360


1- 739. الغوالي : جمع الغالية ، أخلاط من الطيب كالمسك والعنبر .

ولها عليها السلام :

كنت السواد لمقلتي

يبكي عليك الناظر

من شاء بعدك فليمت

فعليك كنت أحاذر

* * *

ولها [ أيضاً ] عليها السلام :

نعت نفسها الدنيا اليكم(1) وأسرعت

ونادت ألا جدّ الرحيل وودعت

* * *

ولها عليها السلام وقد ضمنت أبياتاً وتمثّلت بها :

قد كنت لي جبلاً ألوذ بظلّه

فاليوم تسلمني لاجرد صاحي

قد كنت جار حميّتي ما عشت لي

واليوم بعدك من يريش جناحي

واغضّ من طرفي واعلم أنّه

قد مات خير فوارسي وسلاحي

حضرت منيته فأسلمني العزا

وتمكّنت ريب المنون جواحي

نشر الغراب عليّ ريش جناحه

فظللت بين سيوفه ورماحي

إنّي لأعجب من يروح ويغتدي

والموت بين بكوره ورواحي

فاليوم أخضع للذليل واتقي

ذلّي وادفع ظالمي بالراح

وإذا بكت قمرية شجناً بها

ليلاً على غصن بكيت صباحي

فاللَّه صيّرني على ما حلّ بي

مات النبي قد انطفى مصباحي

ص: 361


1- 740. في نسخة « النجف » : « نعت نفسك الدنيا الينا » .

وقالت أم سلمة رضي اللَّه عنها :

فجعنا بالنبي وكان فينا

إمام كرامة نعم الإمام

وكان قوامنا والرأس منّا

فنحن اليوم ليس لنا قوام

ننوح ونشتكي ما قد لقينا

ويشكو فقدك البلد الحرام

فلا تبعد فكلّ فتى كريم

سيدركه وإن كره الحمام

* * *

[ وقالت ] صفية بنت عبد المطلب :

يا عين جودي بدمع منك منحدر

ولا تملّي وبكّي سيد البشر

بكّي الرسول فقد هدّت مصيبته

جميع قومي وأهل البدو والحضر

ولا تملّي بكاك الدهر معولة

عليه ما غرّد القمري في السحر

* * *

[ وقال ] سالم بن زهير المحاربي :

أفاطم بكّي ولا تسأمي

فقد فاتك الماجد الطيب

جوى حلّ بين الحشا والشغاف

فخيّم فيه فلا يذهب

فيا عين ويحك لا تهجعي

وما بال دمعك لا يسكب

فمن ذا لك الويل بعد الرسول

يبكي من الناس أو يندب

* * *

[ وقال ] كعب بن مالك :

ألا أنعى النبي إلى العالمينا

جميعاً ولا سيما المسلمينا

ألا أنعى النبي لأصحابه

وأصحاب أصحابه التابعينا

ص: 362

ألا أنعى النبي إلى من هدى

من الجن ليلة إذ يسمعونا

لفقد النبي إمام الهدى

وفقد الملائكة المنزلينا

* * *

[ وقال ] حسان بن ثابت :

إنّ الرزية لا رزية مثلها

ميت بطيبة مثله لم يفقد

ميت بطيبة أشرقت لحياته

ظلم البلاد لمتهم أو منجد

والكوكب الدري أصبح آفلاً

بالنور بعد تبلّج وتصعّد

للَّه ما ضمنت حفيرة قبره

منه وما فقدت سواري المسجد

* * *

وله [ أيضاً ] :

بطيبة رسم للرسوم ومعهد

أضحى تعفّيه الرسوم وتمهد

ولا تمتحي الآيات من دار حرمة

بها منبر الهادي الذي كان يصعد

وواضح آيات وباقي معالم

وربع له فيه مصلّى ومسجد

عرفت بها رسم الرسول وعهده

وقبراً بها واراه في الترب ملحد

وما فقد الماضون مثل محمد

ولا مثله حتى القيامة يفقد

* * *

ص: 363

زيارته صلى الله عليه وآله

عن أنس قال صلى الله عليه وآله : من زارني بالمدينة محتسباً كنت له شفيعاً - أو شهيداً - يوم القيامة(1)(2) .

ص: 364


1- 741. تاريخ جرجان للسهمي : 220 رقم 347 ، كامل الزيارات : 46 باب 2 ح 14 ، السنن الكبرى للبيهقي : 5/245 .
2- 742. من المناسب أن نذكر بعض الأحاديث والأخبار الواردة في فضل زيارته صلى الله عليه وآله ففي قرب الإسناد للحميري القمّي : 65 : عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السلام : أنّ النبي صلى الله عليه وآله قال : من زارني حيّاً وميتاً كنت له شفيعاً يوم القيامة . وفي الكافي للشيخ الكليني : 4/548 : في باب زيارة النبي صلى الله عليه وآله عن ابن أبي نجران قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام : جعلت فداك ما لمن زار رسول اللَّه صلى الله عليه وآله متعمداً ؟ فقال : له الجنة . وعن فضيل بن يسار قال : إنّ زيارة قبر رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وزيارة قبور الشهداء ، وزيارة قبر الحسين عليه السلام تعدل حجّة مع رسول اللَّه صلى الله عليه وآله . وعن السدوسي عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : من أتاني زائراً كنت شفيعه يوم القيامة . وعن المعلى أبي شهاب قال : قال الحسين عليه السلام لرسول اللَّه صلى الله عليه وآله : يا أبتاه ما لمن زارك ؟ فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : يا بني من زارني حيّاً أو ميتاً ، أو زار أباك ، أو زار أخاك ، أو زارك كان حقّاً عليّ أن أزوره يوم القيامة ، وأخلّصه من ذنوبه . وعن أبي حجر الأسلمي عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : من أتى مكة حاجّاً ولم يزرني إلى المدينة جفوته يوم القيامة ، ومن أتاني زائراً وجبت له شفاعتي ، ومن وجبت له شفاعتي وجبت له الجنة ، ومن مات في أحد الحرمين مكة والمدينة لم يعرض ولم يحاسب ، ومن مات مهاجراً إلى اللَّه - عزّ وجلّ - حشر يوم القيامة مع أصحاب بدر . ر؛ وفي كامل الزيارات لجعفر بن محمد بن قولويه : 39 : عن عبد اللَّه بن سنان عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال : بينما الحسين بن علي عليهما السلام في حجر رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، إذ رفع رأسه فقال له : يا أبة ، ما لمن زارك بعد موتك ؟ فقال : يا بني من أتاني زائراً بعد موتي فله الجنة ، ومن أتى أباك زائراً بعد موته فله الجنة ، ومن أتى أخاك زائراً بعد موته فله الجنة ، ومن أتاك زائراً بعد موتك فله الجنة . وعن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال : قال الحسين عليه السلام لرسول اللَّه صلى الله عليه وآله : ما جزاء من زارك ؟ فقال : يا بني من زارني حيّاً أو ميتاً أو زار أباك أو زار أخاك أو زارك ، كان حقّاً عليّ أن أزوره يوم القيامة حتى أخلّصه من ذنوبه . وعن محمد بن علي قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : يا علي من زارني في حياتي أو بعد موتي ، أو زارك في حياتك أو بعد موتك ، أو زار ابنيك في حياتهما ، أو بعد موتهما ، ضمنت له يوم القيامة أن أخلّصه من أهوالها وشدائدها ، حتى أصيّره معي في درجتي . محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : من زارني أو زار أحداً من ذريّتي زرته يوم القيامة ، فأنقذته من أهوالها . عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : من أتاني زائراً كنت شفيعه يوم القيامة . عن ابن أبي نجران قال : قلت لأبي جعفر الثاني عليه السلام : جعلت فداك ، ما لمن زار رسول اللَّه صلى الله عليه وآله متعمداً ؟ قال : له الجنة . عن عبد الرحمان بن أبي نجران قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عمّن زار قبر النبي صلى الله عليه وآله قاصداً ؟ قال : له الجنة . عن أبي بكر الحضرمي قال : أمرني أبو عبد اللَّه عليه السلام أن أكثر الصلاة في مسجد رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ما استطعت ، وقال : إنّك لا تقدر عليه كلّما شئت ، وقال لي : تأتي قبر رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ؟ فقلت : نعم ، فقال : أما أنّه يسمعك من قريب ، ويبلغه عنك إذا كنت نائياً . عن عامر بن عبد اللَّه قال : قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام : إنّي زدت جمالي دينارين أو ثلاث على أن يمرّ بي إلى المدينة ، فقال : قد أحسنت ، ما أيسر هذا ، تأتي قبر رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وتسلّم عليه ، أمّا أنّه يسمعك من قريب ، ويبلغه عنك من بعيد . ر؛ عن أبي حجر الأسلمي قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : من أتى مكة حاجّاً ولم يزرني بالمدينة جفوته يوم القيامة ، ومن زارني زائراً وجبت له شفاعتي ، ومن وجبت له شفاعتي وجبت له الجنة ، ومن مات في أحد الحرمين مكة أو المدينة لم يعرض إلى الحساب ، ومات مهاجراً إلى اللَّه ، وحشر يوم القيامة مع أصحاب بدر . روي عن النبي صلى الله عليه وآله قال : من زارني في حياتي أو بعد موتي كان في جواري يوم القيامة . عن علي بن أبي طالب عليهما السلام قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : من زارني بعد وفاتي كان كمن زارني في حياتي ، وكنت له شهيداً وشافعاً يوم القيامة . عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : من أتاني زائراً كنت له شفيعاً يوم القيامة . عن قتيبة بن سعيد قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : من أتاني زائراً في المدينة محتسباً كنت له شفيعاً يوم القيامة . جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السلام عن علي بن الحسين عليهما السلام قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : من زار قبري بعد موتي كان كمن هاجر إليّ في حياتي ، فإن لم تستطيعوا فابعثوا إليّ السلام ، فإنّه يبلغني . عن أبي جعفر عليه السلام قال : إنّ زيارة قبر رسول اللَّه صلى الله عليه وآله تعدل حجّة مع رسول اللَّه صلى الله عليه وآله مبرورة . عن زيد الشحام قال : قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام : ما لمن زار قبر رسول اللَّه صلى الله عليه وآله . أمّا ما ورد في طرق العامة ومصادرهم ، فهي كثيرة منها : في السنن الكبرى للبيهقي : 5/245 ومسند أبي داود الطيالسي : 12 : عن عمر قال : سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يقول : من زار قبري - أو قال : من زارني - كنت له شفيعاً أو شهيداً ، ومن مات في أحد الحرمين بعثه اللَّه في الآمنين يوم القيامة . عن عبد اللَّه بن عمر قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : من حجّ فزار قبري بعد موتى كان كمن زارني في حياتي . ر؛ المصنف لعبد الرزاق الصنعاني : 9/267 : النبي صلى الله عليه وآله قال : من زارني - يعني من أتى المدينة - كان في جواري ، ومن مات - يعني بواحد من الحرمين - بعث من الآمنين يوم القيامة . سنن الدارقطني : 2/244 : عن حاطب قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : من زارني بعد موتي فكأنّما زارني في حياتي ، ومن مات بأحد الحرمين بعث من الآمنين يوم القيامة . عن ابن عمر قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : من زار قبري وجبت له شفاعتي . الجامع الصغير لجلال الدين السيوطي : 2/605 : من زار قبري وجبت له شفاعتي . من زارني بالمدينة محتسباً كنت له شهيداً وشفيعاً يوم القيامة . كنز العمال للهندي : 5/136 : من زارني متعمداً كان في جواري يوم القيامة .

ص: 365

ص: 366

[ تمّ الجزء الأوّل ويتلوه الجزء الثاني باب الإمامة إن شاء اللَّه ، والحمد للَّه ربّ العالمين ، وصلاته على سيّدنا محمد النبي وآله الطاهرين وسلّم تسليماً .

وافق الفراغ من نسخه يوم السبت سادس عشر شهر رجب من سنة تسعة وثمانين وخمس مائة ، كتبه العبد الفقير الى رحمة ربّه وشفاعة نبيه محمد صلى الله عليه وآله جعفر بن أحمد بن الحسين بن قمرويه الحائري ، حامداً للَّه ومثنياً عليه ، مصلّياً على نبيه صلى الله عليه وآله ، فرحم اللَّه من نظر فيه ، ودعا لكاتبه ، ومستكتبه بالمغفرة والرضوان . . ]

ص: 367

ص: 368

الفهرست

فصل 18 : في إعجازه صلى الله عليه وآله

( 5 - 20 )

معاجز في الغار7

إقبال الشجرة بأمره وإلقاؤها بأغصانها عليه وعلى علي10

سجود الشجرة بين يديه10

إقبال العذق وسجوده له11

خوف أبي جهل من النبي لما شاهده12

خرّ سرير عتبة وشيبة13

إخباره بالسرائر13

إخباره بما قال أبو سفيان لهند في الفراش13

إخباره بما بيّت له صفوان بن أمية14

إخباره بمكان ناقته14

إحياؤه جدي الفقير15

إحياؤه شاة أبي أيوب15

جدي آخر لأبي أيوب16

عبّرهم من ماء قدره أربع عشرة قامة17

ص: 369

كلامه مع الصبيّة الميتة17

حبس أبا لهب وامرأته حتى الفجر18

العجب من تراب الخندق18

فصل 19 : فيما ظهر من الحيوانات والجمادات

( 21 - 34 )

أول معجزة في المدينة23

أجابة النوق سبع مرات وشهدت له بالنبوة24

أمر نخلتين فانضمّتا فقضى حاجته26

سدرة النبي التي انفرجت له نصفين26

سمكة مكتوب عليها الشهادتين27

الشهادتان على شحمة أُذن سخلة27

خدش أبي فقتله27

إحتراق المنافق بالسراج27

أدّى دين المديون والتمر كما هو28

استند على شجرة يابسة فأثمرت28

شجرة الجحفة28

نزول الخيل من السماء لنصرة النبي29

مبارك اليمامة30

إخباره عامر بن كريز أنّ ابنه مستق30

عادت تفلة عقبة عليه فأحرقته31

عقاب يدفع الحيّة عن النبي31

ص: 370

إلياس يدعو أن يكون من الأمّة المرحومة32

استسقاؤه لأهل المدينة ومكة32

أتيناك وما لنا بعير يئط34

فصل 20 : في المفردات من المعجزات

( 35 - 40 )

مدّة ملك النبي بحساب الجمل37

الاستدلال بالنجوم على نبوته37

إحياؤه بلالاً بعد أن قتل39

عكّة أم مالك40

فصل 21 : فيما ظهر من معجزاته بعد وفاته صلى الله عليه وآله

( 41 - 54 )

الحيرة البيضاء قد رفعت لي43

لتنفقن كنوز كسرى وقيصر في سبيل اللَّه43

تبنى مدينة تجبى اليها خزائن الأرض44

ناس من أمّتي ينزلون البصرة44

أشقى الآخرين يضربك يا علي45

إخباره عن عدّة حوادث مهمّة45

إخباره بقتال عائشة46

إخباره عن أوّل زوجاته لحوقاً به48

يكون في ثقيف كذّاب ومبير48

ص: 371

أويس القرني49

يدفن على سور القسطنطنية رجل صالح من أصحابي50

المدد في معركة بدر51

فتح فدك وهبتها لفاطمة عليها السلام52

فصل 22 : فيما خصّه اللَّه تعالى به

( 55 - 66 )

فارق صلى الله عليه وآله جماعة النبيين بمائة وخمسين خصلة57

في النبوة57

في أمّته58

في الطهارة58

في الصلاة58

في الزكاة59

في الصيام59

في الحجّ59

في الجهاد59

في النكاح60

في الأحكام60

في الآداب61

في الآخرة62

معجزاته التي لم تكن لغيره63

معجزة القرآن أقوى من سائر معاجز الأنبياء63

ص: 372

فصل 23 : في آدابه ومزاحه صلى الله عليه وآله ( 67 - 80 )

آدابه69

مزاحه73

يا أبا عمير ما فعل النغير73

إرفق بالقوارير73

أنت سفينة74

إنّا حاملوك على ولد ناقة74

من يشتري هذا العبد74

يا ذا الاُذنين74

في عين زوجك بياض75

تمشي الهريسة75

أم حبين75

ترق عين بقة76

جرّي ذيلاً كذيل العروس76

الجنة لا يدخلها العجّز76

لا يدخل الجنة عجوز ولا أسود ولا شيخ77

نحن حول هذا ندندن77

يغنيك اللَّه بما يغني به المؤمنين77

قبّل إمرأة وطالب بالقصاص78

أتأكل التمر وعينك رمدة78

أبو هريرة يأكل نعل النبي78

أخبار نعيمان79

ص: 373

فصل 24 : في أسمائه وألقابه ( 81 - 98 )

أسماؤه83

أسماؤه في القرآن83

أسماؤه في الأخبار89

أسماؤه في الكتب السماوية والصحف89

أسماؤه في السماء90

أسماؤه عند أهل السماء وباقي الكائنات91

ألقابه صلى الله عليه وآله94

كناه وصفاته ونسبه97

كناه صلى الله عليه وآله97

صفاته97

نسبه97

فصل 25 : في نسبه وحليته صلى الله عليه وآله

( 99 - 112 )

أبوه101

أمّه104

عدد الآباء بينه وبين آدم104

صفة النبي صلى الله عليه وآله105

صفة شعره110

صفته في نهج البلاغة111

صفته في سحر البلاغة111

ص: 374

فصل 26 : في أقربائه وخدامه ( 113 - 154 )

أعمامه115

عمّاته115

من أسلم من أعمامه وعمّاته115

آخر من مات من أعمامه وعمّاته116

جدّاته116

أخوته من الرضاعة116

خدامه116

أخوه في الجاهلية116

أخوه ووزيره ووصيه وختنه117

ربيبه117

أزواجه118

ترتيب أزواجه118

أزواجه في مكة118

أزواجه في المدينة126

نساؤه المطلقات128

من لم يدخل بهن129

من خطبهن ولم يعقد عليهن130

التسع اللاتي قبض عنهن130

الموهوبة131

نساؤه اللواتي متن قبله131

ص: 375

أفضل نسائه131

إماؤه132

مهر نسائه132

أولاده133

رفقاؤه134

كتّابه135

دعاؤه على معاوية : لا أشبع اللَّه بطنه135

حاجبه136

مؤذنه136

مناديه136

من يضرب أعناق الكفار بين يديه137

حرّاسه137

من قدّمهم للصلاة137

عماله138

رسله139

المشبهون به139

من هاجر معه140

خدّامه من الأحرار140

عيونه140

من حلق رأسه141

من حجمه141

ص: 376

شعراؤه142

كعب بن مالك142

عبد اللَّه بن رواحة142

حسان بن ثابت143

النابغة الجعدي144

كعب بن زهير145

قيس بن صرمة145

لبيد146

ابن الزبعرى147

أمية بن الصلت148

عباس بن مرداس148

طفيل الغنوي149

كعب بن نمط149

مالك بن عوف150

قيس بن بحر151

عبد اللَّه بن حرب151

أبو دهبل151

بحير بن أبي سلمى152

الأعشى153

هجاته !!!153

ص: 377

فصل 27 : في أمواله ورقيقه صلى الله عليه وآله ( 155 - 170 )

أفراسه157

بغاله158

حمره158

إبله159

لقائحه159

منائحه160

حوائطه160

صفاياه161

إرثه161

سيوفه161

رماحه162

دروعه162

قسيّه163

رايته163

بعض ممتلكاته164

أثوابه165

سريره ومنبره166

شعار أصحابه166

مواليه167

إماؤه169

ص: 378

فصل 28 : في أحواله وتواريخه صلى الله عليه وآله ( 171 - 188 )

حمله صلى الله عليه وآله173

تاريخ ولادته173

مكان ولادته174

وفاة أبيه174

وفاة أمّه175

كافله175

رضاعه صلى الله عليه وآله175

خروجه في التجارة176

زواجه صلى الله عليه وآله176

بناء الكعبة ورضا قريش بحكمه177

بعثته صلى الله عليه وآله177

ابتداء دعوته178

إسراؤه178

وفاة أبي طالب وخديجة وإعلان دعوته178

الهجرة الى الحبشة179

حصار الشعب وكتابة الصحيفة179

خروجه الى الطائف179

بيعة العقبة الأولى180

بيعة العقبة الثانية180

بيعة الحارث181

رسله والوفود181

ص: 379

هجرته الى المدينة183

أول مسجد وأول صلاة في المدينة183

أحداث سنوات الهجرة184

تزويج فاطمة وعلي عليهما السلام184

مدّة نزول القرآن184

تحويل القبلة185

حجّه وعمرته185

حجّة الوداع ويوم الغدير186

نفّذوا جيش أسامة186

وفاته وتجهيزه ودفنه صلى الله عليه وآله187

فصل 29 : في معراجه صلى الله عليه وآله

( 189 - 202 )

المقدّمة191

اختلاف الناس في المعراج191

الإسراء192

حديث المعراج193

صفة البراق193

في الطريق194

ما رآه في السماء195

عند سدرة المنتهى196

أنبياء كلّ سماء196

ما يقرأه الملائكة من القرآن197

ص: 380

لمّا بلغ قاب قوسين197

ما أعطاه اللَّه تلك الليلة198

معنى حروف المعراج199

موقف أبي طالب لمّا فقده تلك الليلة199

تكذيبهم بحديث المعراج200

فصل 30 : في هجرته صلى الله عليه وآله

( 203 - 214 )

بيعة العقبة205

إجتماع دار الندوة وحضور إبليس207

مبيت أمير المؤمنين على فراش النبي208

خروجه الى الغار209

هجرة أمير المؤمنين علي عليه السلام210

نزوله في قبا212

دخول النبي صلى الله عليه وآله المدينة212

بناء المسجد213

فصل 31 : في غزواته صلى الله عليه وآله

( 215 - 280 )

الأمر بالقتال217

مجموع غزواته217

الغزوات التي قاتل فيها219

ص: 381

سراياه220

السنة الأولى220

السنة الثانية221

غزوة النخلة221

غزوة بدر الكبرى222

غزوة بني سليم229

غزوة السويق229

سنة ثلاث230

غزوة غطفان230

غزوة القردة230

غزوة بني قينقاع230

غزوة أحد231

غزوة حمراء الأسد236

غزوة الرجيع237

سنة أربع239

غزوة بئر معونة239

غزوة بني النضير241

غزوة بني لحيان242

سنة خمس244

غزوة الخندق244

بنو قريظة247

المريسيع250

ص: 382

سنة ست252

بعث عكاشة252

بعث أبا عبيدة252

سرية زيد252

غزوة زيد253

غزوة بني قرد253

ذات السلاسل254

غزوة أمير المؤمنين254

سرية عبد الرحمن254

سرية العرنيين254

سرية لرسول اللَّه صلى الله عليه وآله255

غزوة الغاية255

صلح الحديبية255

سنة سبع260

فتح خيبر260

فدك260

غزوة بني خزيمة261

غزوة قتل نجد261

بعث ابن رواحة261

بعث غلب الكلبي262

بعث عيينة262

عمرة القضاء262

ص: 383

سنة ثمان263

وقعة مؤتة263

غزوة الفتح264

حنين271

حرب أوطاس وخثعم وثقيف274

سنة تسع275

جيش العسرة275

إستخلاف أمير المؤمنين275

المعذّرون275

البكاؤون276

تخلّف الثلاثة277

أنت منّي بمنزلة هارون من موسى277

التحاق أبي ذر راجلاً277

وصولهم الى تبوك وظهور النفاق278

عدد الجيش278

إقامتهم وأخذ الجزية278

بعث سعد بن عبادة278

بعث خالد وعبد الرحمن278

بعث أبي عبيدة وزنباع279

ص: 384

فصل 32 : في اللطائف ( 281 - 310 )

بين أبي الزهراء وباقي الأنبياء283

آدم عليه السلام283

إدريس عليه السلام284

نوح عليه السلام284

هود عليه السلام286

صالح عليه السلام287

لوط عليه السلام288

إبراهيم عليه السلام289

يعقوب عليه السلام292

يوسف عليه السلام292

موسى عليه السلام293

داود عليه السلام302

سليمان عليه السلام303

يحيى عليه السلام305

عيسى عليه السلام306

فصل 33 : في النكت والإشارات

( 311 - 336 )

أسماؤه313

أسماؤه المختارة313

ص: 385

أربع أسماء مختارة أيضاً313

المواضع التي سمّاه « النبي » في القرآن315

مدح اللَّه لإثني عشر من الأنبياء بإثني عشر نوعاً من الطاعة316

أقسم لأجله بخمسة عشر قسماً317

كلّ ما سأل الأنبياء من اللَّه أعطاه بلا سؤال318

كان له إثنتان وعشرون خاصّية319

وضع اللَّه ثلاثة أشياء على هوى الرسول صلى الله عليه وآله320

القرآن مكان الكتب السابقة320

شاركه مع نفسه في عشرة مواضع321

جلالة قدره321

أرسل نبينا الى الناس كافة322

علّق خمسة أشياء باتباعه323

له مقام المحبّة323

خصّ الأنبياء بخصال وجمع للنبي ما جمع لنفسه324

مدح كلّ عضو من أعضائه324

سمّاه نوراً وظلاً326

بينه وبين سائر الأنبياء327

عيش الملوك ودين الملائكة327

معنى طسم327

سمّاه سراجاً منيراً327

تعويض اليتم328

خاتم النبيين328

ص: 386

جاء الأنبياء بالعقوبة وجاء بالرحمة329

النبي الأمّي329

سمّي محمداً في أربعة مواضع من القرآن331

آثار اسم محمد331

لفظ « محمد » عند أهل الإشارات332

النهي عن جمع الاسم والكنية في غيره334

اسمه الأمين335

في الحساب335

فصل 34 : في وفاته صلى الله عليه وآله

( 337 - 368 )

نعيت اليه نفسه339

آخر ما نزل عليه من آيات القرآن339

تسلية النبي صلى الله عليه وآله340

خروجه الى البقيع340

خطبته يوم الأربعاء341

خطبة الجمعة ومطالبة سوادة بالقصاص والوصية بالثقلين342

ارتداد القوم ومنعهم من كتابة الوصية343

آخر الناس عهداً برسول اللَّه صلى الله عليه وآله علي عليه السلام344

ادعوا لي حبيبي345

فاضت نفسه صلى الله عليه وآله في يد علي عليه السلام346

ملك الموت يستأذن النبي347

ص: 387

جبرائيل يخيّر النبي ويعلن انقطاعه عن الأرض347

علّمني ألف باب من العلم348

فاطمة عليها السلام تندب أباها348

مصيبة النبي سلوة لكلّ مصيبة349

رثاء النبي349

تجهيز النبي صلى الله عليه وآله351

تغسيل النبي صلى الله عليه وآله351

الصلاة عليه صلى الله عليه وآله354

موضع دفنه صلى الله عليه وآله355

دفنه صلى الله عليه وآله355

زيارته صلى الله عليه وآله365

الفهرست369

ص: 388

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.